الحق في التنمية وبعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب(1)
تتسم حقوق الإنسان بطابع الكونية والشمولية ، أي أنها حقوق لكل البشر على اختلافهم وبدون تجزيء ، كما أن حقوق الإنسان تضمن كرامة الإنسان التي لا يمكن الاستغناء عنها في كل الأحوال ، وهي متضمنة في العديد المواثيق الدولية والجهوية والمحلية ، ومحمية من قبل آليات وأجهزة محددة .
إن حقوق الإنسان كما يقر كل الدارسين ، تطورت عبر السنين حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن ، وقد ساهمت في هذا التطور كل الحضارات الإنسانية ، وجميع المعتقدات الدينية ، والأفكار الفلسفية وغيرها .
يتحدث المهتمون بحقوق الإنسان على ثلاثة أجيال من الحقوق :
– الجيل الأول : ويضم الحقوق المدنية والسياسية وهي حقوق فردية ( حرية التعبير والتفكير والمعتقد والصحافة والتجمع والتنقل والهوية والجنسية …)
– الجيل الثاني : ويضم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذه الحقوق تتأسس على مبدأ المساواة ومن بين هذه الحقوق ( الحق في الشغل والتعليم والأجر العادل والضمان الاجتماعي والمأكل والمسكن والصحة ..)
– حقوق الجيل الثالث : وتضم الحق في التنمية والبيئة السليمة والسلم …وهي حقوق تضامنية بين الإفراد والجماعات .
إن الحق في التنمية الذي هو موضوع هذه الدراسة ينتمي إلى الجيل الثالث من حقوق الإنسان ، غير أنه لا يجب الاعتقاد بأن هذه الأجيال تشكل جزرا منفصلة عن بعضها البعض ، فحقوق الإنسان كل غير قابل للتجزيء كما ذكرت آنفا .
أولا : تعريف الحق في التنمية
يعتبر مفهوم التنمية من المفاهيم التي لم يتحقق حولها الإجماع ، فقد تعددت تعار يف هذا المفهوم بشكل كبير ، بيد أنه يمكننا حصر المفهوم في تعريفين أساسين (2) :
– التعريف الذي يربط التنمية بالاقتصاد الموجه المرتكز على التخطيط وتتبنى هذا التعريف الدول التي اختارت النظام الاقتصادي الاشتراكي .
– التعريف الذي يربط التنمية باقتصاد السوق القائم على حرية المبادرة وتتبنى هذا التعريف الدول التي اختارت النظام الاقتصادي الليبرالي .
لقد وعى المنتظم الدولي أهمية الحق في التنمية بعد استقلال الدول المستعمرة ، وذلك بعد ملاحظة البون الشاسع بين دول الشمال ودول الجنوب ، شمال يعيش البذخ إلى حد التخمة وجنوب يعيش الفقر المدفع .
لذلك بدأ الاهتمام الدولي بهذا الحق وقد ترجم هذا الانشغال في مجموعة من المواثيق نخص منها : ميثاق الأمم المتحدة(1945) في المادة 55 والإعلان العالمي حول التنمية والتقدم في المجال الاجتماعي (1969) والإعلان العالمي بشأن نظام اقتصادي جديد (1974) وميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول (1974) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) وإعلان أهداف الإنمائية الألفية (2000/2009) ،
لكن الاهتمام بالحق في التنمية والاعتراف به كحق من حقوق الإنسان سيتبلور بشكل جلي تحت ضغط الدول النامية ، حيث أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة فريقا من الخبراء للاشتغال على مفهوم الحق في التنمية سنة 1981 ، وبعد ست سنوات من الدراسة والنقاش الحاد بين وجهات النظر المختلفة تمت صياغة إعلان الحق في التنمية الذي ستتبناه الأمم المتحدة بموجب القرار 41/128 بتاريخ 4/12/1986
ثانيا : مضامين الحق في التنمية
يتضمن الإعلان العالمي حول الحق في التنمية (3) ديباجة وعشرة مواد ، فبالنسبة للديباجة فإنها تؤكد على أهمية الحق في التنمية من طرف الأمم المتحدة ، كما تعتبر الإنسان هو محور التنمية باعتباره المشارك الرئيسي والمستفيد منها ، وتؤكد على ضرورة اتخاذ الدول للإجراءات المواتية لتحيق التنمية باعتبار مسؤوليتها عن ذلك ، أما المواد فهي تشير إلى المضامين الآتية :
1- الحق في التنمية هو حق من حقوق الإنسان ، وهو ينطوي على إعمال الحق في تقرير المصير .
2- الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية ، كما يتحمل كل البشر فرديا وجماعيا المسؤولية عن التنمية ومن واجب الدول وضع سياسات تنموية لتحقيق رفاه الإنسان .
3- تتحمل الدول مسؤولية تهيئة الأوضاع وتأمين هذا الحق ووضع مخططات إنمائية .
4- من الواجب اتخاذ خطوات فردية وجماعية لوضع سياسات إنمائية .
5- تتخذ الدول خطوات للقضاء على الانتهاكات المرتبطة بالفصل العنصري والاستعمار والعدوان والتدخل الأجنبي .
6- تتعاون الدول فيما بينها لتحيق حقوق الإنسان المترابطة .
7- ينبغي على جميع الدول تعزيز الأمن والسلم الدوليين واستخدام المواد المفرج عنها لتنمية المناطق النامية
8- على الدول اتخاذ تدابير على المستوى الوطني لإعمال الحق في التنمية وضمان تكافؤ الفرص بين الجميع للوصول إلى الموارد الأساسية والتعليم والصحة والعمل والسكن والتوزيع العادل للدخل .
9- جميع الحقوق المتضمنة في الإعلان مترابطة .
10 – لضمان ممارسة هذا الحق على الدول اتخاذ خطوات تدريجية واعتماد تدابير على مستوى التشريعات والسياسات العمومية .
ثالثا : الحق في التنمية وبعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
نص الإعلان العالمي حول الحق في التنمية على جملة من الحقوق ، لكنني في هذه الدراسة سأحاول مقاربة خمسة حقوق أساسية ، محاولا بيان مدى إعمالها على مستوى الواقع المغربي ، وهذه الحقوق هي :
– الحق في تقرير المصير.
-الحق في الشغل.
-الحق في الصحة .
– الحق في التعليم .
– الحق في السكن .
أ – الحق في تقرير المصير(4)
يعتبر هذا الحق من الحقوق الأساسية بالنسبة للإعلان حول الحق في التنمية ، وهو يعني حق تقرير المصير على المستوى السياسي والاقتصادي .فهل الشعب المغربي قرر مصيره ؟
للإجابة على هذا السؤال أشير بأن المغرب اختار التوجه التنموي الليبرالي ، وقد عرف هذا التوجه عدة تطورات بدأت بالشروع في سياسية التقويم الهيكلي ، في بداية الثمانينات والدخول في مسلسل الخوصصة في نهاية الثمانينات ، ثم الدخول فيما بعد في اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية .
إن هذه الاختيارات الليبرالية لم تنعكس فوائدها على المواطن البسيط كما تم التبشير بذلك ،بل على العكس من ذلك ساهمت هذه الاختيارات في تعميق الهوة بين الفقراء والأغنياء، كما ساهمت في ارتفاع نسبة الفقر بالمغرب حيث أصبح خمس المغاربة يعيشون تحت عتبة الفقر .
أما على المستوى السياسي فان تقرير المصير يستلزم دمقرطة الانتخابات ، وإقرار دستور ديموقراطي على مستوى الإعداد والمضمون و والفصل بين السلط وتحرير كل المناطق المستعمرة وترسيخ قيم حقوق الإنسان عبرالتصديق والملاءمة واعتبار سموها ، وهو ما لم يتحقق لحد الآن حسب المنظمات المستقلة العاملة في مجال حقوق الإنسان .
خلاصة القول ، فان تقرير المصير يتطلب إقرار الديموقراطية بإبعادها الشمولية : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو ما زال الجميع يطمح إلى تحقيقه لحد الآن .
