جرادة :
مسرحية  » الهذيان  » .. تألق ودروس ..
عبد القادر بنهار

كان محبو الخشبة على موعد مع العرض المسرحي  » الهذيان  » الذي كتبه وأخرجه الاستاذ عبد العزيز الطيبي ، مساء يوم الثلاثاء 15/4/2014 . ولم يتخلف عن هذا الموعد الفرجوي إلا ذو حظ تعيس ، ذلك أن العرض لم يكسر فقط التقليد المألوف في الاداء والشكل الخارجي والملابس وتسلسل المشاهد والديكور والدينامية الحركية والانارة وغير ذلك مما يلزم المخرج نفسه به دون ان يكون ذلك قدرا مقدورا ..، ولكنه حدد مدخلات فكرية تمتح من فلسفة الجواب الذي يصبح سؤالا جديدا في افق البحث عن الشافي من القيم والسلوكات .
وإن أول ما يمكن ملاحظته ان العرض كان عبارة عن هذيان مجنون يتوق الى الحقيقة ويبحث عنها بالحفر في المجتمع وافعاله اليومية وبتوريط المجتمع المثقف في الاشكاليات الكبرى التي عليه المساهمة في حلها بدل انتقادها والتصرف حيالها تصرفا منافقا ، وذلك بعربية فصيحة غاية الفصاحة ، سليمة الى ابعد ما يمكن ، تتخللها دارجة مغربية وفرنسية رائقة زادتا العرض قيمة وجمالا .
ومهما بدت الأفكار مستهلكة عادية ترى وتعاش ، فإن عرضها كان مختلفا في ما يرجع إلى اختيار اللغة والانفاس والتسلسل والانسيابية والقوة .. ذلك فضلا عن كون العرض قد محا تماما الحواجز بين الممثلات من جهة حيث بدين كتلة متجانسة تمام التجانس وبينهن وبين المخرج حيث باشرن دور المخرج مع الإفصاح عنه من جهة أخرى. ومما زاد العرض عمقا وابداعا كونه كسر الحاجز ايضا بين الممثلات وجمهور المتفرجين ، الشي الذي جعل الجميع يشارك في العرض بشكل مباشر ويجسد الخوف وأسبابه، وحالات الرفض للظلم والشعارات المزيفة التي يرفعها المجتمع ويتغنى بها ، وتزييف الحقائق تحت طائلة الخوف من الانتقام .. والدعوة الى حرية التعبير بتفاعل شديد تملأه شحنة تربوية بينة .
وبذلك كانت الممثلات البرعمات رمزية حقيقة لماضي مدينة جرادة وحاضرها وهن أيضا مستقبلها ..  بل إنهن جرادة متجسدة تحل بأرواحهن من خلال أحيائها المهمشة ومن خلال  » الرمبلي  » الذي يطل على جرادة كلها ..
وقد قدمن عرضا جمع بين متعة الفرجة والافادة الفكرية في ثنائية الالوان والحركات والافكار التي تعج بالحياة والتدافع والمسؤولية …
واتبع العرض بمناقشة عبر فيها الحاضرون عن انبهارهم من الاداء والاخراج المقتدرين وتمنوا ان يحظى عرض  » الهذيان  » بفرص أخرى منها عرضه على التلفزيون المدرسي وفي المقاهي الادبية ليستمتع به وينتفع به أكبر عدد من الأطفال والكبار حتى .
وجدير بالذكر أن أمهات الممثلاث حضرن العرض للوقوف على حقيقة الفعل التربوي والفني الذي اضطلعت به بناتهن وعرضنه على المتفرجين بكل أتقان .. وروعة .. وبهدف تقديم الدرس وتحميل المسؤولية للمجتمع العالم المثقف أو الواعي  بعيدا عن الوعظ والارشاد .