قمة طهران وتوقيت تعليق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عضويتها في هيئة منظمة التحرير الفلسطينية في غزة
قمة طهران وتوقيت تعليق عضوية الجبهه الشعبية في هيئة منظمة التحرير الفلسطينية في غزة…. سامي الأخرس
من الصعب على الإنسان أن يتناول أحيانا الحديث عن قرار حزبي في ظل الواقع الحزبي الفصائلي الفلسطيني الذي فرض نفسه على حياتنا وواقعيتنا وتفكيرنا ، حيث أفرزت المرحلة الانتماء الحزبي لدرجة العبادة ، هذا الإنتماء الذي غُلب على الإنتماء الوطني . وها نحن نعيش في تجليات هذا الانتماء بكل ما يدور من أحداث ، حتى فرض الحزب نفسه علينا وأصبحنا نُمني النفس برؤية العلم الفلسطيني الذي كان بألوانه يحمل مع تمايله وتراقصه خفقان القلب حباً وعشقاً وانتماءاً ، كما كانت الكوفية الفلسطينية تمثل رمزية فلسطينية في كل أرجاء المعمورة ، وهناك العديد من الشعوب التي حاولت أن تقلد هذه الرمزية ولكن رمزيتنا الفلسطينية وكوفيتنا كانت ذات مغزي ورونق مختلف ، بنكهة خاصة للأسف حرمت أجيالنا الحالية من تذوق هذه النكهة وتجرعها وتجرعت بدلا منها سموم الأحزاب والفئويات الفصائلية التي ترجمت برايات الأحزاب وموضه القبعات التي أصبحت هي الرمزية الحديثة التي أسقطتنا بوحلها وعارها .
وحتى لا أشطح بعيداً واستسلم لعواطفي وأواصل الحديث بشجون فلسطيني أعود للهدف والغاية من هذه المقدمة الطويلة التي جاءت لتعيد الأعتبار لفلسطين الوطن والموطن ، التي كحلت أعيننا برمادها وبارودها ، وامتزجت أحرفها مع دمائنا لتتدفق إلي القلب وتنبض وتخفق معه ولا يتوقف حبنا لها سوي بتوقف حياتنا .
وبما إنني خضت تجربة حزبية وكفاحية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، هذه التجربة التي يعود لها الفضل برصيدي الثقافي والسياسي والوطني والكفاحي ، من هنا تكمن صعوبة موضوع مقالي هذا الذي ربما سيلومني عليه الكثير ولكن بما أن حب فلسطين أغلي وأكبر فإنني لن أكون سوي بروحية المنتمي لفلسطين .
أصدر الرئيس محمود عباس قبل عدة أيام مرسوماً انتخابياً جديداً يحدد التزام المرشح بميثاق منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث قوبل هذا المرسوم بثلاث مواقف منها المؤيد ، ومنها الرافض ، ومنها الوسطي وهو الموقف الذي تبنته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حيث إنها أيدت المرسوم مع رفض الاشتراطات التي صاحبها المرسوم الرئاسي وكالعادة ما بين الموافق والرافض عشنا حالة التخبط والمراوغة بالمواقف ، ورغم كل تحفظاتنا على منظمة التحرير الفلسطينية بحالتها الحالية التي تعيشها إلا إنها لا زالت هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني ، وتمثيلها الشرعي والوحيد نابع من كيانية هذا الجسد الذي جعل من قضيتنا قضية وطنية عادلة أعترف بها كل العالم ، ومن خلالها ذهب علي مذبح الحرية آلاف الشهداء وآلاف الجرحي وآلاف الأسري وتضحيات جسام من شعبنا ، وعلية فمن العبث تجاوز كل هذه التضحيات وتجاوز هذا الجسد لرغبات الآخرين بالرفض للانتماء له بمبررات ليس لها أصلاً ، فرفض بعض القوي الفلسطينية لمنظمة التحرير مواقف قديمة وليست تعبيرا عن حالة منظمة التحرير الحالية ، ومن هنا كان من الضروري الموافقة عن موقف الرئيس والدفاع عنه بما أنه حمل إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ووحدانيتها التي لا بد وأن تكون بوابة الحماية للوطن من التشرذم والتفرد الفصائلي وحماية للمشروع الوطني من الانهيار تحت طلاسم الفصائلية والحزبية التي وضعت قضيتنا في مهب رياح التلاشي والانقسام وتعرضها لهدر تضحيات شعبنا والاستبداد بحريته وديمقراطيته الثورية التي لم تخضع يوماً لسيف فصيل أو بندقية مراهقين كما حدث في غزة والضفة من انقسام وتفرد واضطهاد بمنطق البندقية والعصا .
