أي فتنة أخطر من طحن البشر؟ !
واهم من كان يعتقد أن عودة ابن كيران مجددا لرئاسة الحكومة، إثر تصدر حزبه نتائج تشريعيات السابع أكتوبر، ستضطره إلى إعادة النظر في تصرفاته، وتجعله متحررا من منطق المظلومية ونظرية المؤامرة، وأكثر تعقلا في تفاعله مع نبض الشارع وأشد التصاقا بهموم وقضايا المواطنين، لما اكتسبه من خبرة في ولايته الأولى.
فهو قبل حتى إنهاء مشاوراته مع قادة الأحزاب السياسية، واتضاح الرؤية حول طبيعة الحكومة المرتقبة، أبى إلا أن يعبر مرة أخرى عن ضيق صدره وقصر نظره، ويظهر بوعي أو بدونه أن الحفاظ على المنصب عنده أهم بكثير من إزهاق أرواح الأبرياء، مما جعله يخلف موعد التصالح مع الساخطين على سوء تدبيره للشأن العام، وقراراته اللاشعبية في حكومته المنتهية الصلاحية.
ذلك أنه تجرد من أي حس إنساني، ودعا في بلاغ تافه بنفس الأسلوب الاستفزازي الأرعن المعهود، أعضاء حزبه والمتعاطفين إلى عدم الاستجابة لدعوات المشاركة في احتجاجات الأحد 30 أكتوبر 2016 بمختلف المدن، تحت هواجس أمنية خوفا من حدوث انزلاقات، قد تساهم في إشعال نيران الفتنة. وهو ما اعتبره الكثيرون مصادرة للحريات وتحديا سافرا لمشاعر المغاربة، الذين أدمى قلوبهم الاغتيال الآثم للسماك محسن فكري يوم الجمعة 28 أكتوبر 2016، في مشهد رهيب داخل شاحنة لشفط الأزبال بمدينة الحسيمة، وكأن قدر المغاربة أن تفرم لحومهم وتنقل جثامينهم في شاحنات النفايات في عهده، لتختلط كرامة الإنسان بالقاذورات. فأين نحن من تلك الدموع الزائفة، التي كانت تذرف بسخاء في المهرجانات الخطابية إبان الحملة الانتخابية؟ وكيف له أن يمنع فئة من أبناء الشعب من التضامن مع روح الفقيد وعائلته، وحرمانهم من التعبير عن غضبهم ضد رجال السلطة المتجبرين والمتورطين في هذه الجريمة الشنعاء، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم وجدوا أنفسهم ضمن المنتمين والموالين لحزبه وأذرعه الدعوية والنقابية والطلابية؟ ولماذا كل هذا الإصرار على التمييز بين المغاربة ومحاولة تقسيمهم بين مصلحين طيبين ومفسدين أشرارا؟ أليس المغاربة سواسية في الحقوق والواجبات؟ فلم استقلال طائرة خاصة والانتقال إلى الرشيدية بمعية قياديين من حزبه، لحضور جنازة الطالب عبد الرحيم الحسيني الذي ذهب ضحية العنف الجامعي؟
ولأن « فكري » ليس هو « الحسيني » أو أحد المقربين، كاد الإهمال أن يلفه لولا يقظة الجماهير الشعبية ومبادرة الملك محمد السادس في تقديم واجب العزاء لعائلته، عبر إرسال وزير الداخلية محمد حصاد إلى بيتها، وتعهد السلطات ببذل أقصى الجهود في تعميق البحث، للكشف عن ملابسات الحادث الرهيب والمفجع، ما أجبر ابن كيران على بعث وفد بقيادة رئيس المجلس الوطني سعد الدين العثماني، من أجل مواساة الأسرة المكلومة. فأي نفاق أكبر من هذا؟ وجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى، التي يكشف فيها عن انتهازيته، فقد سبق له أن أدار ظهره لاحتجاجات حركة 20 فبراير، التي عبدت له طريق رئاسة الحكومة، من خلال شعاراتها المزلزلة والمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد عام 2011.
