الإدارة التربوية هم تربوي قبل أن تكون أداة إدارية
الإدارة التربوية هم تربوي قبل أن تكون أداة إدارية
تجمع كل الدراسات المنجزة في كل بقاع العالم على أن التربية عامل أساسي للخروج من أزمة التخلف التي تعاني منها البلدان السائرة في طريق النمو عموما ، والمناطق الفقيرة داخلها خصوصا . فالتربية هي السبيل الأنجع للحصول على المعارف الأساسية بالنسبة للفرد ، والأسرة ، والمجتمع .
وإنه لمن نافلة القول إن الإدارة التربوية تعتبر قطب الرحى في المنظومة التربوية خصوصا في ضوء معطيات العصر الحديث بما يفرضه من اكتساب التقنية التكنولوجية والمعلوماتية حيث لم يعد ضروريا للكفاءة التربوية والتدبيرية حفظ المعلومات وتخزينها في الرأس ما دام في الإمكان استخراجها بالعقل الإلكتروني متى دعت الحاجة إلى ذلك ، الشيء الذي أفرز تعدد المهام ، مما يقتضي معه القدرة على اتخاذ القرار في إطار تدبير الشأن التربوي بالمؤسسة التعليمية في اتجاه ضمان استقلالية المؤسسة والارتقاء بالإدارة التربوية انسجاما مع الدعامة 14 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي تنص على اللامركزية واللاتمكز بدل الاعتماد على تصدير التعليمات للتصريف اليومي لشأن التربية والتكوين ، ومن هنا يكتسي مطلب الإطار لهذه الفئة مشروعيته تفعيلا لهذه الدعامة وانسجاما مع مقتضيات تنزيل مضامين الدستور الجديد خصوصا المرتبطة منها بربط المسؤولية بالمحاسبة .
إن هذا الوضع الجديد جعل الإدارة التربوية تشعر بأهمية هذا التحول وخطورته خاصة حينما يتعلق الأمر بالتدبير اليومي وبمخرجات المنظومة ، أو بالتقويم التربوي ومعالجة التعثر والبحث عن الأسس الكفيلة برفع مستوى المتعلمين وتحسين شروط عملهم المدرسي ، بإعدادهم منهجيا وتنظيميا ، ليصبحوا قادرين على تجاوز العوائق والصعوبات التي تعترض طريق اكتسابهم وتحصيلهم وكذا الموانع التي تؤثر على نتائجهم في الامتحانات .
تأسيسا على ما سبق فإن الإدارة هي بالفعل هم تربوي قبل أن تكون مجرد أداة إدارية ، وحينما نتحدث عن الإدارة التربوية فإنه لا يمكن اختزالها في المؤسسة التعليمية فحسب بل تمتد إلى أبعد من ذلك في إطار التراتبية المعهودة وهيكلة الوزارة المعمول بها ، فهي محلية ، إقليمية ، جهوية ومركزية .
وثمة ظاهرة لا تخفى خطورتها وانعكاساتها على المنظومة التربوية برمتها ويتعلق الأمر بالرجل المناسب في المكان المناسب عملا بمقولة أفلاطون في مدينته الفاضلة ، لأن الإنسان الذي تريده التربية هو منتوج مجتمعي وليس منتوج الطبيعة حسب تأكيد دوركايم ، فالطبيعة لا تخضع للمجتمع إلا بشروط معينة ، وأن معرفة هذه الشروط تنير بالتالي اختيار الأهداف الاجتماعية ولا تعرقلها . من هنا فالقائد التربوي أيا كان موقعه ضمن التراتبية المذكورة أعلاه لا يفترض فيه أن يكون مختصا في مجال ما من المجالات التربوية المتعددة ، فالتربية فن وإبداع قبل تكون علما ، فلو راجعنا فهارس كتب تاريخ التربية فإن أول ملاحظة يمكن استخلاصها هي أن عددا هائلا من المنظرين في هذا الحقل لم يكونوا قط من محترفي التربية . فقد أسس كومينوس المدارس وسيرها في حين كان لاهوتيا وفيلسوفا ، أما روسو فلم يدرس قط بالقسم ورغم أنه قد أنجب أطفالا غير أنه لم ينشغل بهم إلا قليلا ، فروبل مبدع حدائق الأطفال كان كيميائيا ، هربرت كان عالما سيكولوجيا وفيلسوفا ، جون ديوي كان فيلسوفا ، مونتيسوري ودكرولي وكلاباريد كانوا أطباء ….. واللائحة طويلة . من هذا المنطلق فإن القائد التربوي ينبغي أن يمتلك تقنيات تدبير الشأن التربوي وفق مقاربات محددة أهمها التشاركية والتدبير بالنتائج ، وكذا تصريفه في انسجام تام مع السياسة التعليمية المتبنية من طرف الوزارة والدولة الشيء الذي يقتضي معه الأمر الإلمام والوعي بنسق الاشتغال .