ومع عقد الرئيس الإيراني نجاد قمته في طهران مع قادة الفصائل الفلسطينية على هامش مؤتمر دول عدم الانحياز أعلنت الجبهة الشعبية عن تعليق مشاركتها في الهيئة المنبثقة عن منظمة التحرير لمتابعة أمور غزة هذه الهيئة التي تعتبر كمرجعية وطنية لمتابعة الحالة الفلسطينية ، وبررت الجبهة الشعبية تعليق مشاركتها بمصوغات عدم العمل ضد حركة حماس وهو ما لا يمكن فهمة سياسيا ووطنيا ويكتنفه غموض ، ولو سلمنا بموقف ومبررات الجبهة الشعبية فإن التوقيت له مدلولات بعيدة ومؤشرات تترك الباب مفتوحا للتفسيرات والاجتهادات المتعددة ، فكان على الجبهة الشعبية كفصيل وطني وتاريخي أن تدرس الحالة الفلسطينية بواقعية سياسية أدق وخاصة وأن الجبهة الشعبية سجلت موقفاً تاريخياً ووطنياً منذ اندلاع الأزمة الفلسطينية ولم تنحاز لأي طرف من الأطراف وهذا ما تجلي في إدانتها للإقتتال الداخلي ، وتحذيرها من اتفاق مكة ، وإدانتها ورفضها لانقلاب حماس في غزة وممارساتها ضد أبناء شعبنا في غزة. وتمسكها بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني ، ورغم ذلك عادت الجبهة الشعبية لإرتكاب الخطأ السياسي بتعليق مشاركتها وكان الأجدر والأحرى أن تبقي الجبهة الشعبية فاعلة وبقوة داخل هذه الهيئة لكي تتمكن من تحقيق سياستها وتبقي على حيادها في خلق حالة توافق وتقارب ، وتسعي لتضييق الهوة والفجوة بين حركتي فتح وحماس والدفاع عن أبناء شعبنا ..
كما كان للجبهة الشعبية أن تدافع عن حماس بشكل أقوي وهي بداخل الهيئة المكونة من فصائل منظمة التحرير فيما لو حدث ما بررت به قرار تعليق مشاركتها .
وأعود للتساؤل هل للقاء نجاد في طهران علاقة بموقف الجبهة الشعبية من المشاركة في هذه المرجعية التابعة لمنظمة التحرير ، من واقع تجربتي السابقة بالجبهة الشعبية لا أعتقد أن الجبهة الشعبية يمكن لها أن تخضع لموقف أو تحت ضغوطات من جهة ما ، ولكن ….!! في ظل الأوضاع السياسية على المستوي الوطني والإقليمي وتغير موازين القوي في المنطقة وخاصة في ظل الصعوبات السياسية والحزبية والمالية التي تعيشها الجبهة الشعبية يترك الباب مفتوحاً للاجتهادات والتساؤلات ، وهنا على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تغلق هذه الأبواب وترد علي الاجتهادات.
فالإشكالية في تعليق مشاركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فرضه التوقيت والمبررات التي ساقتها الجبهة الشعبية في قرارها بتعليق مشاركتها ، وما بين الحقيقة والاجتهاد يبقي التاريخ هو الشاهد ..
سامي الأخرس
6/9/2007
Aucun commentaire