العبارة السحرية
من منا لم يُشَنِّف السيد بنكيران أسماعه باللازمة السحرية التي لم يكن يخلو منها أي خطاب له سواء للدعاية الانتخابية أو للرد على تساؤلات من يركنون تحت قبة البرلمان و هي – اسمحو لي يالخوت- ، فحينما كان يرأس الحكومة السابقة اتخذ عدة قرارات مجحفة في حق من أوصلوه إلى سدة الحكم باسم العبارة السحرية –اسمحو لي – كما أخلف كثيرا من الوعود والشعارات التي كان يغازل بها الناخبين «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد».وذلك لسلب أصواتهم التي أوصلته إلى مبتغاه ،فباسم العبارة السحرية دائما –اسمحو لي – قام بإصلاح صناديق التقاعد المزعوم وعمد إلى رفع سن التقاعد وخفض المعاشات علاوة على رفع المساهمات كما رفع الدعم العمومي عن بعض المواد الأساسية و رفع ثمن الماء والكهرباء قصد حل معضلة العجز التي تهدد المكتب الوطني للماء والكهرباء وهذا غيض من فيض كما يقال ،وبالمقابل أخفق هو وحكومته في مباشرة الإصلاحات العميقة التي تحمي التجربة الديمقراطية من الانتكاس والتراجع كالمؤسسة الأمنية والمشهد الإعلامي ومنظومة القضاء و مشكل البطالة وحين عجز عن تفعيل السلطة المخولة له دستوريا لتنفيذ أهم البنود المتمثل في محاربة الفساد و المفسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية أخرج من مذوده العبارة السحرية –اسمحو لي وعند رفع الراية البيضاء في مواجهة العفاريت والتماسيح خرج عليهم بشعار «عفا الله عما سلف»، وعلينا بشعار الخلاص –اسمحو لي –يالخوت
وللإنصاف فإن السيد الوزير ليس هو الوحيد ممن كان يتكأ على هذه العبارة السحرية للتخلص من التزاماته نحو كل من علق عليه الآمال في إصلاح البلاد والعباد ، و إنما يمكن اعتبارها من الموروث الشعبي في المجتمع المغربي فهي عبارة كانت وما زالت تتردد في حالات متعددة كالإساءة عن قصد أو بدونه أو في بعض المواقف المحرجة التي قد تعترض الشخص في محيطه الذي يتفاعل فيه مع غيره من بني جلدته ،لأن الإنسان بطبعه يمتاز عن غيره من الكائنات بالفكر الذي بفضله يستطيع التمييز بين الخطأ والصواب في علاقته الاجتماعية ، فقد تسيطر عليه في بعض الأحيان سلوكيات تصدر عنها ردود أفعال قد تكون لها آثار سلبية تتمثل في بعض الانفلاتات الغير المحسوبة العواقب في لحظة من لحظات الغضب ،لذلك فعبارة مثل اسمح لي أو سامحني أو عفوا تعتبر صمام أمان عند البعض، تتردد باستمرار بين ألأفراد فلا يكاد يخلو منها أي فضاء أو مجال في المجتمع ، لها مفعولها الإيجابي في بعض المواقف ، وقد لا تعني شيئا في مواقف أخرى ، وبالأخص إذا استعملت في غير محلها كسلب الحقوق ظلما وعدوانا أو تعمد الأذى وقد يتفوه بها البعض بطريقة استعلائية فيها كثير من الغرور والدهاء
،فما حقيقة هذه العبارة السحرية وما مفعولها في المجتمع؟
يبدو مفهوم التسامح ظاهريا سهل التفهم لكنه في الواقع صعب من حيث التطبيق ،لأنه مفهوم معقد سواء من الناحية الدينية أو السيكولوجية التي تشير في بعض دراساتها إلى إمكانية تقلص عدد نزلاء مستشفى الأمراض العقلية لو انتشرت في المجتمع ثقافة التسامح المتبادل ليصبح من صميم الصحة العقلية للإنسان ،ومع ذلك فهو يعني من الناحية اللغوية السَّلاسة، والمُساهلة، والتهاون، والحِلم، والرِّفق،ومن الناحية الاصطلاحية القدرة على العفو عن الناس، وعدم رد الإساءة بالإساءة، والتحلي بالأخلاق الرفيعة ،وفي النُّظم الفلسفيَّة العالمية يُنظر إلى التسامح على أنَّه احترامٌ تبادليٌّ بين الأفرادِ والآراء، وإظهار اللطف والأدب في التعبير اللفظيّ أو السلوكيّ للأفراد كما يمكن اعتباره حاجةٌ مجتمعيَّة مُلحَّةٌ ،عليه تقومُ أسس المجتمعات البشريَّة، فالصورة الأخلاقيَّة والواقعيَّة للتَّسامح تنعكس على جميع أنظمة المجتمعات وتقدُّمها وتطوّرها،فإذا اختفت هذه القيمة المجتمعية تنتشر مفاهيم العنف والتعصُّب والتطرف، فتتعطَّل المصالح، و تنهدم الحضارات وتتزعزع عوامل أمنها واستقرارها، وتظهر سيادة الآراء المفروضة لأن حقيقة التَّسامح في المجتمع تتعلق برُكنَين أساسيين مترابطين هما احترام الحقوق والواجبات، إلا أن التَّسامح لا يعني أن يبتلع الشخص حماقات، وأخطاء الآخرين أو التَّنازل عن حقوقه المشروعة، كما لا يعني المجاملة أو المحاباة بل هو موقفٌ يعتمد على الاعتراف الكامل والمُطلق بالحقّ الشَّخصيّ والحريات الرئيسيّة للفرد والجماعة وينبغي أن يكون الهدفُ منه هو الإصلاحُ، فإن لم يتحقَّقِ ذلك مع تمادى المُسيءُ في إساءتِه، وجبَ الأخذُ بالحقِّ، والمطالبة بالقصاص وعدم التعرّضُ للإساءة و الإهانة باستمرار، و حينما يقدم الإنسان على هذه الخطوة أو يشجع غيره عليها فمن الأحسن أن يكون واضحا في هذا الموضوع لأن التسامح ليس واجبا عليه وليس إرضاء للمسيء أو خوفا منه أو احتراما له فهذا النوع من التسامح لا منفعة ترجى منه لأنه يمكن في كل لحظة أن تتكرر الإساءة بشكل أفظع ، بل ينبغي أن يكون عزيزًا في تسامحِه، يصدر ذلك منه من مواطن القوة فلا يرضى بالذِلَّةٍ والمهانةٍ، يقف وقفةً حازمة إذا أصيب في عرضه وكرامته فالله عز وجل عادِلٌ لا يقبل الإهانةَ والذلَّ لعبده وقد حث سبحانه على العفو، كما حث على القصاص حينما يَستدْعي الأمر ذلك وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغِي للمؤمنِ أن يُذِلَّ نفسَه»، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: «يتعرَّضُ من البلاءِ لمَا لا يطيقُ» (رواه الترمذي: [2254]، حسنٌ لغيره
MOULILA BENYOUNES
Aucun commentaire