وفي إطار انتقاء مسؤولي الإدارة التربوية فإنه أجريت وتجرى حركة إدارية في صفوف نساءها ورجالها سواء في شقها الأفقي أو ما يتعلق منها بالإسناد في مختلف المواقع ( محلية ، إقليمية ، جهوية ) ، وهي عملية لم تخل من إعفاءات بناء على معايير وتقديرات محددة أظنها قريبة من الموضوعية والدقة .
لا يسعني وأنا أتناول موضوع الحركة الإدارية وأحرر هذه المقالة أن أشير بأسف شديد إلى مغادرة الأستاذ جمال مزيان لتاوريرت في اتجاه تازة بصفته نائبا إقليميا . سنفتقده كمسؤول وصديق وأخ كبير في تاريخ نيابتنا تاوريرت ولن أخشى في التحويم على بعض الفضائل التي تميز شخصيته ، وهي صفات تحقق له نوعا من الإجماع حيث تبدو واضحة جلية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الذكاء والدقة ، الصرامة والمرونة ، سداد الرأي والأمانة ، المثابرة والتواضع ، الاجتهاد في الرأي والانفتاح على الرأي الآخر مزايا في الحقيقة كثيرة وقلما نجدها مجتمعة في شخص واحد ، إذ نادرا ما يلتقي الذكاء والتواضع ، ونادرا أيضا ما يتمتع مسؤول ما بالتقدير والاحترام ، الشيء الذي جعل الأستاذ يحظى بثقة واسعة من طرف جميع الفاعلين ومختلف الفئات العاملة بحقل التربية والتكوين من أساتذة ومديرين ومفتشين وإداريين ومختلف الشركاء ، هنيئا له ، وأتمنى له مخلصا التوفيق في مهامه الجديدة بنيابة تازة ولا شك أن ما راكمه من خبرة وتجربة وما يتمتع به من كفاءة إدارية وتدبيرية وما يتحلى به من أخلاق حميدة مشهود له بها ، وقدرته على المزج حسب الوضعيات بين الصرامة والمرونة بل والليونة أحيانا ، كل هذا سيمكنه من تخطي العوائق والصعوبات المحتملة . فليطمئن الأستاذ سيكون مقامه بالنيابة الجديدة طيبا . أما علاقته بتاوريرت فستبقى راسخة مهما بعدت المسافات وسيظل الاسم منقوشا في ذاكرة هذه النيابة بمداد الفخر والاعتزاز وسنظل نردد قول الشاعر ( سيذكرني قومي إذا جد جدهم ___ وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر )
ختاما لا يفوتني أن أقدم التهاني لكل المتقاعدين بالإقليم وعلى رأسهم الأستاذ الفاضل عبدالعالي قوضاض رئيس مصلحة الشؤون التربوية لما عهد فيه كفاءة وتجرد وإخلاص ولما عرف عنه من حسن الخلق وأنبله ولما أسداه لوطنه من خدمات جليلة في صمت ونكران للذات . هنيئا لكل زملائي السادة رؤساء المؤسسات التعليمية الذين حالفهم الحظ في تلبية رغباتهم في الانتقال وأذكر منهم الأساتذة : سعيد مومو ، الدحماني ،و محمد أبطوس ، ومن خلالهم أقدم التهاني لكل إداريي النيابة المنتقلين وأتمنى لهم بدورهم التوفيق في مهامهم الجديدة . مرة أخرى أهنئ الجميع وأردد مقولة أحد الفلاسفة الألمان هيدجر : الفضيلة هي حس المسؤولية والأخلاق ، وسنة سعيدة للجميع .
Aucun commentaire