أساس اللبرالية المتوحشة :إفقار الفقراء واغناء الأغنياء
لا أحد من المواطنين العارفين و المتعلمين و المثقفين ينكر أن اتجاهات هذه الحكومة اتجاه يميني متطرف فهي ليست اشتراكية و لا ليبرالية معتدلة(اجتماعية) بل اتجاهاتها الاقتصادية هي لبرالية متوحشة (الخضوع لقانون الغاب حيث القوي يقتل و يلتهم الضعيف).ذلك أن الاتجاه نحو اللبرالية المتوحشة التي لا تؤمن إلا بالأقوياء الأثرياء الأغنياء و الدهس على رقاب الفقراء، لا يعني إلا شيئا واحد هو أن طبقة واحدة هي التي يجب أن يكون لها الوجود وهي التي تسود ، و لها الحق في التمتع بخيرات البلاد و في الرفاهية ، ولها الحق أيضا في الزيادة في الثراء إلى ما لا نهاية(أليس هذا ما يسميه علماء الأخلاق بالجشع و النهم ).أما الفقراء في هذا المنطق المتوحش ، فيجب التخلص منهم عن طريق ممارسة الفقر عليهم و الزيادة في معاناتهم و إفراغ جيوبهم، لأنهم بشر لا يستحق الحياة. بل الحياة التي يستحقها هي العبودية و الخدمة و النخاسة عند الأسياد.
كل القرارات التي اتخذتها الحكومة كانت تصب في اتجاه إرهاق الطبقة المتوسطة والزيادة في معاناتها ومهانتها و إنزالها بالقوة إلى عتبة الفقر و البؤس ،عن طريق الزيادة في الاقتطاعات من أجور العاملين في الوظيفة العمومية بحجة إيجاد السيولة المالية في صندوق التقاعد المهدد بالموت – حسب ظنهم -الذي يعاني من استنفاذ احتياطاته المالية(هذا ما يبررون به إجراءاتهم رغم أننا لا نثق في تصريحاتهم لأنها تصريحات متضاربة) بل هي إجراءات و طاعة عمياء لأوامر صندوق النقد الدولي.
و تتحدث البيانات و الإعلام عن اقتطاع من معاشات المتقاعدين تصل إلى 30 %،و الزيادة في سنوات العمل بدون مقابل للنشطين العاملين في سلك الوظيفة 5 سنوات إضافية و الزيادة في اقتطاعات أجورهم ، و المحالون على التقاعد يحتسب لهم 2 نقط عن كل سنة عمل عوض 2.5 المعمول بها سابقا لمن يكملون كل سنوات العمل (65 سنة)، أما المحالون على التقاعد النسبي(30 سنة كاملة في العد و إن نقص منها يوم واحد يكمل المعني بالأمر سنة إضافية كاملة ) ويحسب لهم 1.5 فقط عن كل سنة عوض 2 نقط في النظام السابق .
إنها اقتطاعات تمارس بتحكم و سلطوية بدون رغبة المعنيين بالأمر،و تمس كل الفئات العاملة و المحالة على التقاعد بصورة طبيعية أو قهرية (النسبي) مع تجميد الأجور والزيادة في الضرائب بكل أشكالها المباشرة و غير المباشرة ،و تسجيل عجز الحكومة عن البحث عن حلول أخرى لزيادة مداخيل الدولة بعيدا عن المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين، و العجز التام عن محاسبة ومعاقبة المتسببين في إفلاس الصناديق و الناهبين و المبذرين لها (الضمان الاجتماعي و التقاعد و التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية و المكتب الوطني للماء الصالح للشرب و قطاعات أخرى..). كما عملت على الزيادة في أجور و امتيازات الأطر العليا السامية و الوزراء و البرلمانيين.
كما عملت و الحكومة على السماح للباطرونا و أصحاب المال و الأعمال على بسط اليد الطويلة و التحكم والتصرف في رقاب العمال عن طريق الطرد التعسفي تحت أي مبرر(مثلا عرقلة سير العمل بمبرر الانتماء إلى الحقل النقابي أو المطالبة بالزيادة في الأجر أو القيام بإضراب احتجاجي عن ظروف العمل…)
و الخلاصة أن الحكومة التي تحل محل الحكومة الحالية لن تجد الأمور الاقتصادية على ما يرام، فالاقتصاد في وضعية متردية ونسبة الديون العالمية المتراكمة وصلت حدودا تنذر بالكارثة أو الإفلاس الاقتصادي.و الطبقة المتوسطة التي من وظائفها تنشيط الحركة الاقتصادية عن طريق المساهمة في الاستهلاك (الاستهلاك يساهم بدور كبير في تنشيط الدورة الاقتصادية وتوسيع الأنشطة الاقتصادية و الطلب على زيادة العمالة) بدأت الحكومة في إعدامها ومحوها من الوجود ،عن طريق سلسلة من الإجراءات التعسفية و اللاشعبية و التي أرهقت كاهل الأسر المغربية و المجتمع. يضاف إلى ذلك التخلي عن القطاعات الاجتماعية مثل التعليم و الصحة و قطاع الوظيفة العمومية الملاذ الوحيد للفقراء و للطبقة المتوسطة،و التي لا تملك القدرات المالية للدخول في عالم المال و العمال.بل اعتبار هذه القطاعات مكلفة لميزانية الدولة و يجب التخلص منها. فسدت أمام الشعب المغلوب على أمره كل السبل بالإجراءات التي لم تحسب عواقبها: ( فصل التعليم عن التكوين، و التقليص من منح الأساتذة المتدربون و العمل بالتعاقد و الزيادة في كلفة المعيشة و الزيادة في فواتير الماء و الكهرباء و قريبا المواد الطاقية الاخرى…).
