البوليساريو: بين ظل المملكة وعراء العصابة
رمضان مصباح الادريسي
في أي سلة يوجد بيض البوليساريو اليوم؟
هكذا تساءلت في ختام موضوعي : »حكومتنا لا تفتح بريد الجزائر »:
يتأسس سؤالي هذا على فراغ سياسي جزائري كبير، رسمي وشعبي – اليوم – في ما يخص الحمل الصحراوي، غير الشرعي ،الذي أريد للجزائر الرسمية أن تحبل به منذ عشرات السنين؛ جنينا « راقدا » ،كما تعبر العامة.
فراغ تعكسه خطب الجنرال قايد صالح ،الذي أريد له ،بدوره، أن يحبل بجنين الجمهورية الجزائرية الثانية التي يطالب بها الشعب، دون أدنى نية أو استعجال للولادة.
جمهورية أخرى مُنَوَّمةٌ في رحم العسكر ،تنضاف الى اختها الصحراوية .
ولا حضور بارزا للقضية في ما يرفعه الحراك من مطالب ،وما يرشح عنه في وسائل التواصل.
ان هذا الغياب على مستوى الشارع الجزائري ،يؤكد أن الحمل الصحراوي الراقد لا يعنيه اطلاقا ،لأنه ليس من صلبه ولا فراشه.
أما تأكيده على « يتنحاو كاع » ،فينسحب حتى على قادة الانفصاليين ؛باعتبار دورهم المتواطئ و المبرِّر لنهب المسؤولين الجزائريين للمال العام ،والمساعدات القادمة من الخارج.
انهم الفرع الذي يسري عليه حكم الأصل.
لو كانت الأطروحة الانفصالية قضية شعبية أيضا ،لالتفت الحراك الحالي حتى الى معاناة ساكنة سجن الصحراء والشمس بتندوف ؛وهي تفوق كثيرا معاناة الشعب الجزائري.
ويبقى أن نفترض ،ليس الا، حضورها في الملفات التي فتحها القضاء الجزائري ،والتي لها اشتغال واحد الى حد الساعة: الفساد المالي للمسؤولين ورجال الأعمال الكبار .
واذا اشتغل القضاء مستقلا ،حقيقة، فسيصل حتما الى أشكال من نهب المال العام ،تندرج في خانة دعم « الشعب الصحراوي » .
وهل يعقل أن لاتُلفت انتباهَ القضاء ،وهو يدقق في هدر المال العام ، ضياع مئاتِ الملايير من الدولارات ،طيلة حكم ما أصبح يسمى رسميا بالعصابة؟
ومما يقوي هذا الافتراض حديث الجنرال ،أخيرا ،عن ملفات فساد ثقيلة جدا ،وبالغة الخطورة.
لعلها ملفات قصر المرادية ،وبصفة خاصة تبعات قرصنة سعيد بوتفليقة لأختام الرئاسة ،على مدى سنوات.
ويشتم من عبارات الجنرال أن الأمر يتعلق برشاوى بأرقام فلكية ؛وهي لن ترقى الى هذا المستوى ان لم تكن متعلقة بأذرع « صونتراك » الأخطبوطية في الداخل والخارج؛ وبمقتنيات الجيش من الأسلحة .
وفي كليهما تحضر قضية الصحراء ،كما تسخرها الجزائر لخدمة أجندتها ؛وكما تُدفع الى ذلك دفعا ،من قبل القوى الخارجية النافذة، والمستفيدة جيوسياسيا واقتصاديا.
أما في الخارج فقد خبا ،أو يكاد، بريق الدعاية الرسمية الجزائرية لأطروحة الانفصال؛ نظرا للانشغال المفتون بولادة شعب جزائري جديد، فاجأ العالم بسقف مطالبه ،وبأسلوبه الحضاري وهو يجوب الشوارع ،غير مكترث لكونه على مرمى نظام عسكري له سوابق في الإبادة الجماعية ،على مدى العشرية السوداء.
