فسحة فكرية في عام الكباش السمينة
سئل أحد تجار اللحوم بالتقسيط(حتى لا أستعمل لفظة ‘جزار’ لما تحمله من نكهة الوحشية و العنف و القسوة وحب القتل)عن الفرق بين لحوم الأمس في الكباش و الخراف(الخرفان) و العجول،ولحوم الكباش و الخراف و العجول اليوم(حاضرا)؟وهو الذي قضى أكثر من ستين سنة في هذه المهنة،حتى خبر خفاياها،وعرف من أسرارها؛حتى أنه قادر من مجرد ملامسة الكبش أو رؤية العجل ،على تقدير الوزن و كتلة الشحم و اللحم .
أعرف أنه يشبه سؤالا في الأصالة و المعاصرة.ذلك السؤال الذي لا زال يطرح على النخب الاجتماعية في مجال الاقتصاد و السياسة و الأدب و التراث الفكري.حتى أن ربات البيوت يخصصن قاعة لاستقبال الزوار من الذوق الأصيل التقليدي،و أخرى من الذوق المعاصر الأوروبي.إن الأصالة و المعاصرة في الأكل و اللباس و الأثاث(و حتى الحمام) تبين بجلاء كما أشار الباحث المغربي في علم الاجتماع محمد جسوس،أن المغاربة يعانون من ازدواجية في الشخصية و الحياة و التفكير.
كانت أفكار بائع اللحوم تدور حول:أن كبش الأمس أخف وزنا و صحي ،وهو يرعى العشب و يتنقل باستمرار من طلوع الفجر إلى غروبها في المراعي السهلية و الجبلية؛فهو سليم صحيا،و كمية الشحوم التي يحملها جسمه متوازنة مع كمية اللحوم،وهو إلى جانب هذا لذيذ.أما كبش اليوم فهو أثقل وزنا ،وكتلة الشحوم به أكثر.وهي مضرة للصحة لمن يشكو من السمنة من الرجال و النساء،والإقبال عليه أقل ،وهو أقل لذة..
كان تاجر الحوم يتحدث بكلام الأطباء المتخصصين في التغذية:إن من يعاني من السمنة يمنع عنه الطبيب تناول الدهون الحيوانية و النباتية و الحلويات و المربيات والأكلات الجاهزة.و كباش اليوم تأكل العلف المصنع الكيماوي،ويستعين الأطباء البيطريون(الأوروبيون طبعا)من تقنيات الهندسة الوراثية لتحسين النسل(كما يعملون نفس الشيء في البذور المنتقاة).فمن العبث في نظره(أي تاجر اللحوم) و نظري أيضا(كاتب هذه السطور)،زيادة العلف للكباش السمينة،وإلا ستموت من ضيق التنفس وأمراض القلب.
لكن يظهر أن بعضا من أعضاء الحكومة الموقرة لم ينتبهوا إلى حكمة تاجر اللحوم البسيط:في الكباش السمينة. فالبطنة تذهب الفطنة(هذا ما أشار إليه الكاتب المصري الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي،في كتابه الصغير ‘النظرات’…هذا العضو من أعضاء الحكومة الكبير جازاه الله عنا كل خير(طبعا هذا ما تناقلته بعض من وسائل الإعلام المسموعة و المقروءة)، قد زاد في أجور نواب الأمة و كاشفي الغمة،و اشترى لبعضهم سبع سيارات من النوع الرفيع…
ما يعلمه فئات من الشعب المغلوب على أمره:أن لا أحد من الناس يقدم نفسه مرشحا لمنصب برلماني وهو من أصول اجتماعية هشة،و لا حتى من الموظفين الصغار و لا من المتوسطين.لأنه بكل بساطة لا يملك الجرأة في التواصل مع الآخر لحيائه؛و لا يملك القدرات اللغوية التي تسحر الناس و تجعلهم يعيشون في قصر شهرزاد و شهريار،ويعيشون ليلة واحدة فقط من ألف ليلة و ليلة.فلا يطلب من نواب الأمة و كاشفي الغمة،من كان من المشردين و المتسولين،لأنهم لا علم لهم (ببرتوكولات) المنصب،و لا علم لهم أن هؤلاء يجلسون على كراسي مريحة،و كل مرة يظهرون لنا نحن باعتبارنا من المتفرجين، الألبسة الجديدة التي اشتروها من أسواق باريس أو روما أو لندن.وهم يجلسون في قبة البرلمان ،وبعض منهم يمسك بالصحيفة لا يهتم بما يقوله المتدخلون،وبعضهم يهمس في أذن صديقه،وبعض منهم في لقطة قهقهات مثيرة.(هذا ما يلتقطه المصور الذي يقوم بتغطية الحدث، ونحن نشكره الشكر الجزيل، و جازاه الله عنا كل خير).فئات الشعب الفقيرة لا يسمح لها إلا بالتصويت ( و في بعض الأحيان مقابل مبلغ زهيد، أو أكلة لا يعرف اسمها و لا سبق له أن ذاقها ، في ما مضى من عمره و ما سيأتي). من يرشح نفسه هو من يملك المال، و اللغة القادرة على أكل « أمخاخ »من يصوتون لصالحه، وهو من يعرض أحلام العيش في جنات النعيم أو الريان أو الفردوس و غيرها من الجنات(هل في عالم السماء أم في عالم الأرض تلك هي المشكلة؟).
