لماذا ينطلق المشروع الحضاري لفضيلة العلامة مصطفى بنحمزة من المساجد ؟

محمد شركي

أغلب من يعرف  فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة  في الجهة ،وعلى الصعيد الوطني  يقترن  عنده ذكر اسمه بالمساجد . وهو بالفعل رجل المساجد ، وهي شغله الشاغل  سواء تعلق الأمر ببنياتها التحتية أم بمواردها البشرية. واقتران اسم هذا الرجل بالمساجد  يدعو إلى طرح السؤال الآتي : ما السر وراء ذلك ؟ ومن أجل معرفة هذا السر لا بد من التطرق إلى  المشروع الحضاري الذي يراهن عليه هذا العلامة ، وهو مشروع يهدف إلى تكوين الإنسان المسلم الذي يخوض غمار هذه الحياة الدنيا بنجاح يخول له  الرحيل إلى الحياة الأخرى آمنا مطمئنا ، وفائزا في امتحانه الذي خاضه في عاجله . وهذا المشروع يتمثل في ترجمة آخر رسالة سماوية إلى واقع ملموس يؤطر حياة الناس في كل الآفاق ، وفي كل المجالات . وهذا المشروع الحضاري  عبارة عن مشروع سماوي يقوم الناس بتنزيله  في الأرض ، وهو مخالف لكل المشاريع الحضارية البشرية التي تنطلق من الأرض نحو الأرض ، وليس في اعتبارها سوى الحياة الدنيا الأولى بلا حياة أخرى يكون الفوز بها متوقفا على حسن خوض غمار الأولى. ولما كان المشروع الحضاري الإسلامي  سماوي الطبيعة ، اقتضت إرادة الله عز وجل أن ينطلق من بيوت نسبها الله  سبحانه لنفسه  : ((  وأن المساجد لله )) وأذن أن ترفع لتكون منطلق توجيهاته لخلقه من أجل تعليمهم كيفية الخوض الصحيح لغمار الحياة الدنيا (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )) .

ومن أجل معرفة كنه المشروع الحضاري الإسلامي لا بد من أن ييمم الخلق صوب هذه البيوت (( وأقيموا  وجوهكم  عند كل مسجد وادعوه )) . ولا يعمر هذه البيوت  ولا  يقيم عندها الوجوه إلا المؤمنون (( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله )) . وكل من أعرض عن هذه البيوت ،فهو رافض بالمقال أو بالحال أو بهما معا للمشروع الحضاري الإسلامي مهما حاول  التمويه على رفضه بذرائع واهية . ورفض المشروع الحضاري الإسلامي هومغامرة مكشوفة تهدف إلى الإخلال بالسير العادي للحياة الدنيا  ، وتحريف مسارها الذي وضعه لها الخالق سبحانه ، لهذا كان عدم الاحتكاك برسالة  السماء انطلاقا من المساجد عبارة عن ظلم  ، علما بأن الظلم هو وضع الأمور في غير ما وضعت له أصلا (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها )) . والسعي في خراب بيوت الله عز وجل باعتبارها المؤسسات الاجتماعية المؤهلة لتقديم المشروع الحضاري الإسلامي عبارة عن سعي في خراب هذا المشروع . ولهذا السبب  كان اهتمام فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة بالمساجد كمنطلق للمشروع الحضاري الإسلامي. ولقد هال فضيلة العلامة  في وقت سابق أن  يحدث اختلال  بين  نسمة ساكنة مدينة زيري بن عطية  وما حولها وبين  بيوت الله عز وجل  حيث مر بهذه الحاضرة وما حولها زمن توقفت فيه حركة تشييد المساجد في حين  كانت نسبة نسمة السكان تتزايد  باطراد . ونظرا لبعد نظره  فكر مبكرا في الرهان على تشييد المساجد ، وهو رهان صائب بالنسبة لمن يقدر المشروع الإسلامي  حق قدره . وبالفعل كان رهانه صائبا عندما استطاع أن  يقلص الفارق  بين عدد المساجد وعدد نسمة مدينة وجدة وما حولها . ولو ظل عدد المساجد على ما كان عليه لكان ذلك يعني بكل بساطة أن  المشروع الحضاري الإسلامي سيظل مشروعا نظريا بدون بنيات تحتية  يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في ربطها بالموارد البشرية . ولقد ظل أصحاب المشاريع الأرضية  ذات القطيعة مع المشروع الحضاري السماوي تنكر على فضيلة العلامة رهانه على بناء وتشييد المساجد ، وتنتقده بشدة ، وتطالبه  بتحويل  مشاريع تشييد بيوت الله عز وجل إلى مؤسسات ذات طابع استهلاكي تستجيب للمشاريع البشرية الأرضية . وكانت العبارة الشهيرة كلما  شيد مسجد :  » هلا شيد مكانه معمل  لتشغيل العاطلين ؟  » وكان جواب فضيلة العلامة حكيما وشافيا وكافيا :  » نحن نبني المساجد وأنتم عليكم ببناء المصانع  » .

