المجموعة القصصية « فاكهة النون » لعلي عبدوس قراءة شعرية وسيميائية الجزء1
المجموعة القصصية « فاكهة النون » لعلي عبدوس
قراءة شعرية و سيميائية ج1
*-الخطاب المقدماتي أو عتبات النص :
*-العنوان:
ولعل ما يستوقف المقتحم للعالم السردي لمجموعة فاكهة النون(1) ،الخطاب المقدماتي(2) المؤثت بعتبات النص، التي تشكل المداخل الرئيسة للعالم القصصي من جهة ، وبمحيطات النص(3) التي تعتبر منارات دالة في الكون السردي. ومن جملة ذلك العنوان ،الذي يشكل علامة سيميولوجية دالة (4)، تحيل على متون النص ومرجعياته الفنية والفكرية ، التي تتماهى في عشق جسد اللغة ،وإلباسه أيقونة النموذج والمثال. كما ترجع بنا إلى هوامش نواة المعنى ،وتشكلاته المحاذية والمتحرفة عن واقع التجربة القصصية، المكثفة بالمشترك الرمزي، وإحداثيات الذات المنكسرة بوميض التجارب الوجدانية، والمبرحة بقسوة الحياة اليومية . فإذا كان عنوان » فاكهة النون »، يتردد مرتين أولا كنص كامل، مختزل لعناوين المجموعة ،وكنص مقتطف مزين لباقاتها المختارة، بعدة حقول دلالية : كالمرأة ،والطبيعة ،والبحر، والعلاقات الإنسانية، في إطار بلاغة ذكر الجزء وإرادة الكل(5)؛ فإنه يبقى في جميع الأحوال مركبا إضافيا، وجملة اسمية حذف أحد طرفيها ،وهو الخبر الذي يتولى النص الكبير الإخبار عن عوالمه السردية واللغوية، بتفصيلات مقتضبة تسد مسد بلاغة الحذف والتقصير والاقتصاص …ليشعر بطعم محلول السعادة، ومسكن أوجاع الزمن، وممرن العلاقات مع الأخرى/ المرأة (6)،التي لم تكن من نصيبه؛ لكنها تملك مفاتيح الأمل ،ومبررات الوجود، ووسائل الخلاص من ترسبات النفس البشرية ،وتجليات الإحباط والنكوص والحيرة والإدبار عن الحياة، في أفق البحث عن المعادل الموضوعي(7) ،الذي يحقق الإدماج المجتمعي للبطل، وتوازنه النفسي من خلال درجة كتابة غير محايدة(8)، تورط اللغة في تفجيرات المعنى المعقول، و اللامعقول كذلك ،وتشتط بالرؤيا السردية من الخلف(9)، في متاهات التخييل الاسترجاعي تارة، والتخييل الإبداعي تارة أخرى(10) .
**-الصورة:
وشح غلاف المجموعة القصصية » فاكهة النون » ،بلوحة فنية تشكيلية جميلة، أشبه بخربشات على سراب مرآة ،تعكس خطوط رمزية اللون الأحمر الفاتح، المحيل على إحداثات روح الفتوة ،وفورة الشباب ،ووهج المشاعر، وأريج الاندفاع، وحميا اللقاء ،وتختزل تشكلات بقع السواد الداكن، المحلل لقلق الشخوص على المستقبل، و تعقد الأزمات النفسية التي مروا بها، داخل المسارات السردية المختلفة ،وشموخ ذرى انفراجات لحظات الفقد والإحساس بتخلي الزمن، والإحساس بالحرمان جراء تمنع الأخريات.
***-العلاقة
تربط العنوان والصورة بمتن وقائع المجموعة القصصية، علاقة تماثلية تعكس توحد صورة الواقع بظل المرآة، واحتضان نرجس لصورته في نهر أسطورة السرد(11). فيعمد العنوان إلى إحالة تكثيفاته للمعنى، واقتصاداته للغة ،على تلخيص النص وإيجاز متن وقائعه وأحداثه، ويتولى النص بدوره توسيع هوامشه وأطرافه ،ليفصل العنوان ويوسع امتداداته في محيط النص وداخله، وتسعى اللوحة من جهتها إلى تجسيدهما بلغة الأشكال، ورمزية الألوان.
