توأم وجدة : يستحق بكالوريا واحدة عل الأقل
رمضان مصباح الإدريسي
رغم أن النازلة الوطنية، التربوية و القانونية ،المعروفة ب » ترسيب توأم وجدة » في البكالوريا بمظنة الغش،معروضة على القضاء ،وقد صدر فيها حكم ابتدائي،استأنفته الوزارة على ما يبدو؛ يقضي بحقهما في النجاح،فقد بدا لي – من موقعي كمفتش متقاعد ،خبر كل أشكال المسؤولية في مجال الامتحانات :
بناء المواضيع،التصحيح،رئاسة لجان المداولات ،والمساهمة في لجان التقصي الوزارية، الأكاديمية والنيابية- أن أقارب هذا الموضوع للمساعدة على إيجاد حل يستند إلى المساطر والأعراف الجاري بها العمل في امتحانات البكالوريا .
وأعترف من الآن أن المعطيات الوثائقية ،الميدانية ،ومستندات الحكم القضائي الابتدائي ،غير متوفرة لدي ؛مما يلزمني بالاقتصار على استثمار ما يروج في الصحافة عن النازلة.
بدءا لا يساورني أدنى شك في كون اجتهاد أكاديمية الجهة الشرقية يتوخى تحصين شهادة البكالوريا من كل ما يخدش مصداقيتها ؛عبر كل مراحل الإعداد لها:
اقتراح المواضيع من طرف الأساتذة،تشكيل لجان الدراسة والاختيار ،المكونة من السادة المفتشين والأساتذة،الإشراف على الطبع ،أعمال الكتابة بالأكاديمية،خلية الرقمنة،،لجان الحراسة في مراكز الامتحانات،لجان التصحيح بالمؤسسات .
تفضي كل هذه العمليات والمراحل إلى لجان المداولات التي تلتئم وفق ضابط زمني ومكاني لتبث في النتائج ،بناء على لوائح النقط والمعدلات ،المعززة بأوراق الامتحانات ،وسائر محاضر المراقبة في مراكز الامتحانات.
ورغم كل الصرامة والحذر على مستوى الأكاديميات كلها تحضرني أمثلة ل » اختراقات » رهيبة تحدث فتتسرب بعض المواضيع ،أو تحدث عمليات إخلال وغش، ليست مقصورة على التلاميذ فقط.
لكن بالمقارنة مع الوضعية العامة لتنظيم امتحانات البكالوريا وطنيا ،والتي تأتت بناء على مراكمة خبرة طويلة، تبدوا هذه الانفلاتات،على مستوى الأطقم المنظمة محدودة . أما عن أساليب غش الممتحَنين ،فهي حاضرة بقوة,وفي تطور مستمر.هذا واقع لا يمكن إنكاره.
هل تصحح ورقة الامتحان أم الحراسة؟
يستمد هذا السؤال مشروعيته من كون كل عمليات الإعداد المذكورة ،وصولا إلى التصحيح والمداولات،تنظمها وتحددها مراسيم ومذكرات وزارية وأكاديمية ،يتم التذكير بها سنويا.
ولن تجد في كل هذه الترسانة ما ينص صراحة ،أو ضمنيا، على أن لجان التصحيح المكونة من أساتذة المواد ،تنتصب رقيبا على لجان الحراسة المكونة من المفتشين ورؤساء المراكز وأساتذة الحراسة.
حينما ينكب الأستاذ المصحح على ورقة الامتحان ينصب اهتمامه على تقييم الأجوبة ،وليس أداء الحراسة يوم الامتحان. لو كلف المصحح حتى بهذا الجانب لما انتهى التصحيح أبدا.
لا يصل الظرف الحامل لأوراق الامتحانات إلى الأستاذ المصحح إلا بعد أن يكون قد خضع للترسيم- بالتوقيع- من طرف أطقم الحراسة ،ورؤساء المراكز ،و لمراقبة أطقم التجميع الأكاديمية.