بهذا تتخلى الحكومة المتدينة بنهجها الليبرالي المتوحش عن الطبقات المسحوقة و الاهتمام بأصحاب المال و الثراء، كي يزيدوا في ثرائهم بنهم و جشع على حساب الطبقات الاجتماعية غير المحظوظة ، و حتى يتم لهم التحكم في دواليب الاقتصاد.رغم أن هذا النهج لا يخلو من مخاطر السقوط في الإفلاس الحتمي و الكساد الاقتصادي و الأزمة الاقتصادية التي سوف تأتي على الأخضر و اليابس.
وخلاصة المقال :إذا كان المواطن ينتظر من الحكومات الحالية أو التي تحل محلها أن تأتي بحلول اجتماعية، فلا شك انه متوهم، و يعيش أحلاما أفلاطونية وسرابا، سواء شارك في الانتخابات المقبلة أو التي تأتي بعد ها … فلا شيء من الأمل يلوح في الأفق.
كل أمل الشعب الذي كان ينتظر الفرج و الانفراج في الحكومة الحالية عندما تبنت مشروعا دينيا إصلاحيا، قد خاب ظنها و أملها و أصيبت بنكسة، و أزمة ثقة كبيرة في كل شيء يمت إلى الأحزاب السياسية و نقاباتها بعد تصرفات البرلمانيين و الوزراء و رؤساء الجهات و المنتخبين في المال العام و التكالب على الامتيزات و الغنائم…كل الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية و التي مرت بالحكم ،و بلا استثناء لا تبحث إلا على المنافع و المكاسب الشخصية و قضاء المآرب الخاصة و العائلية.فليس هناك شك في ذلك.فلهم الدنيا بمكاسبها ومحاسنها و لنا الآخرة بأجر عظيم على الصبر..؟
و كموظف عمومي و رجل تعليم سابقا و متقاعد حاليا و قد مسني كغيري من المغاربة المحرقة و اللهيب الذي رمتنا به الحكومة الحالية بتوجهاتها اللبرالية المغرقة في التوحش أجد نفسي عاجزا أن أمنح صوتي لأي مرشح للبرلمان لا يفكر إلا في ما سيجنيه من مكاسب وتحقيق مصالح خاصة و الحصول على امتيازات ، بل سأكون واحدا من المغفلين و السذج المستحمرين وواحدا من البهاليل إن ساهمت في هذه المهزلة التي تسمى انتخابات…فلن امنحهم الخنجر الذي به يقطعون رأسي…
إن 60 سنة التي مضت على الاستقلال وحكومات متعاقبة مرت و وزراء تناوبوا على الحكم ، لكن الفقراء لا يزدادون إلا فقرا و الأغنياء لا يزدادون إلا غنى وثراء، و الهوة تتسع، والبطالة تمس الجميع من الفقراء، فلا وجود الآن إلا الأغنياء و الفقراء و من هم تحت عتبة الفقر من البؤساء.
كنا نسمع باندهاش في ما سبق من سنوات الستينات عن الأثرياء أصحاب الملايين، و لكن الآن نسمع بنفس الاندهاش عن أصحاب الملايير و الثروات الطائلة، وهمهم هو التنافس و التسابق على المراتب الأولى ، الوطنية و العالمية في سلم الثراء ، و لا يهمهم من أمر الفقراء و المهمشين و المشردين و المجرمين بدافع الفقر و المتسولين والمرضى و بائعات الهوى بدافع مالي، شيئا و لا يحز في أنفسهم و لا يمس مثقال ذرة واحدة من عواطفهم الإنسانية، بل لا ينظرون إليهم إلا بعين الازدراء و الاحتقار أنهم عالة على المجتمع ينبغي التخلص منهم… حتى أن بعض المثقفين المغاربة يلخص الوضعية بقوله (إن الإنسان المغربي الفقير لا يساوي ثمن بعوضة(شنيولة أو ناموسة)
ص. نورالدين
Aucun commentaire