كيف نحافظ على كسبنا الرياضي بعد المونديال؟
الحبيب عكي
لقد أصبحت الرياضة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بالغة الأهمية في الحفاظ على صحة الشعوب وصناعة فرحها وترفيهها، بل وتنميتها وتقدمها وقبولها ورفعتها بين الشعوب، ويتأكد ذلك من خلال العديد من التظاهرات والبطولات والدوريات الرياضية الوطنية والدولية التي يشهدها العالم بانتظام. هذا فوق ما تتوفر عليه كل دولة من بنيات رياضية متنوعة تسعى جاهدة لدمقرطتها وتقريب خدماتها من الجميع.. ناهيك عن السياسات الرياضية المتطورة للدول وحرصها البليغ على رفع انتاجيتها في مختلف الرياضات عموما؟. الرياضة بطبيعة الحال، مرتبطة أيضا بالمخططات التنموية للدولة كرافعة ودافعة وقاطرة، فلا يمكن مثلا، أن تزدهر الرياضة في دولة متخلفة اقتصاديا و اجتماعيا.. ديمقراطيا وحقوقيا إلى غير ذلك. وليس عبثا أن يتأهل فريق دولة إلى إقصائيات كأس العالم مثلا دون غيره من فرق الدول الأخرى، أو أن لا يجني من تأهله غير التأهل، في حين أن غيره يذهب في الفعاليات والاقصائيات إلى أقصاها.
فعلا، لقد كان تأهل الفريق الوطني المغربي في هذا الإطار إلى كأس العالم قطر 2022، إنجازا معتبرا مقارنة بغيره من فرق الدول المجاورة والشقيقة والصديقة.. وكان أداؤه في فعاليات المونديال جد مشرف على غير العادة، أدخل الفرحة والبهجة على أبناء البلد بل وعلى غيرهم من أبناء الدول العربية والأفريقية والإسلامية عامة، خاصة في انتصاره التاريخي والأسطوري على فرق أوروبية عريقة كبلجيكا وإسبانيا والبرتغال التي طالما اعتبرها المعتبرون ما اعتبروها بكل الأبعاد الرياضية والقومية والتاريخية؟. وطبعا، كان وراء ذلك ما كان.. واعتبر ذلك الفوز إنجازا رياضيا تاريخيا.. وكسبا وطنيا غير مسبوق، ولكنه في نفس الوقت يطرح علينا العديد من الأسئلة المهمة والمقلقة، لعل أهمها في نهاية المطاف: ما الذي أدى إلى هذا الإنجاز الرياضي الوطني المبهر؟، وكيف يمكننا تعميمه على كل الرياضات الأخرى والحفاظ عليه؟، كيف يمكننا الاستثمار فيه من أجل التجويد والاستدامة؟، كيف يمكنه أن يساهم من أجل الإقلاع بالقطاعات التنموية الأخرى؟، حتى تكتمل فرحة المواطن ويرى أن الرياضة فعلا تضيف شيئا إلى حياته وتغير شيئا من واقعه التنموي والاجتماعي.. السياسي والحقوقي.. وليس مجرد فرحة مخدرة عابرة على حد قولهم: « شحال خاصك من ماتش يا البيت بلا خدمة »؟.
على أي، ما ينبغي فعله والحرص عليه -كما يرى العديدون – هو بالدرجة الأولى تمتين وتعزيز كل تلك العوامل التي أدت إلى هكذا كسب رياضي وطني مبهر وعلى رأسها:
1 تثمين الجانب القيمي والأخلاقي الكبير والذي ظهر به الفريق الوطني كرسالة رياضية للجميع.. لاعبين ومسيرين شباب أنيقين.. خلوقين.. مهرة.. منضبطين.. بتسريحات رجولية عادية.. أنسونا في خيبات من كان قبلهم من أصحاب « الشعكوكات » المخنثة والنتائج المخيبة؟.
2 تعزيز مفهوم المواطنة الذي طالما ضيقه البعض وأطلقه البعض الآخر على من يستحق ومن لا يستحق؟، فهؤلاء اللاعبين جلهم أبناء الجالية المغربية أعطوا للوطن مثل غيرهم وأكثر.. لكن حظهم من الأخذ أقل كما هو حال غيرهم من حشود المقيمين المتعثرين في الداخل؟.
3- توفير ظروف ممارسة مختلف الرياضات في الملاعب والساحات.. في المدارس والقاعات.. في الأحياء والمنتجعات..، في جو رياضي أفضل للجميع وعلى الصعيد الوطني والجهوي والمحلي، فهو ما سمح ولاشك ببروز هذه الطاقات والمواهب الرياضية الحالية في فرقهم في دول المهجر؟.
4- إصلاح الفساد الرياضي في بعض الجامعات الوطنية والعصب الجهوية التي ورغم ميزانياتها الضخمة يكاد كل عطائها لا يكون غير « جعجعة ولا طحين »، جراء ما تسلط عليها من بعض السماسرة الوصوليين والمرتزقة الصفقاتيين الذين تهم لوبياتهم وشبكاتهم الصفقات قبل الرياضة وبعدها؟.
5- شمولية الطرح التنموي لبقية القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم والتشغيل والخدمات الإدارية..، وهو الكفيل باستدامة الحماس والتشجيع الجماهيري العارم في كل ملحمة رياضية تربوية أو تنموية تتحقق لهذا الوطن.
6- تكريم اللاعبين القدامى والأبطال الرياضيين والاهتمام بأحوالهم الاجتماعية بما يحفظ كرامتهم سنوات اعتزالهم.. وبما يغنيهم عن التسول المقنع ويبقيهم كغيرهم وكما كانوا قدوات لغيرهم أيام الشباب والتضحية والعطاء.
إن الرياضة مدخل أساسي للتحفيز على المواطنة و »حب الأوطان من الإيمان »، والرياضة أساس لبناء القوة الناعمة وحتى الصلبة، و »المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف »، وإن كان في كل خير. غير أن القوة في الضعف عوز والعوز في الوطن غربة، فلله ذر من قال: « العقل السليم في الجسم السليم في البيئة السليمة « ، ومن البيئة السليمة أن تكون الرياضة بقدرها، لا مبالغة فيها ولا هستيريا.. أن تكون مجرد ترفيه مباح وتربية وتهذيب.. ينتصر فيها الأفضل وبكل روح رياضية لا يفسد للأخوة والتنافس والتعاون والتكافل قضية، وأفضل الرياضة ما كان بروح جماعية لا فردانية ولا أنانية.. ولا رياضة لنا إلا بقدر ما تكون ممارستها تربوية مواطنة تنخرط في قضايا الوطن والأمة تعبئة وتربية.. تضامنا ونضالا، رياضة صحية ترفيهية تهذيبية واجتماعية عارمة في الأحياء الشعبية والعصب الجهوية وملاعب القرب والقاعات الرياضية والحياة المدرسية والأحياء السكنية والجامعية.. لا مجرد طقوس فرجوية في المقاهي وعلى الفضائيات.. لا رياضة لنا بغير إنصاف هذا الشعب المعطاء وأولئك الأبطال الرياضيين وآبائهم الساهرين وهؤلاء المسؤولين الداعمين.. وكلنا هؤلاء و أولائك؟.
Aucun commentaire