تحية لنقابة مفتشي التعليم بالجهة الشرقية:
باستضافتي وتشريفي في حفلكم التكريمي هذا ؛صنعتم الحدث الذي هز مشاعري ؛إذ لم أكن أتصور أبدا –ولعل كل الذين غادروا في صمت يوافقونني في هذا- أن تطل علي, من الماضي المهني,وتستعيدني, أيام خلت قضيناها معا ؛بمنشطها ومكرهها ؛لكن بحضور قوي لم تكن البيروقراطية التي عاشتها أكاديمية الجهة الشرقية؛في عهد الإدارة السابقة ,السيئة الذكر, تملك إلا أن تعاديها ؛مادامت قد فشلت في تدجينها.
غادرت في من غادر لكن الصلة بالهيئة- أشخاصا ومتابعات وكتابات- لم تنقطع لأن رسالة التربية والعلم التي اخترناها ,لا يمكن أن تتقاعد.
تتقاعد الصفة الإدارية فقط؛ أما البعد الرسالي فلا يجب أن يتوقف:إن التعليم رسالة وليس وظيفة. هذه نصيحتي للمتقاعدين القدماء والجدد.
قد يحدث تحول وتطور في أداء الرسالة؛ أما أن تنتهي بقرار إداري؛فهذا لا يسري إلا على الوظائف الأخرى.
وحسب تجربتي؛ ما من مفتش متقاعد ألتقي به ,وأجده في منتهى الحيوية والنشاط إلا وأفترض أنه يمارس نشاطا ما على صلة برسالته؛وفعلا حينما أسأله يجيبني بأنه لم يشعر بأي فرق بعد تقاعده ؛لأنه يطالع ويكتب وينشط في جمعيات ,ويمارس الرياضة الخ….
وحينما تجمعني الصدف بيائس ملول يخبرني بأنه لا يعرف ماذا يفعل بوقته.
كان يؤلمني كثيرا أن أسمع بأن الهيئة التي خلفناها في الميدان ؛بنفس القضايا النضالية ,وبنفس الرؤى, صارت هيئات ,بقلوب شتى.
وكنت أقول بيني وبين نفسي: ها قد ضاع كل ما بنيناه في الجمعية المغربية لمفتشي التعليم الثانوي ,وبنته,معنا, جمعيات أخرى؛وهاهي ذي البيروقراطية في إدارة التربية الوطنية تضحك بملء فيها ؛وتمد أرجلها في ساحة لم يعد يؤطرها أحد.
ثقوا أن المقالات التي غطت مرحلة التشرذم كانت تسعد جهات إدارية عديدة.
إن أغلب المسؤولين الإداريين يتبنون موقفا متطرفا بخصوص هيئة التفتيش؛وهذا ما يفسر وصول العدوى بسرعة إلى الوزير الجديد؛فما أن يجلس على الكرسي حتى يجد من ينال ,أمامه من الهيئة.وينتهي إلى الاعتقاد بأن الأمور يمكن أن تسير بدون مفتشين.
واليكم تفسيري لمصدر العداء:
بعد أزيد من عشرين عاما قضيتها في التفتيش تأكد لي أن أغلب المسؤولين بوزارة التربية الوطنية ,وأغلب ممثلي المصالح الخارجية – مع استثناءات طبعا- ما أن تسند إليهم المهام الإدارية حتى يشرعوا في قطع كل صلاتهم بماضيهم التربوي ,رغم أن هذا الماضي هو الذي خول لهم المنصب.
مع مرور الوقت يتصورون أنهم هكذا كانوا دائما ؛رؤساء.
وفعلا ,مع توالي السنين يموت فيهم المربي ؛وتستيقظ السلطة مستدركة للزمن المعتبر ضائعا.
ذات يوم التقيت بصديق حديث العهد بالنيابة ؛وخلال الحديث لاحظت أنه لا يذكر إلا فلان من السلطة وفلان مندوب وزارة كذا؛فسألته :أراك لم تحدثني عن المفتشين وعلاقتك بهم ,وعن مديرين وأساتذة ممتازين زرتهم؛فكان جوابه : »هادوك فيهم غير المشاكل »
وأعرف أشخاصا تنكروا حتى لأصدقائهم؛ وغيروا حتى أماكن جلوسهم.
لكن الهيئة التي تظل تذكر هؤلاء بماضيهم,وبواجبهم,وتوقظهم من أحلامهم ,وتضع الأشواك في كراسيهم هي هيئة المراقبة التربوية بتقاريرها المزعجة ؛وهي هكذا لأن تفاصيل الواقع التعليمي مزعجة.
من يتحدث عن تجاوز التلاميذ, في الفصل ,للحد القانوني؟ من يتحدث عن ثغرات البرامج؟
من يكشف عن عيوب توزيع الزمن المدرسي؟ من ينتقد توزيع الموارد البشرية؟ من يعقب على النواب ومديري الأكاديميات وحتى الوزراء؟
إذن لا تأتي المشاكل إلا من مفتش؛ولا يفلح وينام ويرتاح إلا من قتل هذا المفتش.
إخواني: أتمنى أن يظل شملكم مجتمعا ,وان اختلفت الرؤى ؛إذ في الاختلاف رحمة.
ومهما حاول البعض الانتقاص من دور الهيئة فان كرونولوجيا الإصلاح في مجال التعليم تشهد بأن النجاحات ظلت مرتبطة بانخراط الهيئة وتقدير عملها ؛كما أن الإخفاقات ظلت مرتبطة باستبداد المسؤولين الإداريين بالرأي ,وبالتالي ازدراء دور المفتشين.
ولا يتسع المقام لإعطاء أمثلة مقنعة.
إن جهاز التفتيش جهاز قضاء تربوي ؛ولهذا يجب أن تضمن له الاستقلالية,إن لم نقل الحصانة التي للقضاة,حتى يشتغل بكل ثقة في النفس وشفافية وصدق.
لا معنى لدور الهيئة إذا وضعت تحت سلطة تعترض على تقاريرها أو تخفيها.
أتذكر هنا حالة نائب كان يوقع بسرعة ضوئية على التشجيعات المقترحة من طرف المفتشين؛ لكن حينما يتعلق الأمر بتقارير تكشف عن حالات تربوية غير عادية يصاب بالشلل الدماغي واليدوي….
من شأن هيئة تفتيشية منسجمة -بميثاق خاص إن أمكن- أن تدفع في اتجاه الإصلاح الحقيقي للمنظومة التربوية ؛وفي اتجاه تضييق الخناق على المسؤولين الإداريين حتى لا يستسلموا لإغراء الكراسي الوثيرة ؛وحتى ينخرطوا مع الهيئة ويؤازروها في عملها الميداني.
تحيتي لكم
1 Comment
ما عهدناك أيها الفاضل إلا صاحب رجاحة عقل وبعد نظر فجزاك الله عنا خير الجزاء وآمل أن يستفيد من توجيهاتك النيرة الذين أفرغوا النقابة من مدلولها واختزلوها في مطالب لا ترقى إلى طموحات الهيئة. إن نكران الذات عملة صعبة ،والمعالي لا تنال بقصور الهمم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم . لهث البعض وراء المطالبة بالتعويض عن الإطار وأهملوا الاستقلالية ايتبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فقيل لهم اهبطوا
حياك الله أستاذنا الفاضل ودمت رمز فخر واعتزاز لنا