هل مازال خيار المدرسة الجماعاتية يمثل الحل الأمثل لمعالجة معضلات التعليم بالوسط القروي؟
هل مازال خيار المدرسة الجماعاتية يمثل الحل الأمثل لمعالجة معضلات التعليم بالوسط القروي؟
عبد الغفور العلام
في بديات تنزيل الميثاق الوطني للتربية و التكوين وبالضبط في الموسم الدراسي 2003/2004 ،أعلن عن ميلاد ما يسمى بالمدرسة الجماعاتية خالد بن الوليد بجماعة معتركة بنيابة فجيج التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين للجهة الشرقية . ولم يكن يدور بخلد المسؤولين والمتدخلين والفاعلين والمساهمين في بلورة وتنفيذ هذا المشروع التربوي آنذاك، أن هذه التجربة التي انطلقت من فكرة بسيطة و رأت النور بوسائل محلية متواضعة، ستصبح خيار استراتجيا لوزارة التربية الوطنية وتشكل نموذجا تربويا رائدا سيتم تبنيه وتنزيله خلال فترة البرنامج الإستعجالي ( 2009/2012)، حيث سرعان ما سيتم تعميمه على الصعيدين الجهوي والوطني على اعتبار أنه قدم أجوبة مقنعة على بعض إشكاليات التعليم بالوسط القروي.
وتأسيسا على ذلك، وبعد مرور عشر سنوات على ميلاد هذا النموذج التربوي الجديد لمعالجات معضلات التعليم بالوسط القروي، يحق لنا أن نتساءل: عن أهمية وفعالية هذا المشروع التربوي؟ وعن أثره ووقعه؟ وهل ساهم فعلا في الرفع من الطلب على التمدرس و تحسين العرض التربوي وجودة التعليم بالوسط القروي؟ ثم ماهي يا ترىأهم الإكراهات و الصعوبات التي واجهة تنزيله على أرض الواقع؟ وفي الأخير ما هي أهم العوامل المساعدة على استدامة هذا المشروع واستمراره إذا اعتبرنا أنه ساهم إلى حد ما في التقليص من معوقات التمدرس بالوسط القروي.
إكراهات التربية و التعليم بالوسط القروي
ما من شك أن التعليم بالوسط القروي يشكو من عدة صعوبات ومعوقات تحول دون تحقيق الأهداف والمؤشرات التربوية المسطرة، ودون الوصول إلى الجودة التربوية المنشودة. فمن جهة نلاحظ ضعف الطلب على التمدرس نتيجة تداخل مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فأغلب التلاميذ القرويون ينحدرون من فئات اجتماعية هشة إن لم نقل فقيرة، بالإضافة إلى عامل البعد عن المدرسة حيث يقطعون المسافات الطوال للوصول إليها. ومن جهة أخرى، فمعظم المجموعات المدرسية القروية ( المركزية و الوحدات المدرسية التابعة لها) تفتقد للبنية التحتية الأساسية (الطريق المعبدة،الماء ،الكهرباء، المرافق الصحية، السياج …)
زيادة على ذلك ، فنموذج التعليم بالوسط القروي يتميز بضعف نسبة التمدرس عموما وضعف تمدرس الفتاة القروية على الخصوص. بالإضافة إلى تشتت الفرعيات وكثرة الأقسام المشتركة وارتفاع نسب الهدر المدرسي.
فكل هذه العوامل تؤثر سلبا على جودة التعليم بالمجال القروي حيث يلاحظ في الغالب ضعف التحصيل الدراسي و تدني المستوى التعليمي للتلاميذ. وكذا ضعف اكتساب التعلمات الأساسية وعدم تفعيل الحياة المدرسية وغياب الأنشطة الموازية المندمجة.
