في الجزائر: من يعيد النمر الى القفص؟
رمضان مصباح الادريسي
هل من زعيم ينقذ الجزائر ؟
ان الجزائر الآن ،وقد طردت عزيزها شر طردة، مريضا مدحورا لا ظل يأويه، عدا تخذيل (ليس الخذلان) جنرالاته الأقوياء ؛وهم بدورهم ،ومعهم حكومتهم الجديدة، على مرمى حجر من قضاء الشعب، المنتصب نمرا متنمرا ،خارج القفص ،وخارج حتى الحديقة؛ هذه الجزائر الآن بحاجة الى زعيم مدني حقيقي ،مسنود شعبيا ،وعلى أوسع نطاق؛ غير معتمر لا لقبعة العسكر ،ولا لقبعة جبهة التحرير ،والإنجازات القتالية و الدولتية التأسيسية لقادتها التاريخيين وليس الانقلابيين .
من أين لها هذا الزعيم ،اليوم؛ وقد اجتثت « عصابة قصر المرادية » – على حد التوصيف العسكري اليوم لمحيط الرئيس الذي أجهش أخيرا باستقالة باكية – كل عروق الشجرة ،وجففت كل السواقي؟
ومن اين سيستمد هذا الزعيم زعامته ؛مادام الجنرال قايد صالح احتكر كل شيء لفائدة الجيش:
الاصطفاف المتلكئ و »التكتيكي » الى جانب الشعب الثائر ؛ والانزال الدستوري التدريجي للرئيس المريض ، من على كرسي الغياب الرئاسي، بعد ست سنوات من حكم « العصابة » التي حكمت الجزائر ،من خارج الدستور.
لازعامة مدنية ممكنة اليوم في الجزائر ؛وهنا مكمن الخطورة.
ان « الأوليغارشية » العسكرية ،في الجزائر وغيرها، لا تدخر زادا للأيام العجاف؛ لا تفسح أبدا المجال لظهور بديل لها؛ وهي، على حد عبارة أبي فراس الحمداني، « لها الصدر دون العالمين أو القبر ».
انها لا تؤمن بالوسطية و البينَ بين.
ولنا أمثلة في أنظمة القذافي ، وعلي عبد الله صالح ،وزين العابدين ،وعمر البشير..
قايد صالح يحكم الجزائر وحراكها:
لقد بدا » طنطاوي الجزائر » شديد الوثوق في عدم وجود زعامة سياسية معارضة، مؤهلة لتسلم مشعل الحراك ،والمضي قدما صوب قصر المرادية ،عبر مراحل ترتبها هي ؛محتكمة فيها الى نبض الشارع ونبشه ،بل صراخه وعويله.
من شدة وثوقه في أحذيته الثقيلة ،انتصب أمام الحراك قائدا له.
ثم انتصب فقيها دستوريا ،يخرج من جيوبه المادة تلو الأخرى.
وليَطمئن الى أنه يركب النمر فعلا ولا يروضه فقط ، نصب حكومة تصريف الأعمال ،الى أن يتضح المآل.
لم يستشر معارضة ولا موالاة ،عدا ساكنة الثكنات ،ينتصب فيهم خطيبا ،ولا ينتظر منهم رايا.
هكذا يواصل الجناح العسكري ل »العصابة » حكم الجزائر ،وحكم الحراك الشعبي أيضا.
لكن ما لهذا الشارع لا يهدأ ، حتى والرئيس لا يستقيل فقط ،بل يطلب الصفح، معترفا بأخطائه ؟
استنفذ قايد صالح – اذا استقال الرئيس – كل مواد الإطاحة أو الإقالة ،ولم تعد بين يديه غير رصاصات ،يبحث لها عن صدور تستقر فيها.
النمر بحاجة الى لحم الى دم .
ان المرحلة المقبلة مرحلة الاعتقالات والمحاكمات ،ل »العصابة » وامتداداتها داخل دواليب كل الإدارات.
