لعلهم يعدلون عن إشاعة المغالطات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
لعلهم يعدلون عن إشاعة المغالطات
بَحثتُ كثيرا لأجد تصنيفا معينا لما ورد من مغالطات، في مقالٍ تحت عنوان « لعلهم يعلقون » لصاحبه أحمد عصيد، فوجدت أنها تتربع على طيف كبير منها، وبما أن الهدف من المغالطة المنطقية بصفة عامة كيفما كان صنفها، هو إقناع الآخر بصحة نتيجة خاطئة، فسأحاول أن أبرز مختلف المغالطات الواردة في المقال دون الاهتمام بتصنيفها.
تضمن المقال سبع مغالطات، فيما يلي ملخصا لكل منها متبوعا بتبيان عناصر تفنيدها:
- المغالطة الأولى: ينطلق فيها بمقدمة مفادها أن « تزويج الطفلة الصغيرة وفصلها عن الدراسة والتضحية بها يتم بسبب فقر الأسرة » ليخلص إلى أن « النتيجة هي عودتها بعد عام أو عامين مُطلقة بسبب عجزها النفسي والعقلي عن القيام بواجبات الأسرة » ليرتب على ذلك أن من يقبل بهذا فهو « شخص غير جدير بالثقة وليست فيه ذرة من الإنسانية ».
ردا على هذه المغالطة أقول بأن الشطر الأول منها يتعلق بتعريف الطفلة، ذلك أن صاحبة 16 أو 17 ربيعا أو أكثر أو أقل بقليل، لا تعتبر صغيرة في منطق الشريعة الإسلامية، أما الشطر الثاني فيتعلق بعلاقة زواج الطفلة بفصلها عن الدراسة، بحيث يوهم القارء على أن الفصل عن الدراسة سببه التزويج، بينما الحقيقة غير ذلك تماما، حتى وإن وُجدت حالات معزولة فإن الفصل يتم لأسباب متعددة أهمها فساد المنظومة التربوية، وكم تمنيت لو وَجدت كل فتاة تم فصلها عن الدراسة رجلا يحميها ويعفيها من الشارع ومن الاشتغال في الحانات والمقاهي، التي أصبحت تعج بها فتيات في مقتبل العمر، علما أن هذا النوع من الشغل غالبا ما يؤدي إلى ما يعرفه القاصي والداني، ثم ما هي الدراسة التي تم الاستناد عليها للتصريح بأن كل « الصغيرات التي تم تزويجهن » يتطلقن؟ وما هي نسبة هذا النوع من الطلاق إن وُجد مقارنة بعدد المطلقات البالغات؟ وأخيرا أسأل أيهما أجدر بالثقة هل هو الشخص الذي يزوج هذه « الطفلة » مع وجود احتمال عدم نجاح العلاقة الزوجية، أم الذي يرمي بها إلى المقاهي والحانات بحجة الاستقلال المادي الذي لا تحتاج نتيجته إلى توضيح؟
- المغالطة الثانية: تتعلق بوصف « من يشاهد امرأة وهي تناضل لمدة شهور لتضمن لطفلها مقعدا في المدرسة، دون أن تستطيع ذلك » بأنه جماد لا يمكن الاعتماد عليه في تدبير شؤون الدولة والمجتمع، والرد بسيط هو من أين أتت بهذا الطفل؟ مع العلم أن المادة 156 من مدونة الأسرة تنص على أنه يمكن توثيق الزواج » حتى وإن كان الحمل أو المولود غير شرعي » مع بعض الشروط الشكلية لا غير، ثم من هم هؤلاء المعتمد عليهم في تسيير شؤون الدولة؟ إنهم بالتأكيد ليسوا أولئك الذي يقصدهم الأستاذ عصيد.
- المغالطة الثالثة: تتمثل في تحميل « التعصيب » مسؤولية كل النساء التي يتواجدن في الشارع، وفي وصف من « لا يتألم لهذا الواقع البئيس الذي ترعاه قوانين خرقاء » بأنه قليل المروءة وعديم الضمير! والسؤال هو ما هي الدراسات التي اعتمدتَ للخروج بهذه النتيجة؟ ثم ما قولك في مصير الإناث اللواتي يتْركهن ولاة أمورهن في بيوت الكراء؟ ثم إن التعصيب يجب أن يُنظر إليه في إطار منظومة قيمية تربوية وفكرية واجتماعية متكاملة، تُأُخذ فيها الحقوق كما الواجبات على قدم المساوات، ليس كما يفهمها العلمانيون الذين يهتمون ب »الحق » دون الواجب!