وانطلاقا من هذا الواقع المتردي التي تعرفه المدرسة الابتدائية بالوسط القروي، كان لابد من التفكير في بديل تربوي يساعد على تجاوز كل هذه الصعوبات. فتم اختيار نموذج المدرسة الجماعاتية باعتباره خيارا استراتيجيا يهدف بالأساس إلى معالجة إكراهات التربية و التعليم بالوسط القروي.
المدرسة الجماعاتية: نموذج جديد لتحسين خدمة التمدرس بالوسط القروي
إذا استعرضنا بعض التجارب الدولية في هذا المجال، نجد أن النموذج التعليمي في كندا مثلا يؤكد على الدور المهم والجوهري للمدرسة الجماعاتية كمؤسسة للتنشئة اجتماعية باعتبارها رافعة من رافعات التنمية. وذلك في تفاعل وتناغم مع محيطها حيث يتم التركيز على العمل الجماعي وإشراك جميع الفاعلين والمتدخلين والشركاء.
أما المدرسة الجماعاتية في النموذج التربوي المغربي فتنطلق من فكرة التخلي التدريجي عن خيار الوحدات المدرسية المشتتة من خلال تجميـع تلاميذ الفرعيات المكونة للمجموعة المدرسـية في وحدة مدرسية مركزية تتكون من قسم خارجي وقسـم داخلي وتتوفر فيها البنية التحتية الضرورية ( ماء، كهرباء، طريق، سكن للأساتذة، نقل مدرسي للتلاميذ …) وذلك من أجل تحسين العرض المدرسي وتجويد التعليم بالوسط القروي.
فمشروع إحداث المدارس الجماعاتية بالوسط القروي ببلادنا عادة ما يتم توطينه في الأماكن المعزولة والنائية والتي تتميز بوعورة التضاريس وتشتت السكان. و إحداث المشروع يكون إما في مكان مجموعة مدرسية موجودة، أو يتم اختيار موقع جديد يحتضن المدرسة الجماعاتية ببنيتها التحتية المكتملة ( جناح تعليمي، داخلية، مطعم، نقل مدرسي…)
وبخصوص الفرعيات التي يتم إغلاقها نتيجة إحداث المدرسة الجماعاتية، فيمكن تشغيلها في التعليم الأولي أو التربية غير النظامية أو في الأنشطة التنموية المحلية (محاربة الأمية ،تأهيل المرأة القروية …)
من نموذجالمجموعات المدرسية إلىنموذج المدرسة الجماعاتية
إن الانتقال من خيار تقريب خدمات التمدرس من المستفيدين (إحداث الفرعيات ) إلى خيار تجميع المتمدرسين في إطار المدرسة الجماعاتية كان يروم بالأساس تحقيق مجموعة من الأهداف:
تحسين جودة الخدمات التربوية المقدمة: من خلال توفير الشروط الملائمة لنجاح العملية التعليمية التعلمية عبر تحسين ظروف اشتغال وإقامة التلاميذ والأساتذة (بنية تحتية جيدة، تحصيل دراسي و تعلمات في المستوى المطلوب، تفعيل الحياة المدرسية،انفتاح المدرسة على محيطها…).
تخفيض التكلفة المالية المخصصة للمدرسة القروية: عبر عقلنة و ترشيد الموارد البشرية والمادية والمالية ( عوض تدبير مدرسة ابتدائية مركزية بفرعياتها المشتتة، يتم تركيز الجهود في مدرسة واحدة).
الرفع من فعالية ومردودية التعليم بالوسط القروي: عن طريق تقليص نسب الهدر المدرسي والقضاء على ظاهرة الأقسام المشتركة والرفع من مستوى التحصيل الدراسي…
صعوبات تعترض تنزيل خيار المدرسة الجماعاتية
على الرغم من المجهودات المهمة المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية خلال فترة البرنامج الإستعجالي 2009 /2012 حيث تم العمل على تسريع وتيرة إحداث المدارس الجماعاتية عبر إحداث 59 مدرسة جماعاتية، إلا أن تجربة عشر سنوات من تزيل هذا المشروع بينت بعض النواقص سواء على مستوى بلورة المشروع أو على مستوى توطينه أو تدبيره.