****-موازيات النص القصصي
1-المقدمة:
استعاض القاص عن وضع مقدمة لمجموعته القصصية » فاكهة النون »، باقتطاف باقة ورد من مشتل قصيدة اليوميات السرية لقصيدة عربية، للشاعر الكبير نزار قباني،(12) وكأنه بانتقائه الخاص يرسم خطه الكتابي، ويصوغ مشروعه السردي المحاذي في توجهاته الفنية للجمالية التعبيرية ، المنفتحة على تجربة الشعر المتحرر من قيود نكسة سنة 1967، التي أعلنت هزيمة الفكر العربي، وانكسار النفس الإنسانية، المتشبعة بالحق والعدل والخير والجمال، وتمرد الشعراء المشاكسين على بنية الإيقاع العروضي الخليلي(13)، وكافة أشكال الاستبداد النفسي والفني والثقافي، والاجتماعي والسياسي…فكشف التسريد بعضا من أسرار تجربة القاص ، وأفشى الاقتصاص دواخل عصره، وصبها في قوالب القص القصير جدا ،أو القصير فقط ،واختار العزف داخل سرب حمام التغزل السردي ، لرسم صورة البلاغة النوعية لموضوعة المرأة البورتريت الخاص أوالمرأة/ أيقونة المشترك الثقافي والرمزي، بوشاح أسلوبي رومانسي، يفضل الرقص على إيقاع اللغة ،وفتح كتاب السرد بطاقية إخفاء القص الخاطف، والاشتطاط فوق بساط الوصف ،حول إيقاعات موازين السرد .
2- المقتطف:
ولد علي عبدوس شاعرا، لكن ابن سبعة أشهر فقط، فاضطر زمن التجارب، وهوس الوصف، وهاجس التصوير، أن يضعه في قنينة الشعر الشفافة؛ ليتنفس الاقتصاص والتسريد، لكن بلغة الحساسية الشعرية المرهفة . ويترجم هذا المسعى مقتطفه في ظهر الغلاف الخارجي للمجموعة القصصية؛ ليعكس وشاحات اللوحة الفنية ،وانكشافات الذات وغلالات تركيبة الألوان والأشكال، التي وشيت بها الواجهة الأمامية. وترسم الصورة السردية في بلاغة المقتطف ، نموذج الأنثى الأصل، مالكة حقيقة انكسارات الوجود النفسي، ومحركة الاشتغال النصي على الحضور الإنساني الفردي والجماعي، ومحيكة أسطورة الماء والنار والتراب والهواء في نسيج ملحمة الإنسان، وثنائية الرغبة والاستبداد الناعم ،وما يقدمه من مفاتيح الامتلاء بثغل تاريخ مأساة الواقع، وأزمات الإنسان ، ومن إيحاءات ونسغ انتظارية الأمل. إنها ومضات غزلية بلغة الوصف والسرد، تشكل ملامح المرأة المثال، والنبش في هوامش الشوق ،وأطراف النصف الآخر.
إن نص علي عبدوس القصصي، جدير بالقراءة لاقتحام كونه السردي، المستفز للذاكرة الحدثية الجمعية، ومعانقة عوالم تيمته النووية / المرأة ،المؤطرة بتيمات التعلق بالبحر، وجاذبية فضاءات مدن الساحل، وما تثيره الطبيعة الداخلية والخارجية من مرابع الشباب، و من مساقط الذكرى ،والحنين والشوق إلى الوصال بعد فراق.
الإحالات:
(1)فاكهة النون: قصص قصيرة، لعلي عبدوس الطبعة الأولى 2-6-2011 شركة مطابع الأنوار المغاربية.
(2) الخطاب المقدماتي أو النص الموازي داخل فضاء الكتابة وخارجه، كما حدد ه جيرار جنيت بعتبة العبور من داخل النص إلى خارجه .عرف التناص ريفاتير : » إدراك القارئ لعلاقات بين أثرأدبي وأعمال أخرى سبقته، أو تبعته « ص16 مقاربة الخطاب المقدماتي الروائي .وينحدر التناص من الحوارية الباختينية ،التي كشفت عنها جوليا كريستيفا . لمزيد من التعمق انظر نظرية المقال لبنيفست .
(3) موازيات النص: وتشمل العنوان، والعناوين الفرعية، والمقدمة ،والذيول، والحواشي، والهوامش ،والصور…وهو عند جنيت : »ما يحيط بالكتاب من سياج أولي ،وعتبات بصرية ولغوية . »ص4 محمد بنيس الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاته 1- التقليدية دار توبقال للنشر البيضاء ط3 2011 ص188 .
نص مواز لسياق العمل الأدبي وعلامة تضمينية تحقق التجاور والتحاورمع باقي المكونات منفتح على مقاصد المؤلف وإمكانات الكتابة ص9-10-11 من كتاب عتبات النص البنية والدلالة عبد الفتاح الحجمري
(4) العنوان : مدخل للمعمار النصي ، وعلامة مضيئة للمضمون ، وسؤال إشكالي يتولى النص حله ، وعلامة لسانية محيلة على النص ،ومغرية به قد يكون مطابقا وواصفا لمضمون النص، وقد يكون مغريا ومراوغا ،يساعد على الحفر في الإيحاءات .مدخل إلى جامع النص ترجمة عبد الرحمان أيوب دار توبقال المغرب ط2 1986 ص97 نقلا عن كتاب سيمياء الخطاب الروائي للطاهر وطار.
