الانتصار أو النصر بين المفهوم الصهيوني والمفهوم الفلسطيني
بالأمس وقف الصهيوني أولمرت ليعلن وقف الحرب على غزة بعد تحقيق النصر على المقاومة ، ومباشرة بعد ذلك أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية النصر على إسرائيل مما يعني أن النصر أو الانتصار له مفهومان على طرفي نقيض. ولما كان الفيصل في كل صراع بين خصمين هو وجود حكم محايد يرجح كفة طرف على آخر فإن الحكم في العدوان على غزة هو الرأي العام العالمي ممثلا في شعوب الأرض التي خرجت ولا زالت منددة بالجلاد ومتضامنة مع الضحية.
لقد رأى الصهيوني النصر من خلال ما أحدثته آلة الحرب والدمار في قطاع غزة، وما تسببت فيه من ضحايا أكثر من نصفهم قتلى أو جرحى من الأطفال الأبرياء والنساء والعجزة والمرضى.
ورأى الصهيوني أيضا في الجرائم الوحشية ضد المدنيين أنها دليل على شجاعة جيشه وبسالته ، مع العلم أن من مواصفات الجندية في كل جيوش العالم الاعتداد بما يلحق الخصم المحارب من هزائم وليس ما يلحق المدنيين من كوارث . وكان من الممكن أن يتبجح الصهيوني أولمرت بالنصر لو أن جنده وصل إلى المقاومين وقتل منهم من قتل وأسر من أسر بأقل خسارة ممكنة بين صفوف المدنيين الذين اعتبرهم العدو الصهيوني دروعا بشرية. فالجيوش التي يحق لها أن تفخر بالبطولات هي الجيوش التي لا تتخذ من الدروع البشرية وسيلة لتبرير الفشل في الوصول إلى من يحاربها. وأما مقولة اختباء المقاومين وسط المدنيين واتخاذهم دروعا بشرية فمردودة لأن المقاومة وجدت بين المدنيين لحمايتهم وليس للاحتماء بهم. ولولا صد المقاومة للجيش الإسرائيلي لكان عدد الضحايا أكبر إذ لو لم توجد مقاومة باسلة لما توقف العدو عند خطوط لم يستطع تجاوزها، ولو استطاع لوصل إلى قادة حماس وساقهم إلى سجونه بعد عرضهم على وسائل الإعلام لإثبات قوته. ولم تكن المقاومة إبادة للشعب الفلسطيني كما يروج البعض بل كانت إحياء له إذ بدونها كانت الخسارة أفدح والخطب أعظم . ولقد قدمت المقاومة خدمة حتى للذين لم يؤمنوا بها واعتبروها تهورا وانتحارا. فبفضل المقاومة ارتفعت قيمة الفلسطينيين الذين منعوا حتى من التظاهر في الضفة الغربية ومناطق1948. فإسرائيل رأت عربونا في مقاومة غزة بحيث أن مقاومة غزة يمكن أن تصدر إلى المناطق الفلسطينية الأخرى حينما يحين أوانها وتتأتى ظروفها. وبفضل المقاومة اكتسب العرب كافة قيمة مضافة حيث استفادت إسرائيل درسا بليغا مفاده أنه إذا استطاعت مقاومة في ظروف حصار خانق أن تصمد أمام ترسانة حربية ضخمة فما بال جيوش عربية ومقاومات عربية لها من الإمكانات ما ليس لمقاومة غزة ؟؟
أما النصر بالمفهوم الفلسطيني فهو نصر مستمد من الاعتقاد الإسلامي ذلك أن النصر أو الانتصار في الإسلام له دلالة خاصة تستنبط من قول الله تعالى : [ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نوتيه أجرا عظيما ] لقد بدأت الآية بفعل القتل المبني للمفعول أو للمجهول ثم جاءت بفعل الغلبة بعد أو التي تمحضت للإباحة مع جواز الجمع بين الفعلين ههنا إذ قد يكون المقتول غالبا ، والقاتل مغلوبا كما هو الشأن في العدوان على غزة الصامدة. فالأجر العظيم الذي وعد الله به المقاتل في سبيله يشمل التضحية أولا إذ لا يقاتل في سبيل الله إلا الذي يقتل ببناء الفعل للمفعول أو المجهول بمعنى الذي يبرهن على تضحيته بتقديم روحه قربانا في سبيل الله ، وبذلك يحقق الغلبة على قاتله الذي يقاتل لصيانة حياته فقط لا للتضحية من أجل خالقه . وبهذا المعنى يكون النصر حليف الذين سقطوا شهداء لأنهم ضحوا بأنفسهم في سبيل الله في حين كان قاتلهم يريد صون حياته فقط.