ومع تراخي الزمن تبين  أن الذين  كانوا  يتبجحون بتفضيل بناء المعامل على بناء المساجد لم  يبنوا شيئا ،وإنما  كان بناؤهم مجرد صيحات في واد ، بينما الذي شادوا المساجد كانوا هم الذين بادروا إلى بناء غيرها من المؤسسات والمرافق التي  تحتاجها الأمة. وهكذا تبين أن رهان فضيلة العلامة كان في محله، لأنه أوتي خبرة بالمشروع الحضاري الإسلامي ، وعرف  أن منطلقه هو بيوت الله عز وجل حيث يوجد الذكر ، وهو رسالة السماء  التوجيهية إلى الأرض ، والتي بتطبيقها تصلح الحياة في كل الآفاق والمجالات . وبالفعل من  المساجد  خرجت الهمم المختلفة ، وفي مختلف  التخصصات ،وهي همم اتخذ أصحابها الذكر أو رسالة السماء التوجيهية مصدرا ومرجعا ينير دربهم ،وهم يخوضون غمار هذه الحياة .وبفضل المساجد صار لنا أغنياء يتنافسون في فعل الخيرات ، وفي تمويل مشاريع الخير والنماء المختلفة . وبفضل  المساجد صار لنا أطباء وصيادلة  ومهندسون وأساتذة وموظفون وفلاحون وعمال وصناع وتجار وجنود وشرطة ….يصدرون في أعمالهم المختلفة عن مرجعية ذات صلة بالمشروع الحضاري الإسلامي ، وصاروا يجمعون بين  خوض غمار الحياة الدنيا ، وبين الوعي بأنهم يمتحنون من أجل حياة أخرى ، فيوجه ذلك خوضهم  غمار حياتهم الأولى التوجيه الصحيح والسليم . وعلينا أن  نتصور أن كل هؤلاء  لم  يقيموا وجوههم عند كل مسجد ، ولم يحتكوا برسالة السماء التوجيهية الموجهة إليهم ؟  لا شك  أنهم  سيكونون على غرارغيرهم من أمم الأرض غير المؤمنة  ومن أصحاب المشاريع الأرضية التي  لا تنطلق من خلفية اعتبار الحياة الدنيا اختبارا من أجل الحياة الآخرة . فالعالم اليوم  فيه صنفان من البشر : بشر يؤطره المشروع الحضاري الإسلامي السماوي ، وآخر تؤطره المشاريع البشرية الأرضية ، ولكل صنف خلفيته الخاصة به ، والموجهة له . وخلفية المشروع الحضاري الإسلامي هي السر وراء الرهان على  تشييد المساجد  عكس ما يتصوره البعض من أنها مجرد  نزوة  من أجل التنافس والتسابق لبناء هذه المساجد ، علما بأن  عملية التشييد  يحكمها ضابط شرعي هو تأسيسها على أساس التقوى  لا على أساس الضرار . والتمييز بين  مسجد التقوى ومسجد الضرار هو مدى استقامة من يقيمون وجوههم عنده. فاستقامة الناس ، وهم يخوضون غمار الحياة  كما أراد لهم خالقهم سبحانه دليل على  تأسيس المساجد على التقوى . فالمساجد التي لا تخرج  ولا تكون كل فئات المجتمع الإسلامي الصالحة والبانية هي في حكم مسجد الضرار. وقلة المساجد أو منع بنائها أو السعي في خرابها هو أيضا في حكم  بناء مساجد الضرار، لأن الأصل أن  توجد  مساجد التقوى من أجل انطلاق المشروع الحضاري الإسلامي. وإذا لم توجد  هذه المساجد إما لقلة أو بسبب منع أو بسبب تخريب مهما كان ماديا أم معنويا فذلك يعني  تعطيل المشروع الحضاري الإسلامي  ، وهو ضرار بلا شك ، وهو ظلم صارخ .

فهنيئا لفضيلة العلامة فوزه برهان بناء المساجد ، وجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء ، هو وكل من ساهم  في نجاح هذا الرهان من قريب أو من بعيد مساهمة مادية أو معنوية .