كبير المعتقلين سيكون سعيد بوتفليقة، بتهمة ثقيلة جدا: سرقة عرش الجزائر ،وحيازته لمدة ست سنوات.
ألم يرتب المشير طنطاوي محاكمة مبارك وولديه؟
وستمضي المحاكمات ،عسكرية أيضا ، الى أن يقتنع قايد صالح بأن النمر خرج لكي لا يعود ،حتى تحترق الحديقة كاملة، ولا يبقى بها قفص.
لاتوجد مادة في الدستور الجزائري تسقط حكم العسكر، وان حدد لها مهام دفاعية وأمنية فقط.
كيف ستتأسس هذه الجمهورية الثانية ، والجزائر أريد لها ألا ترتدي غير اللون « الكاكي » ،حتى وهي في ربيع الغضب؟
« تنحاو كاع »
صدح بها الشارع في جمعة الفرح بالاستقالة؛ لكن بدون مدلول سياسي عملي؛ لأنها تطالب ضمنيا ب:
*حل جبهة التحرير ،بما هي عليه، حديقة خلفية لقصر المرادية.
*استقالة « حكومة فيشي » الجزائرية؛ حكومة الزفير الأخير لجمهورية هواري بومدين.
*القاء القبض على جنرالات السياسة والمال والفساد، ومحاكمتهم وفق دستور وقوانين الجمهورية الثانية المرتقبة.
*القاء القبض على لوبيات سعيد بوتفليقة ،السياسية والمالية .
هي اذن » اشغال هرقل » وتقع بعيدا عن مقدرات حراك شعبي عفوي لا زعامة فيه لأحد.
لقد استعطف بوتفليقة الشعب ،وهو يعرف ألا أحد سيطالب بمحاكمة رجل يكفيه ما فيه.
فهل يوجد جنرالات شجعان ،ووزراء، يصدحون، بدورهم، بأوزارهم كاملة، ويضعون أنفسهم رهن إشارة القضاء ؛من أجل أن تحيا الجزائر جمهورية مدنية وديموقراطية؛
وحتى لا تندلع عشرية سوداء أخرى ،مفتوحة هذه المرة حتى على الخارج المتربص؟
لا أعتقد لأن هؤلاء مبرمجون ليحكموا لا ليحاكموا.
ولنا في المغرب دين في ذمة قصر المرادية:
الكل في الجزائر يتحدث اليوم عن العصابة التي استولت على الحكم في قصر المرادية.
وقد رسَّم قايد صالح هذا وعسكره.
فهل تعرف أيها الشعب الجزائري أن كل مشاكلنا مع الجزائر من بنات أفكار هذه العصابة بالضبط ،كما ورثتها عن عصابة وعن عصابة وعن وعن..
وهل تعرف أن عثرات ،بل انهيارات الاتحاد المغاربي ،من تدبير ليل جزائري بهيم، لا تتحرك فيه غير العصابات؟
وهل يوجد رجل دولة عاقل يغلق سوقا اقتصادية مغاربية بطاقات هائلة؟
ألا فلتنصِّبونا شهودا ،ان لم يكن ضحايا ،حينما يشتد أمركم ،ويقوم عندكم القضاء المدني العادل.
وصيتي اليكم ألا تثقوا في الزعماء الكذبة ؛ وهذه أيادينا ممدودة اليكم والى حراككم السلمي والذكي ،مادام انتبه الى الحية ،وعرف أن لها رؤوسا عدة.
ابحثوا في كتبنا المدرسية كلها فلن تجدوا كلمة واحدة نابية في حق الجزائر وشعبها ؛وفي المقابل قارنوا مع مناهجكم ..
يكفي أن يكون الشعب زعيما ليلد زعماءه.
لقد جربتم « الزعماء » من خارج أرحامكم وظهوركم.
وهنيئا لكم كسب المعركة الأولى.
Aucun commentaire