لقد تحدثت بعض وسائل الإعلام بما فيها الإسرائيلية والأمريكية والغربية المنحازة إلى إسرائيل عن خسارة لحقت بإسرائيل بسبب عدوانها على غزة مما يعني الهزيمة عكس ما ادعى أولمرت . فالهزيمة لا تقاس بالماديات فقط بل بالمعنويات أيضا. لقد كانت إسرائيل قبل الغزو تخادع العالم وتصور حركة المقاومة حماس على أنها حركة إرهابية خارجة عن القانون، وحركة انقلابية على ما تعتبره شرعية ، وضخمت من صواريخها لتبرير العدوان ،ولكن العدوان على غزة كشف الحقيقة وهي أن إسرائيل هي الدولة العدوانية بكل المقاييس وأن ساستها العسكريين والسياسيين عبارة عن عصابة إجرامية تمارس جرائم ضد الإنسانية وهي ما يعرف بجرائم التصفية العرقية التي بمثلها حوكم زعيم الصرب في محكمة جرائم الحرب الدولية ، وهي محاكم لا بد أن تصدر مذكرات توقيف في حق الساسة الصهاينة إذا ما تم تجاوز ازدواجية المكيال التي غدت وصمة عار في جبين مجلس الأمن الذي لا يبارح صوريته بسبب سياسة الولايات المتحدة المستعلية بقوتها العسكرية على دول العالم . لقد انهزمت إسرائيل شر هزيمة لما لحق سمعتها من ضرر لا يقدر بثمن. فالعالم تأكد من عدوانية وعنصرية إسرائيل واستعلائها على القانون الدولي، وعلى الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي، في حين حققت المقاومة نصرا باهرا من خلال الفوز بتعاطف العالم معها ومع ضحاياها الذين قاتلت من أجل صيانة حياتهم. إن الذي استعمل الدروع البشرية هو في الحقيقة العدو الصهيوني الذي أراد تضليل الرأي العام العالمي من خلال قلب الآية لتأنيب هذا الرأي على حركة المقاومة بحيث يرتكب العدو المجازر ويحمل المقاومة مسؤوليتها ، وهذا منطق إقناع السذج من الذين بادروا إلى نعت المقاومة بأنها إبادة للشعب الفلسطيني عوض نسبة مسؤولية الإبادة للعدو، وكأن العدو قدر لا مفر منه ، والمقاومة ليست كذلك .
لقد كانت إسرائيل تصنع دعايتها عبر العالم بكل الوسائل إلا أنها بعدوانها على غزة انقلب سحر دعايتها عليها وسخرته لفائدة المقاومة التي خرجت من حيز غزة الجغرافي الضيق إلى حيز أوسع وهو العالم بأسره.
ومن الحقائق المكذبة لافتخار أولمرت الكاذب بشجاعة جنود إسرائيل ما قنصته بعض عدسات الإعلام لجنود يهود يفرون وهم يصرخون خوفا ووجلا وقد تسلى الرأي العام العالمي برؤيتهم على حال مخزية ، في حين لم يشاهد مقاوم واحد وهو يولي الدبر أو يولول. ومما أخزى سمعة الجيش الصهيوني ثبات المرأة الفلسطينية التي كانت تواجه قنابله الحارقة والمنشطرة وقذائفه بشجاعة نادرة في حين كانت فلول الجيش اليهودي المدجج بالسلاح تفر وتولول . ولقد تحدثت وسائل الإعلام الصهيونية عن امتناع مئات الأفراد من الجيش الصهيوني من المشاركة في العدوان ليس بوازع أخلاقي وإنما بسبب الخوف والجبن.
أمام هذه المقارنة بين ما حققه العدوان الإسرائيلي من دمار وقتل في صفوف المدنيين الأبرياء ، وما حققته المقاومة من صمود وتصدي للعدوان يمكن للرأي العام العالمي أن يحكم على الجهة المنتصرة علما بأن المقاومة صرحت بخسائرها البشرية والمادية أولا بأول في حين عتم العدو تعتيما كاملا عن خسائره البشرية والمادية ، وكان من المفروض ألا تكون له خسائر بحكم ترسانته الحربية الهائلة والمتطورة والتي لو أتيح جزء يسير منا للمقاومة لكانت إسرائيل في خبر كان في لحظات. على أولمرت المفاخر كذبا أن يعرض على القادة العسكريين الموضوعيين في كل العالم ما حققه جيشه ليعلم حقيقة هزيمته النكراء. وعلى اليهود أن يخجلوا من الادعاء بوجود جيش يحميهم، فما جيشهم إلا أشباه رجال ولا رجال. وإن زعم يهودي أن له جيشا فليقبل جيشه منازلة مع المقاومة في ظروف متكافئة وبنفس العدة والعتاد على طريقة أبطال أفلام رعاة البقر المعروفة بوجه لوجه. أما أن يركب العدو السماء بأقماره الصناعية وطائرات تجسسه وراداراته وطائرات قصفه المختلفة الأحجام والأشكال ، والبحر بغواصاته وباخراته ، والبر بدباباته ومدفعيته ومخابراته من خلال الهواتف الخلوية للخونة الدالة على تحركات المقاومة ، وفي الأخير لا يحقق شيئا مما حدده كأهداف ومع ذلك يفخر بشجاعته فهذا مدعاة للسخرية والهزل . يمكن لجيش إسرائيل أن يسمى نفسه جيش مختص في إبادة المدنيين ولكن لن يكون أبدا جيشا كجيوش العالم بأخلاقيات الجندية ، وفق المعايير المتعارف عليها دوليا .
لقد عرفت جيوش الأمم في الماضي والحاضر بأخلاقيات الجندية الحقة إذ لا يساء إلى مدنيين أطفالا ونساء وشيوخا وأسرى ، وقد رويت الأخبار العجيبة عن شهامة جيوش الأمم في هذا الباب إلا أن العجائب التي رويت عن فضائح وفظائع جيش اليهود تجاه المدنيين العزل مخزية يندى لها الجبين ، وتجعل اليهود أخس خلق الله في الأرض ، ولقد كان اليهودي الذي أحرق جواز سفره محقا لأن من فيه مثقال ذرة من كرامة إنسانية لا يرضى الانتساب لجيش الجبناء الأخساء المنهزمين والذين غطوا عن هزيمتهم بالعدوان على العزل والمباني والشجر والحجر.فهنيئا لليهود بهزيمتهم أمام أسيادهم من المقاومين الأبطال ، وهنيئا لإسرائيل بالسمعة السيئة في العالم الإنساني المتحضر واليوم فقط كشف السر عن سبب مسخ أجداد اليهود إلى قردة وخنازير فمن كان هذا حاله فجنس الحيوان أولى وأجدر به من الجنس البشري .
Aucun commentaire