مغادرة طوعية أم إزاحة خفية؟ !
اسماعيل الحلوتي
مغاربة كثر استبعدوا أن يكون المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، الحليف الاستراتيجي للحزب الحاكم العدالة والتنمية، المجتمع مساء يوم الثلاثاء فاتح اكتوبر 2019، قد اتخذ قرار مغادرة الحكومة بمحض إرادته في خضم المشاورات الجارية بشأن التعديل الحكومي، الذي دعا إليه ملك البلاد محمد السادس في خطاب العرش مساء يوم 29 يوليوز 2019، مطالبا رئيس الحكومة العثماني باقتراح مسؤولين حكوميين جدد من ذوي الكفاءة. ويعتبرون أن تصريح أمينه العام محمد نبيل بنعبد الله عن استحالة الاستمرار ضمن أغلبية ضعيفة وغير متجانسة، ليست سوى محاولة يائسة لطمس الحقيقة.
وبصرف النظر عما خلفته هذه المغادرة المباغتة من ردود أفعال متباينة، سواء بعد صدور بلاغ المكتب السياسي أو إثر مصادقة اللجنة المركزية على قرار الانسحاب، باعتبارها برلمان الحزب، حيث صوت 235 عضو من أصل 275 عضوا بالإيجاب مساء يوم الجمعة 4 أكتوبر 2019، وعما رافق ذلك من جدل وعراك بين المعترضين والموافقين على طريقة التصويت.
فإن المستبعدين لفرضية المغادرة الطوعية المزعومة، يؤكدون على أنه لم يكن هناك من داع لاتخاذ قرار بهذا الحجم في الوقت الراهن، لما له من تداعيات في غير صالح الحزب، اللهم إلا إذا كان خلف الأكمة شيء خفي، لاسيما أنهم يعرفون مدى تشبث أمينه العام بالمناصب والمكاسب والتهافت على الحقائب، كما يشهد له بذلك سجله السياسي، حيث يقول البعض أنه ولد ليكون سفيرا أو وزيرا. فهل معنى هذا أن الرجل لا يستطيع العيش خارج المناصب السامية؟
ذلك أن انسحاب الحزب من الحكومة كان سيبدو مقبولا وعاديا، لو أنه جاء في وقت يتولى فيه بنعبد الله إحدى الحقائب، أو إثر تمرير الحكومة قرارا لا شعبيا يمس بمصالح المواطنين، التي تضررت في أكثر من مناسبة دون أن يكون له أي اعتراض أو استنكار. أو مباشرة بعد إعفائه في أكثوبر 2017 من منصبه وزيرا للسكنى وسياسة المدينة رفقة القيادي بالحزب وزير الصحة الحسين الوردي وحرمان القيادي محمد أمين الصبيحي وزير الثقافة في حكومة ابن كيران من أي مهمة رسمية مستقبلا، على خلفية تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تعثر تنفيذ مشروع « الحسيمة منارة المتوسط » وما ترتب عنه من اضطرابات في منطقة الريف. أو مباشرة بعد إنهاء مهام القيادية شرفات أفيلال كاتبة الدولة المكلفة بقطاع الماء دون سابق إشعار أو اقتناع قيادة الحزب بمبررات رئيس الحكومة بخصوص حذف تلك الكتابة وحدها.
ومما زاد من استغراب المغاربة أن « الحاج نبيل » كما صار يلقبه الكثيرون في إطار السخرية بينهم، طالما لوح بورقة مغادرة الحكومة لممارسة الضغط على رئيس الحكومة من أجل نيل مبتغاه، لكنه كان في كل مرة يعود بخفي حنين، مبتهلا إلى الله أن يفك ضيقه ويعجل بنهاية ولاية حكومة ضاقت بحمله. بيد أنه في هذه المرة وبعد أن حسمت اللجنة المركزية في قرار الانسحاب النهائي، لم يعد بمقدوره مواصلة مناوراته المكشوفة، ورأى أن لا سبيل أمامه عدا دعوة الموالين له إلى الخروج « الآمن » من الحكومة حفظا لما تبقى من ماء الوجه، بعد أن شعر بالنيران تقترب من تنظيمه السياسي برمته. بينما يرى بعض المواطنين أنه ليس من المستبعد أن يكون رئيس الحكومة العثماني، الذي يبدو على غير وفاق معه لأسباب متعددة من بينها قربه من سلفه ابن كيران، قد وضع أمامه قشرة موز أوقعته على قنة رأسه، من خلال اقتراحه عليه حقيبة يتيمة لا ترقى إلى مستوى الحقيبتين اللتين كانتا بحوزة حزبه من حيث ثقلهما الاعتباري: الصحة والسكنى.
فمن الوهم الاعتقاد بأن المواطن المغربي المعروف بذكائه ستنطلي عليه حيلة ما ذهبت إليه قيادة الحزب من مبررات، وكأنها اكتشفت فجأة أن وضع الأغلبية سيء للغاية، ومرشح لمزيد من التفاقم في ما تبقى من شهور قليلة عن نهاية ولاية الحكومة في نسختها الثانية، فضلا عن أنها أضحت فاقدة لأي نفس سياسي حقيقي من شأنه المساعدة على التدبير الجيد والمعالجة الصحيحة للملفات العالقة واجتراح الحلول الناجعة للمشاكل المطروحة، لما يعتري مكوناتها من تفكك وتجاذبات ومزايدات سياسوية، وإعطائها الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق عام 2021 وهدر الزمن السياسي على حساب المواطنين، الذين أصيبوا باليأس والإحباط وفقدوا الثقة في العمل السياسي والمؤسسات. والحال أن القيادة التي تتحدث عن الضعف وعدم الانسجام هي نفسها من كانت تشدد على التمسك بالعمل من داخل الأغلبية بصفة متضامنة، فما الذي تغير اليوم؟ وإذا كانت تؤمن فعلا بحاجة البلاد إلى نفس ديمقراطي جديد وبناء مغرب حداثي يقوم على العدالة الاجتماعية والتضامن، فما الذي يدعوها إلى الانسحاب في هذا الظرف العصيب؟
إن انسحاب الحزب « الشيوعي » الذي أمضى أزيد من عقدين في التدبير الحكومي بدون طائل، وسواء تعلق الأمر بمغادرة طوعية أم إزاحة خفية، فإنه يدعو إلى استخلاص العبرة من أنه ليس في السياسة صديق دائم ولا عدو دائم، وأن تحالفه لمدة ثماني سنوات مع الإسلاميين في تناقض صارخ مع مبادئه وإيديولوجيته، كان صفقة انتهازية خاسرة، أدت إلى تهميشه وتضرره على عدة مستويات من حيث تناقص شعبيته وتآكل مصداقيته وتراجع عدد المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية، ولا نعتقد أن اصطفافه في المعارضة سيعيد له بعض بريقه.
Aucun commentaire