فمن حيث بلورة المشروع، فرغم وجود مخطط استشرافي يروم توسيع شبكة المدارس الجماعاتية حيث تتوقع الوزارة الوصية إحداث 170 مدرسة في أفق 2017 ، إلا أن المقاربة المعتمدة لحد الآن غلبت عليها الانتقائية في اختيار بعض المشاريع. كما أنه تم العمل على تعميم نموذج واحد ووحيد للمدرسة الجماعاتية رغم كل الاختلافات والتنوعات والتباينات التي تطبع المجال القروي ببلادنا.
وبخصوص عملية توطين مجموعة من المدارس الجماعاتية، فقد لوحظ تدخل العوامل والمحددات السياسية و الإجتماعية والثقافية في هذه العملية (القبلية، هاجس الانتخابات،المصالح الشخصية…) ، حيث لم تتم عملية توطين بعض المشاريع وفق معايير موضوعية ووفق ما هو متعارف عليه في سيرورة التخطيط التربوي (القيام بدراسات علمية مستفيضة تستحضر الحاجيات الحقيقية وتدرس كلفة و نجاعة المشروع… ) وإنما تمت العملية في بعض الأحيان وفق اعتبارات بعيدة عن ذلك.
بالإضافة لهذا ، فمجموعة من المدارس الجماعاتية تشكو من صعوبات في التسيير المالي والمادي خصوصا فيما يتعلق بتسيير مرافق الداخلية. وذلك نتيجة غياب الأطر المختصة ( المقتصد، الممون…). زيادة على ذلك، فمجمل القوانين والتشريعات المدرسية الحالية غير ملائمة لتدبير المدرسة الجماعاتية.
كما تشكل حداثة سن المتمدرسين الملتحقين بهذا النوع من المدارس ( 6و7سنوات) عائقا إضافيا سواء على مستوى تأطيرهم التربوي و النفسي أو على مستوى اندماجهم وتأقلمهم في هذا الوسط الجديد. زيادة على غياب مؤطرين رسميين مختصين في هذا المجال. ناهيك عن تسجيل ضعف التواصل والتعبئة حول المشروع خصوصا مع المعنيين المباشرين والشركاء (الآباء والأمهات، الجماعات المحلية والمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين…).
بعض الاقتراحاتلاستدامة المشروع واستمراره
يعتبر مشروع إحداث المدارس الجماعاتية من الحلول التربوية الملائمة لمعالجة معضلات التعليم بالوسط القروي . و من أجل الرفع من فرص النجاح و الاستدامة لهذا المشروع التربوي المهم يمكن الاشتغال مستقبلا على ما يلي:
– بلورة إستراتيجية وطنية واضحة المعالم تروم تعميم خيار المدارس الجماعاتية بالوسط القروي مع الحرص على مراعاة الخصوصيات المحلية؛
– الإسراع بإخراج المرسوم التنظيمي للمدارس الجماعاتية الذي يحدد الأهداف ويدقق المهام والوظائف وأدوار جميع المتدخلين والفاعلين ؛
– توظيف مؤطرين رسميين و قارين ( مقتصد، أطر الدعم التربوي و الاجتماعي والنفسي…)؛
– ابتكار نماذج جديدة ومتنوعة للمدرسة الجماعاتية تستجب للحاجيات الملحة للتعليم بالوسط القروي وعدم تعميم نموذج واحد ووحيد على الجميع ؛
– تعزيز التواصل الفعال والتعبئة المجتمعية لكل المعنيين (السكان،الجماعات القروية والمجتمع المدني…) لضمان انخراطهم ومساهمتهم في إنجاح هذا المشروع التربوي الإستراتيجي.
عبد الغفور العلام
Aucun commentaire