ويحز في النفس، وقوع الفاجعة ولم يمض سوى أسبوعين على جرعة الأمل التي جسدها الخطاب الملكي السامي، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للبرلمان من الولاية التشريعية العاشرة يوم الجمعة 14 أكتوبر 2016، الذي وجه فيه انتقادات لاذعة للإدارة المغربية، جراء استشراء الفساد الإداري عن طريق التهاون، تعطيل مصالح المواطنين والشطط في استعمال السلطة… داعيا المؤسسات الإدارية والقضائية إلى مواكبة الإصلاح الاجتماعي، وتجاوز النقائص والاختلالات القائمة، وتغيير السلوكات المنحرفة والعقليات المتحجرة، وتجويد التشريعات من أجل الارتقاء بمستوى المؤسسات، حتى تكون قادرة على أداء واجبها بجودة عالية وفي آجال معقولة. غير أن رئيس الحكومة، عوض أن يلتقط هذه الإشارة القوية، ويعمل على حسن استثمارها في الاتجاه الصحيح، حتى تكون المرحلة القادمة ورشا كبيرا للإصلاح الفعلي، تتكاثف فيها الجهود لمعالجة أهم قضايا وانشغالات المواطنين، والدفع بعمل المرافق الإدارية نحو الأفضل، وتحسين خدماتها بما يسعد المواطنين، استمرأ لعبة غض الطرف عن الأقوياء والاستقواء على الضعفاء، مما ينذر بقدوم خمس سنوات أخرى عجاف، حافلة بالمعاناة والاستنزاف.
فمن يزرع الفتنة غير كبار المهربين وأباطرة المخدرات وبعض المتسلطين من رجال السلطة، وكل منتهكي كرامة الإنسان وسالبي حقوقه؟ وما خروج المغاربة للشارع عدا رد فعل تلقائي تضامني مع « شهيد الحكرة »، وتعبيرا عن الشجب والتنديد بما يتعرض إليه المواطنون الأبرياء من انتهاكات، دون ربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن بواعث الفتنة أيضا، التوزيع غير العادل للثروة، التمادي في « طحن » القدرة الشرائية للفقراء، العنف المفرط ضد المعطلين من حاملي الشهادات وغيرهم، المحسوبية في التعيين بالمناصب السامية، الزيادات في فواتير الماء والكهرباء، الإجهاز على المكتسبات وتفشي الرشوة في قطاعات كالصحة والتعليم والأمن… وهل يعقل استمرار مسلسل الاضطهاد والاستعباد، وسقوط ضحايا جدد، في انتظار تدخل ملك البلاد لإنصافهم أو ذويهم عند « الموت »؟
إن حادث الحسيمة التراجيدي، بقدرما عمق جراحنا، كشف لنا أيضا عن حجم المتآمرين على بلدنا، ومافيات الصيد البحري غير المشروع، وعن درجة الوعي المتقدم لدى المغاربة ونضجهم الواضح، من خلال انضباطهم الكبير واحتجاجاتهم الحضارية. وأنه لإعادة التوازن للمجتمع، ودرءا لأي انفجار شعبي محتمل، ينبغي تجاوز حدود معاقبة الجناة، التعجيل بالإصلاحات الكبرى والحرص الشديد على تطبيق القوانين بدون تمييز بين كبير وصغير…
1 Comment
rien ne contribue à l’ordre que de mettre à sa place pour pouvoir développer le Maroc c est que de mettre l homme convenable à la position convenable tout en utilisant le staff des experts pour prendre n importe quelle décision c est pourquoi les pays de l Europe ont avancé de 200 ans par rapport à nous on a des grandes compétences au Maroc dans toutes les spécialités mais il faut les intégrer dans les décisions politiques et socio économique