- المغالطة الرابعة: يصف فيها من « يَعتبر أن « الذكر » أهم من « الأنثى » وأفضل، فقط لأن له عضو ذكري، يجعل مهمة المرأة أن تخدمه وتطيعه مهما تفوقت عليه عقلا وحكمة وعملا وإنتاجا »، بأنه جاهل بمفهوم الذكورة ذاته، وهذا صحيح، لكن وصفه لا ينطبق على من يقصدهم، لأنهم ببساطة ينطلقون من شرع الله في تحديد دور كل من الرجل والمرأة، مع كل ما يمكن أن يقع من تجاوزات تتعلق بطبيعة البشر، وإنما وصفه ينطبق على الذين يستعبدون الفقيرات لخدمتهم في بيوتهم وفي المقاهي والحانات ومجموعة من الأعمال الحاطة بكرامتها.
- المغالطة الخامسة: ويصف فيها من « يعتبر الإجهاض « حراما » ثم يتهرب بعد ذلك من التكفل بالطفل الناشئ الذي يعتبره « ابن زنى » هو شخص بلا رحمة. وردا على هذا أقول، بأنه لا يمكن لك أن تنطلق من منظومة « أخلاقية » وتحكم بها على منظومة أخلاقية مختلفة، ذلك أن الإجهاض حرام بالنسبة للحمل الشرعي، أما تحريمه بالنسبة للحمل غير الشرعي فهذا أمر بديهي لأنه سُبق بتحريم الزنا الذي قد يؤدي إليه، لذا فلو طُبِّق هذا الحد لما كان للإجهاض معنى عدا الاستثناءات الواردة في مدونة الأسرة، ثم أين تتجلى مظاهر الرحمة في قتل الأجنة، فقط لأن ذكرا وأنثى ارتبطا بعلاقة غير شرعية دون أن التفكير في عاقبة الأمور، فأين دور العقل إذا في هكذا تصرف؟
- المغالطة السادسة: تتعلق بوصف « من يَعْلم بأن المرأة ضحت بحياتها في ثلاثة عقود أو أكثر من الزواج، قامت خلالها بكل الأعمال الشاقة داخل البيت وخارجه، ثم تتم مطالبتها عند الطلاق بإثبات أنها « ساهمت » في ثروة العائلة بالوثائق والُحجج الإدارية حتى تأخذ حقها من الأموال المكتسبة » بأنه متواطئ ُومجردٌ من فضيلة النزاهة.
لدحض ما زعمه الأستاذ أحيله على المادة 49 من مدونة الأسرة التي تقول بالحرف ما يلي:
« لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها.
يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.
إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة. »
والسؤال ما العيب في مضمون هذا الفصل من المدونة؟ وهل يَعتبر السيد عصيد أن النساء ملائكة؟ أم يريد أن يفتح باب النصب والاحتيال على الأزواج، حتى يتم الإعراض عن الزواج واللجوء إلى قضاء حاجاتهم عن طريق الرضائية، طبقا لما يطالب به هو ومن معه، ومن ثم استحلال النساء دون مقابل، والخاسر الأكبر هي المرأة بكل تأكيد، إن آجلا أو عاجلا.
والمغالطة الأخيرة: وهي خلاصة ما سبقها من المغالطات، وهي أن « الفقه فقه الرجال، والنساء ضحاياهم، لأن الرجال صاغوا كل كلمة على مقاسهم، ولا حّل إلا بالخروج من قلعة الفقه القديم، وبناء قوانين للمرأة بوصفها إنسانا مواطنا »، وهذا غير صحيح البتة لأن التاريخ يعج بأسماء العالمات والفقيهات والمحدثات، ولعل نقرة أو نقرتين على لوحة مفاتيح الحاسوب أو حتى الهاتف، تبين كم كان هذا الحكم مجحفا في حق النساء، ثم إن الخروج من قلعة الفقه القديم كما يُعبر عن ذلك، يستلزم إيجاد هذه « القوانين التي تتعامل مع المرأة بوصفها إنسانا مواطنا »، شريطة ألا يتم إملاؤها من قبل الغرب، ثم عرضها على المجتمع، فإن قَبِل بها فآنذاك يمكن الحديث عن الخروج من هذه القلعة.
في الأخير أشير إلى أن كل هذا المغالطات وَجَّهَها باستعمال حرف « َمنْ » وهو حرف يُستعمل حسب قواعد اللغة العربية للعاقل، ومن ثم أعتقد أنه قد أخطأ الوجهة، لأن المستهدفون هم فعلا عاقلون، ولا يسعني إلا أن أقول له كفى من نشر الترهات والمغالطات التي تهدف إلى إفساد المجتمع، والتي لولا احتماؤك بأولي نعمتك لما كانت لك الجرأة على التفوه بكلمة منها في حق دين أمة تدين بالإسلام ويحكمها أمير للمؤمنين.
الحسن جرودي
Aucun commentaire