ب- الحق في الشغل
يعتبر الحق في الشغل حقا أساسيا في مجال حقوق الأسان ، وهو منصوص عليه في العديد من المواثيق التي صادقت عليها الدولة المغربية إلا أن الدولة المغربية حسب الأجهزة الرسمية نفسها لم تفلح في إيجاد سياسة ناجعة لتحقيق هذا الحق ، وتتمثل اختلالات تفعيل هذا الحق في الأمثلة التالية :
– بطالة حاملي الشهادات وعدم تخصيص تعويض عن البطالة .
– استمرار الفوارق وانعدام تكافؤ فرص الولوج إلى الشغل .
– ضعف التغطية الاجتماعية .
– التمييز في الأجور بين النساء والرجال .
– فقدان فرص الشغل بسبب ما يسمى بالمرونة .
– عدم احترام الحقوق الشغلية ( ساعات العمل – الساعات الإضافية – التأمين – التعويض عن الاطفال …)
– الإجهاز على الحق في الإضراب
– ضعف الانتماء النقابي لأسباب موضوعية ..
– عدم احترام مقتضيات الشغل
– عدم المصادقة على العديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وفي مقدمتها الاتفاقية 87 .
ان الحق في الشغل ، والحقوق الشغلية لا تجد طريقها إلى التفعيل ، وهذا ما يسؤدي إلى تزايد احتجاجات المعطلين والعمال .
ج- الحق في الصحة
الحق في الصحة هو حق منصوص عليه في الإعلان العالمي في المادة 25 وفي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتقافية في المادة 12 والاعلان العالمي حول الحق في التنمية في المادة 8 …الخ
إن المغرب بحكم انتمائه إلى المنتظم الدولي ، وتأييده لهذه المواثيق يجب أن يقوم بضمان الحق في الصحة للجميع ، بما فيه تمكين جميع المغاربة من هذا الحق ، فهل يتمتع المغاربة بهذا الحق كما هو منصوص عليه دوليا ؟
للإجابة عن السؤال أشير إلى أنه رغم المكتسبات الايجابية المسجلة في مجال الحق في الصحة من قبيل ارتفاع سن الأمل في الحياة ، وانخفاض نسبة وفيات الأطفال والأمهات مقارنة بالسنوات الفارطة ، فلازالت تسجل بعض الاختلالات ومنها :
– ارتفاع معدل وفيات الأمهات والأطفال مقارنة بدول مغاربية
– انعدام التوازن بين الجهات فيما يخص البنيات والتجهيزات والمورد .
– ضعف التمويل العمومي لقطاع الصحة ( لا يتجاوز 5 في المائة من الميزانية العامة )
– غلاء الأدوية وتحكم بعض اللوبيات في أثمنتها
– تدهور وضعية المستشفيات والمراكز الصحية
– ضرب مبدأ المجانية .
– تفشي المحسوبية والزبونية والرشوة .
– غياب الحكامة فيما يخص تدبير بعض المراكز وفيما يخص (سيغما )
– فشل سياسية راميد في تحقيق التوافر والمقبولية والإتاحة وعدم التمييز وهي عناصر الحق في الصحة المنصوص عليها في التعليق رقم 14 .
باختصار فان استفادة المغاربة من الحق في أعلى درجة من الصحة يمكن بلوغه لازال بعيد المنال ( انظر التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لسنة 2013)
د- الحق في التعليم
بالنسبة للمعايير الدولية المهتمة بالحق في التعليم يمكن الحديث عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 26 ) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 13 ) وغيرهما من التفاقيات .
فإلى أي حد يتمتع المغاربة بالحق في التعليم ؟
إن التعليم بالمغرب أصبح يعرف اختلالات خطيرة فحسب تقرير اليونسكو لسنة 2011 فان الوضع التعليمي بالمغرب جد مقلق ، والصورة جد قاتمة ، فالمغرب أصبح يحتل مواقع متأخرة وراء دول تعرف الحروب والصراعات الأهلية كالسودان وجيبوتي واليمن .
كما أن التقارير الرسمية تسير في نفس المنحى فحسب تقرير الخمسينية الذي صيغ من طرف خبراء ومختصين ، فالمغرب يعرف عدة اختلالات بنيوية على مستوى التعليم ، أي أن عناصر إعمال الحق في التعليم وهي : التوافر وإمكانية الالتحاق وإمكانية القبول وقابلية التكيف لازالت لم تتحقق بالشكل المطلوب ، وهو ما يتجلى على مستوى الواقع حيث يسجل :
– حرمان نسبة كبيرة من الأطفال من التمدرس .
