محمد عبادي كما عرفته
محمد عبادي كما عرفته : بقلم عمر حيمري
لم يحصل لي الشرف يوما ، أن صليت خلفه واستمعت إلى خطبته ، ولكنها كانت تصل إلى أسماعي من مدينة جرادة ، عن طريق التلاميذ الذين كانوا يصفونها لي (على حد تعبيرهم ) بالثورية والنارية ، وهم كلهم إعجاب بالرجل وبخطبه ، و قدر الله له الالتحاق بثانوية عمر، كأستاذ للتربية الإسلامية ، وكنت بها آنذاك حارسا عاما للداخلية . دخلت يوما مكتب السيد المدير، فإذا برجل يجلس عن يساره ، نحيفا ، يرتدي جلبابا أبيض ، لحيته شديدة البياض ، يبدو للوهلة الأولى أكبر من سنه ، بدا لي المكان من حوله يفيض بالسكينة والوقار، بكل ثبات تفحص كل منا صاحبه بنظرة ثاقبة ، تلتها عندي على الأقل تساؤلات كثيرة عن نوع الرجل هذا ، وعن مهمته وأسباب زيارته للمؤسسة ولكن ، سرعان ما بدد السيد المدير ما يجول بخاطري بقوله » أقدم لك سي محمد عبادي ، أستاذ التربية الإسلامية بثانويتنا » تبادلنا الابتسامة وقليلا من الحديث ، الذي علمت من خلاله أنه من مدينة الحسيمة وأنه درس بها ، تكررت اللقاءات بعد ذلك وتوطدت بيننا العلاقة ، فقررت أن أدعو الرجل لتنشيط الداخليين بمناسبة رمضان الكريم ، وعرضت الفكرة على السيد المدير، فلمست منه التردد والتخوف من انتماء الرجل ومواقفه السياسية والجماعة التي ينتمي إليها ، وما قد يسببه لنا الرجل من متاعب مع السلطات …
وبعد حوار وأخذ ورد ووعد مني بتحمل المسؤولية كاملة ، والتدخل أثناء المحاضرة ، إذا لمست أي انحراف عن الهدف المرسوم للتنشيط ، خصوصا وأن الأستاذ يدرس في المؤسسة نفس التلاميذ تقريا في النهار، فما المانع من الاجتماع معهم والتقرب منهم أكثر ليلا بنادي الداخلية ، ليعضهم ويرشدهم ويحثهم على المثابرة والاجتهاد والعمل الصالح والتعاون مع بعضهم البعض والمحافظة على ممتلكات المؤسسة … وافق السيد المدير على مضض بشرط ، أن أكون حاضرا ومسيرا لجلسات الوعظ والإرشاد . دعوت الرجل ، وأنا كلي تردد وخوف ، من أن ينحرف النشاط عن هدفه أو مساره بسبب أسئلة التلاميذ ، التي قد تكون محرجة أو خارجة عن الموضوع ، أو أن يستغل الأساتذة العلمانيون والحداثيون العاملون بالمؤسسة ، الموقف فيوقعوا بي وبه . عرضت الفكرة على سي محمد عبادي ، فوافق بدون تردد ، ضربنا موعدا بنادي الداخلية بعد صلاة التراويح ، وفي الوقت المحدد بدأت المحاضرة ، فعم الهدوء وهيمنت السكينة واطمأنت القلوب وشدت إليه العقول ، بمنهجية تربوية عالية قدم موعظته ، فلم يزغ عن الموضوع قيد أنملة ، ولم يستغل المناسبة لتمرير أفكار الجماعة التي ينتمي إليها . تجاوب معه التلاميذ بشكل أدهشني ، كل هذا وابتسامته المعهودة لم تفارق ثغره لحظة ، وكلامه الهادئ المشوق يخترق الآذان ، ليستقر مباشرة في القلوب . لم ينس عقله ، ولم يمل مع قلبه أو معتقداته الفكرية والسياسية ، همه الدعوة إلى الله على بينة وبصيرة والدفاع عن الإسلام ، بمنهج وأسلوب يعتمد القول المتميز بالحكمة والمنطق والرزانة والمقرون بالفعل والتطبيق . لم أسمع منه ولا عنه ما يسيء إلى سمعته ، الكل يحترمه ويقدره ، عدوه كأنه ولي حميم وصديقه كأنه أخ كريم . أحب الله فأحبه الناس لحبه لله.
مع مرور الوقت ازدادت علاقتي به ، فكنت من حين لآخر استغل فرصة الاستراحة فأطرح عليه قضية من القضايا التي تؤرق المسلم كفرد أو جماعة ، فكنت أجده مؤمنا عالما واسع الاطلاع ذو حجة قوية ، إذا تكلم أقنع ، وإذا استمع كان كله آذان صاغية ، يوافقك الرأي أسرع مما تتوقع ، ما لم يتعارض مع النقل والعقل . ولا زلت أذكر يوم طرحت عليه مشكلة لباس المرأة المسلمة : إذ قلت له إن المرأة المسلمة ، إذا نزلت إلى السوق لتشتري الملابس الملائمة لحجابها ، فإنه يتعذر عليها أن تجد ما يرضي ربها ويرضيها ، فلماذا لا تفكر المؤسسات والجمعيات الدينية والمستثمرين الملتزمين بدينهم في الاستثمار في صناعة الملابس التي تكون فيها مواصفات الحجاب المطلوب شرعا ، و( كنت ألمح إلى إمكانية تبني بعض أعضاء جماعة العدل ولإحسان هذا المشروع ) ، أعجبته الفكرة وتحمس ليها وتواعدنا على تعميق التفكير فيها ومع الأسف لم نفعل بعد . ما سألته يوما عن شيء ما ، لم يجبني عنه ، إلا عن سؤالي المتعلق بمحمد البشيري رحمة الله عليه ، صديقه ورفيقه في المحنة وما صرح به في حق عبد السلام ياسين إذ فضل السكوت ، ففضلت تغيير الموضوع . ولكني أشهد الله ، أن الرجل لم يحاول يوما استقطابي لا تصريحا ولا تلميحا على الرغم من العلاقة الأخوية التي كانت بيننا في الله .
واليوم شاء الله سبحانه وتعالى أن يصبح محمد عبادي أمينا عاما لجماعة العدل والإحسان ، فخطر ببالي أن أهنئه بالمنصب الجديد ، ولكني أعلم أن الرجل ليس ممن تستهويهم المناصب أو تثيرهم ولا من الراغبين فيها ، يهتم بأمور دينه ويحمل هم أمته ويزهد فيما في أيدي الناس ، وعليه فسأهنئ جماعة العدل والإحسان على حسن اختيارها لأمينها فهنيئا لها وبارك الله لها في أمينها العام الأستاذ محمد عبادي : عمر حيمري
Aucun commentaire