نظام عسكري مدعوم خليجيا أيضا ، ليجهض كل محاولات الانعتاق الشعبية ،حتى لا تكون مدرسة تقبل الشعوب على دروسها.
زمن التيه الانفصالي:
أبحث عن مجرد سِلال بها بيض البوليساريو فلا أجدها، لا عند الجزائر العسكرية، ولا عند المدنية. لا أجدها لا في العير ولا في النفير ،كما يقال.
وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن قضية الصحراء ، في شقها السياسي التدبيري المتعلق بالجزائر ،خط أحمر لا تقربه لا الدولة العميقة ولا السطحية.
انك لو نظرت الى المخيمات ،من علٍ ،لبدت لك تجمعا بشريا في العراء ،يحيط به حزامان عسكريان؛ المباشر صحراوي ،والذي يليه حزام جزائري داعم للحزام الأول ومراقبٌ له.
ولكن في السماء مداراتٌ لأقمار صناعية حارسة لهؤلاء وهؤلاء؛ وتعرف كل التفاصيل اليومية، وتوجه تقاريرها لقوى العالم المعنية على مدار الساعة.
هذه الصورة أشبه ما تكون بالصورة المجهرية للخلية البيولوجية الانقسامية؛ بنواتها وجدرانها .
من زرع هذه الخلية ،ومن يحضنها ؟
لماذا هي هاهنا في هذا الشمال الافريقي ،المحاذي للاتحاد الأوروبي؟
انها أسئلة أكبر من أن تجيب عنها زعامات الانفصاليين؛ التي تبحث اليوم عن مواقعها داخل جزائر الحراك فلا تجدها، لاعند العسكريين النافذين ولا عند المدنيين الثائرين.
فهل تنتبه هذه الزعامات الى كونها اليوم في العراء ،لأن صاحب الدار منشغل عنها بأبنائه؟
وهل تنتبه الى أن صاحب الدار ليس له شيء من الأمر ،ولا يملك من خيوطه الا ما هو أوهن من بيت العنكبوت.
هل تعرف هذه الزعامات المتخلفة فكريا ووطنيا وعلميا ، لغة الأقمار الاصطناعية ،لتفهم عنها كل الأحابيل الجيوسياسية الدولية ،التي أدخلتها وسجانها الأسر في سجن الصحراء والشمس؟
واصلي أيتها الزعامات البحث عن مواقعك السابقة ،وحاولي فقط أن تحجزي دقائق من زمن الجنرال.
وهل يستطيع الجنرال نفسه فك كل الأسرار البيولوجية المتحكمة في الخلية ،وفي جنينيه الراقدين؟
الصيف ضيعتم اللبن ؛وها هي القوى العظمى ،وهيئة الأمم ،تحدث بأحاديث لم تألفوها.
ان الشريط الهندي القديم على وشك الانتهاء ،حيث يموت الساحر وتعاود الأميرة والأمير سيرتهما الأولى ،التي انقطعت وتحجرت بفعل المسخ السحري.
وحولهما الطير صافات ويقبضن.
وما في أياديكم الآن يا زعماء الانفصال غير قبض الريح.
« ان الوطن غفور رحيم » لا تزال فاعلة ،وخيار الحكم الذاتي لا يمكن أن يظل واردا الى الأبد.
ها أنتم تبحثون الآن عن مواقع لكم سابقة داخل الجزائر المضطربة ،السائلة، فلا تجدونها.
وغدا ستطالبون فقط بالحكم الذاتي فلا تجدونه.
وهل ستغامر المملكة بزرع خلايا الإرهاب الدولي في خاصرتها الجنوبية ؛خصوصا والبغدادي يغري فلوله بشساعة الصحراء الافريقية وتمنعها.
ها أنتم في مفترق الطرق ،فاختاروا ما بين عراء العصابة وظل الوطن.
وطن لم يوهم أبدا بعض مواطنيه بكونهم أفضل من بعض.
وطن جُعنا فيه لنبني حضارة بالصحراء، وهي حاضرة في كل تقارير الأقمار التي تعلوا عليكم وعلى سجانيكم.
Aucun commentaire