الفرق كبير بين ما يتقاضاه مسؤول حكومي أو برلماني و بين ما يتقاضاه حارس ليلي للعمارات أو السيارات أو الدكاكين،أو ما يتقاضاه ماسح الأحذية و بائع النعناع في أسواق البادية،آو ما يجنيه فلاح صغير بالأطلس الكبير أو الصغير أو المتوسط(ومع ذلك طالب نواب الأمة و كاشفوا الغمة و بإصرار على منحهم رواتب التقاعد عند نهاية الخدمة)…لو طلب من واحد من هذه الفئات أن يعد فقط ما كان يتقاضاه برلماني سابق (37000درهم شهريا )لأخطأ مرارا في الحساب/أو أصابه الشلل النصفي من هول المعركة (معركة الحساب).في الواقع أني عجبت لآمر حكومة أغلب أعضائها من تيار إسلامي(العدالة و التنمية)؛و لم نلمس منهم لا عدالة و لا تنمية، للفئات التي تعيش على الهامش.ونستغرب كيف يستعان بشخص أساء كثيرا في تدبير ملف المغادرة الطوعية.وشابت هذا الملف خروقا كان المقياس فيها :المحسوبية،والزبونية و الحزبية و النقابية و العلاقات العائلية.ولم يكن المقياس فيها من الأصلح للمغادرة الطوعية؟.و نستغرب أيضا من شخص يتقلد ألان منصبا وزاريا، وهو لم يبرئ ذمته مما نسب إليه من استيلاء على أموال الشعب؟؟؟
لو/صرفت هذه الزيادات على مواطنين غذاؤهم و عشاؤهم من القمامات /أو على فتياتنا اللواتي يبعن أجسادهن لإعالة ذويهن ،أو على مرضى القصور الكلوي المزمن بزيادة آلات التصفية،و الذين لا يقدرون على تغطية مصاريف العلاج،أو على الأرامل بعيال بدون معيل،آو الفلاحين الصغار و العاملين في المزارع الكبيرة…وغير هؤلاء كثير.. و ما أكثرهم..لأحسسنا بالرضي و الاطمئنان و قلنا فعلا انه حزب العدالة و التنمية (فهو اسم على مسمى).أما أن (تزيد الشحم في قرن المعلوف) كما يقول حكماؤنا البسطاء من عامة الشعب،فهذا ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر ببال أحد…وكل عام وانتم مع علف الكباش السمان بألف فسحة و خير …
3 Comments
اني أقدم اعتذاري لموقع وجدة المدينة عن كتابة العنوان بغير الطريقة التي أريد . فالعنوان هو .فسحة فكرية في عالم الكباش السمينة،وليس فسحة فكرية في عام الكباش السمينة.واقدم اعتذاري للمرة الثانية و لمن تصفح هذا المقال
Excellent bonne analogie!
Merci Mr Saim.Vos articles sont infiniment intéressants Nous attendons d autres articles dans les jours a venir.
Bravooooooooooooooooo!
نورتم بصبرتنا التي طالما طمسها اهل البغي و الهوى