(5) بلاغة ذكر الجزء وإرادة الكل: فحسب ابن العميد،
وهو أبو الفضل محمد بن الحسين، الملقب بالجاحظ الثاني، الذي قيل في حقه : » بدئت الكتابة بعبد الحميد ،وختمت بابن العميد »… من علاقات المجاز المرسل الكلية : أي المعنى المذكور كل ، والمعنى المقصود جزء.
ثم الجزئية : المعنى المذكور جزء، والمعنى المقصود كل.
(6) فاكهة النون شكلها كحرف النون، تعتبر بلسما لعدة أمراض ،ومنعشا للصحة، وحافظا للبدن، ومقوية للذهن والقلب ،وتلقب بفاكهة الحب.
(7) فكرة للكاتب الإنجليزي جون كسيروس كوبر،طبقها على قصيدة الأرض الخراب بشكل خاص في كتابه: »مقدمة كامبريدج لطوماس ستنزرإليوت » لكسر تمركز ذات الشاعر في القصيدة ،وتحقيق وحدة الفكر والحس ،وحضور الفكرة في الصورة والعاطفة ،على حد تعبير الناقد الأمريكي ماثنيسن.
(8) حسب بارث كتابة بيضاء وبريئة في كتاب درجة الصفر الكتابة ،ويضرب مثالا على الكتابة المحايدة برواية الغريب لألبير كامو،حيث تبرز صيغة النفي ويختفي الطابع الاجتماعي والأسطوري للغة، ويشير بارث إلى درجة أعلى من الكتابة البيضاء، كتابة وهي الكتابة المنتصرة، التي تصدر عن فئة مجتمعية برجوازية تملك وعيا منتصرا، في حين كتابة علي عبدوس هي كتابة الحضور، والتمركز حول الذات… فهي كتابة متورطة وغير محايدة في نقل موضوعات الواقع النفسي ، والاجتماعي…
(9) حسب تودوروف الكيفية التي يتم بها إدراك القصة من طرف السارد. ويميز في اتفاق مع » بويون » بين ثلاث رؤيات: 1-الرؤية من الخلف حيث :يكون السارد أكثر معرفة بالأحداث، ومساراتها ،وبالأحوال النفسية وأوضاعها المختلفة ،وهي الرؤية السائدة في النص. ثم هناك: 2- الرؤية مع و3- الرؤية من الخارج.عن كتاب مقولات السرد الأدبي ترجمة الحسين سحبان وفؤاد صفا طرائق تحليل السرد الأدبي ص58 -59 .
(10) حسب عدنان حسين قاسم في كتابه: « الخيال التصويري » فالخيال حسب نظرية كولدرج استرجاعي يقوم بوظيفة الإدراك والجمع ،وإبداعي يقوم بوظيفة التحليل والنشر والتجزيئ ، لكي يخلق من جديد.
(11) تحيل الأسطورة اليونانية حسب نظرية فرويد في التحليل النفسي على عشق البطل لذاته، بعدما وقف على جمالها ،وتوحد عن موضوع الحب. فرويد 1917 ص75 . وحسب الباحث المصري عبد الله عسكرص65 -66 هي: » التوظيف الليبيدي في الأنا، والحب الموجه إلى صورة الذات ». كتاب النرجسية في التحليل النفسي :إعادة قراءة للأسطورة.
(12) مقتطف من قصيدة اليوميات السرية لنزار قباني ،حيث يمارس من داخلها النقد ليتفاعل مع الواقع، ويزيل رواسب التسلط على المرأة في ذهنية الرجال، وبنية التقاليد. ويأتي اختيار القاص لهذا المقطع؛ لإعادة إنتاج تجربة نزار الشعرية، في مجال السرد.
(13) تمرد شعراء العصر الحديث على البنية العروضية الخليلية التقليدية، بتغيير معشار الشعر ، واستبداله بنمط السطر والجملة الشعرية، وركوب البحور الصافية دون الممزوجة المعقدة في مرحلة أولى ، أو التحلل من قيد الوزن الموسيقي مطلقا ،والتوجه نحو الإيقاع الداخلي ،وتقفية الجمل والأشطرفي مرحلة ثانية.
المراجع:
1- المجموعة القصصية فاكهة النون لعلي عبدوس.
2- خطاب الحكاية بحث في المنهج لجيرار جنيت.
3- مدخل إلى جامع النص لجيرار جنيت.
4-مقولات السرد الأدبي لتزفتان تودوروف ترجمة الحسين سحبان وفؤاد صفا.
5-الشعر العربي الحديث محمد بنيس.
6-عتبات النص البنية والدلالة عبد الفتاح الحجمري.
7- سيمياء الخطاب الروائي للطاهر وطار.
8- مقاربة الخطاب المقدماتي الروائي للسعدية الشاذلي.
9-النرجسية في التحليل النفسي لعبد الله عسكر.
Aucun commentaire