– ضعف الالتحاق بالتعليم الإعدادي والثانوي والجامعي
– النقص في الموارد البشرية
– فشل مخططات الإصلاح ( الميثاق الوطني – المخطط ألاستعجالي رغم الكلفة المالية الهائلة التي رصدت لهما )
– ضعف الجودة على مستوى المقررات .
– ضعف الاعتمادات المخصصة للتعليم واعتبار القطاع غير منتج ومنزف لميزانية الدولة .
– محدودية التدريس باللغة الامازيغة رغم إقرارها كلغة وطنية .
– تشجيع الخوصصة والإجهاز على المدرسة العمومية وتحول التعليم الى سلعة
– المضاربة في مجال الكتاب المدرسي على حساب تحقيق الجودة .
– الاكتظاظ على مستوى الأقسام .
– نشر قيم مناهضة لحقوق الإنسان على مستوى البرامج التعليمية
باختصار شديد فان التعليم بالمغرب يتراجع سنة بعد أخرى ، وهذا راجع إلى غياب إرادة سياسية حقيقية للنهوض بالقطاع ، فكل وزير ينطلق من الصفر ويقفز على التراكمات المحققة في عهد سابقيه ، وهذا ما يجعل من الحقل التعليمي يتحول مع كل إلى ميدان للتجارب .
د – الحق في السكن
لقد تم التنصيص على الحق في السكن في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادة 8 من الإعلان العالمي حول الحق في التنمية ، فكل هذه المواثيق تنص على حق المواطن في سكن يضمن الكرامة الإنسانية ، فهل جميع المغربة يدركون هذا الحق ؟
إن الحق في السكن لازال لم يتحقق لفئة كبيرة من المغاربة ، فلا زالت التقارير الرسمية تسجل نقصا مهولا على مستوى السكن يقدر ب 600 ألف وحدة سكنية ، ناهيك عن استمرار السكن الغير منسجم مع معايير حقوق الإنسان ، والتفاوت الحاصل بين المدن والجهات وبين المدن والقرى ، واستمرار ظاهرة المساكن الآيلة للسقوط في المدن القديمة .
كما أن سياسة الدولة في مجال الإسكان لا تنسجم مع المعايير الدولية ، مما يجعل المواطن ضحية لشركات المضاربة العقارية ، أو في بعض الأحوال يضطر إلى اللجوء لدور الصفيح حيث تنعدم ابسط شروط الحياة .
خاتمة :
من خلال تحليلي لخمسة حقوق على مستوى الواقع ، يمكن القول بأن الشعب المغربي لازال بعيدا عن تحقيق تنمية تحترم حقوق الإنسان ، رغم الاستراجية التي تتبعها الدولة في هذا المجال والتي تتجلى في إحداث وكالات لتنمية الأقاليم الشرقية والجنوبية وإطلاق برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 وانخراطه في عدة برامج دولية ( الألفيات ).
وتأسيسا عليه فان الحركة الحقوقية ملزمة بالمزيد من النضال من اجل إعمال الحق في التنمية على مستوى الواقع ، واستفادة جميع المغاربة على قدم المساواة من الخيرات والحقوق .
الصديق كبوري / فجيج 19 أبريل 2014
الهوامش :
1- عرض قدم في إطار الذكرى الأربعينية للفقيد عمر السعدي بفجيج .
2- مقال الأستاذ عمر زايدي « التنمية ،حقوق الإنسان وحقوق العمال » أشغال الجامعة الصيفية لحقوق الإنسان وحقوق العمال المنظمة من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة1996 ضمن كتاب « أشغال الجامعة الصيفية الاولى » الطبعة الاولى سنة 1998
3-دراسة حول الحق في التنمية بالمغرب بين العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأهداف الانمائية ضمن الموقع الرسمي الالكتروني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان .
4- التقريرين السنويين الأخيرين للجمعية المغربية لحقوق الإنسان 2012 /2011
Aucun commentaire