حالات الغش المرصودة تُعزز بالوثائق اللازمة ،ويُتخذ في حقها قرار أكاديمي ،بناء على تقارير لجان الحراسة. ماذا بقي للمصحح غير الانكباب على المضمون ألامتحاني ؟
كثيرا ما يقف المصححون على حالات تشي بأن الحراسة لم تكن على ما يرام؛وليس لهم أن يتوقفوا عند هذا لأنه يتجاوز اختصاصهم ؛ولأن الخوض فيه سيكون على حساب الغلاف الزمني الضيق المخصص للتصحيح.
لا أدري حقيقة ما حصل مع ورقتي التوأم سلمى وسمية –مادة الفلسفة- فاذا كانتا قد وصلتا الى المصحح ،بدون أي تقرير أكاديمي ،فليس له الا أن يتقيد باختصاصاته التي تلزمه بتقييم المضامين فقط ،وليس المساطر التنظيمية.
ما تتحدث به الصحافة عن تشابه تام بين التحليلين الفلسفيين، يحتمل تفسيرات عديدة وليس فقط نقل إحدى الأختين عن الأخرى:
يمكن أن تكونا حفظتا التحليل أثناء الإعداد ،ولعبت الصدفة فكان الموضوع مرتبطا به ،فعمدتا الى استظهاره على الورقتين.
يمكن ألا تكون عملية اقتراح المواضيع من طرف الأساتذة محصنة ،فشاعت بين التلاميذ بعض الاقتراحات ؛لتكمل الصدفة البقية.
الأستاذ المصحح يشبه – في حالة التحليلين المتطابقين- القاضي الذي يلزمه القانون ألا يحكم بعلمه.
مظنة النقل الحرفي واردة بقوة في ذهنه ،لكن ليس له أن يبث فيها ،لأن هناك لجنة متخصصة راقبت التلميذتين وهما تنجزان امتحانيهما. وحتى لو كان هذا من اختصاصه أيضا فكيف يتأتى له اليقين بخصوص ما حدث؟
وعليه فإذا كان الحكم الابتدائي تأسس على ما ذكرت فانه نعم الحكم ،لأنه مسنود قانونيا وتنظيميا ،وان لم يكن صحيحا. مدخل البراءة للشك وارد هنا أيضا.
من غشنا؟ سلمى أم سمية؟
في حالة القول بثبوت الغش ،كما ترى الأكاديمية ،فانه غش واقع من طرف واحد:سلمى أو سمية.وعليه فلماذا حرمان التي لم تغش؟ لا يكفي هنا –قانونيا- القول بالتواطؤ الموجب لسريان نفس الحكم بالحرمان من النجاح.الأمر يحتاج الى إثبات قطعي حتى تبقى روح القوانين وهاجة.
وعليه يبقى من حق التلميذتين–خصوصا وهما مؤهلتان للفوز- الحصول على الشهادتين معا ؛ولو لخلل في الحراسة لا تُحملان وزره. حتى الحد الشرعي للسرقة(قطع اليد) لا يطبق الا اذا كان المسروق داخل ما يسميه الفقهاء « الحِرز ». سرقة المال السائب لا توجب حدا على أحد.
أما البكالوريا الواحدة فهي حق قطعي لهما؛تسلم في اسم إحداهما ،ولو بالقرعة إن لم تتنازل إحداهما للأخرى.ويمكن هنا اعتماد التفاضل بين المعدلين العامين.
وكل إصرار على حرمانهما من النجاح يُلزم بمحاكمة طاقم الحراسة أيضا؛لأن إخلاله بمسؤوليته أعظم من مجرد غش أحادي أو ثنائي.
ان الحالة النفسية التي يوجد عليها التوأم ،وأسرته ،يمكن اعتبارها عقوبة كافية على ما يكون قد اقترفه في امتحان الفلسفة الذي تجعله طبيعته لا ينضبط ،ولا يوفق فيه الا النزر اليسير من أعزائنا التلاميذ،ولو مُكنوا حتى من المراجع.
ramdanemesbah@yahoo.fr
Aucun commentaire