المحطة الحرارية بجرادة ،أية مسؤولية اجتماعية !!
المحطة الحرارية بجرادة ،أية مسؤولية اجتماعية !!
بونيف محمد
تقديم
عندما يطلق العنان للقوى الاقتصادية تصبح عمياء ولا تقيم أي وزن للقيم ،ويكون أغلب ضحاياها من الفئات المحرومة والهشة .وفي هذا الصدد تصل المعلومات عن مجموعة من القضايا الهامة إلى مجتمعاتنا المتخلفة بشكل متأخر نظرا لعدم يقظتها ووعيها ، مما يفوت عليها فرصا هامة ويديم أزماتها ، على عكس المجتمعات المتقدمة ، وأذكر على سبيل المثال موضوع » المسؤولية الاجتماعية للشركات « التي قطعت فيه الدول الغربية أشواطا هامة تشريعا وممارسة عملية ولم يتأثر بالأزمة الاقتصادية بل ازدادت وثيرة الأبحاث فيه ، بينما لم يكتب له الانتشار المطلوب عندنا لحد الآن وظل حبيس نخبة قليلة العدد ونظرتها الضيقة .وعلاقة بالموضوع وما نعانيه في مدينتنا جرادة أتناول موضوع المحطة الحرارية على ضوء بعض التزامات الدولة المغربية .
ـ إغلاق مفاحم المغرب بجرادة بين الواقع والشعارات ، ومسؤوليات المحطة الحرارية .
نظرا لعلاقة الوجود التي ربطت وتربط مفاحم جرادة بالمحطة الحرارية ، ونظرا لكون الإغلاق الرسمي للأولى طرح مسؤوليات على الثانية بموجب اتفاقيات الإغلاق .لا بد من تناول نقط التقاطع بين مهامهما .
في السنوات الأخيرة قبل إغلاقها ، وعلى عهد الملك الحسن الثاني كان يشاع أن شركة مفاحم المغرب بجرادة لم تعد مربحة ، وأن الدولة تضخ في ميزانيتها أموالا طائلة إضافية من أجل الوظيفة الاجتماعية التي كانت تقوم بها بتوفيرها الشغل وما يترتب عنه من حقوق كالضمان الاجتماعي ، والتغطية الصحية ، والسكن …….لما يقارب سبعة آلاف عامل يضمنون لقمة العيش لعائلاتهم وذويهم على امتداد التراب الوطني ، وتم في الأخير التراجع على هذا الدور الاجتماعي بإغلاق الشركة والتعامل في آخر المطاف بمنطق الربح والخسارة ،وبشروط المؤسسات المالية الدولية ، وبقوانين السوق التي لا مجال فيها للأخلاق والقيم .
وكشف الواقع زيف الشعارات والمزاعم التي اتخذت كذرائع لإغلاق مفاحم جرادة ، منها تصاعد عدد المصابين بالمرض المهني ( السيليكوز ) ، والتلوث البيئي ووو….. ليتضح في النهاية أن الإغلاق كان خطأ فادحا و مؤامرة دنيئة تجني المدينة حاليا نتائجها على عكس الادعاءات السابقة ، من استمرار انتشار المرض المهني ، والبطالة ومجموعة من الأمراض الاجتماعية ، و إتلاف البيئة خاصة الغابة التي مثلت وتمثل رأسمال المدينة ، بحيث لا زال إنتاج الفحم مستمرا ومرغوبا فيه رغم أنه يستخرج في غالبيته بشكل عشوائي . ويستخدم محليا في المحطة الحرارية ، ووطنيا في مجموعة من الشركات و المرافق العمومية وغيرها ، بعد تفكيك مفاحم جرادة ، وتشتيت إرثها ، والإجهاز على قوانين الشغل وعلى رأسها استقرار العمل ، والضمان الاجتماعي ، والسكن …… ، التي دفعت الطبقة العاملة سابقا وعائلاتها الثمن غاليا من أجل الحصول عليها .
وتحصل المحطة الحرارية حاليا على جزء من الفحم ، وكذلك المرافق المذكورة بأقل كلفة نتيجة الاستغلال المفرط لعمال الأنفاق ( الساندريات ) من طرف الأباطرة ، والإجهاز على أبسط حقوقهم ، وتستعمل أشجار الغابة المحتضنة للآبار بعد قطعها كدعامات واقية من انهيار الأنفاق .
موضوعي الآن ليس وضعية عمال أنفاق الفحم رغم أهميته البالغة وقد سبق لي أن تناولته وتناولته العديد من الفعاليات محليا ووطنيا ، وكذا مجموعة من وسائل الإعلام الوطنية والدولية ، ولكنني أسطر على الجانب الاجتماعي الذي كان شعار مفاحم جرادة لقترة معينة ، والذي يجب أن يكون بالضرورة الملحة ليس فقط شعار المحطة الحرارية التي لولا وجود الفحم وسواعد أبناء المدينة لما قامت لها قائمة في مدينة جرادة ، ولما غذت شرايين المغرب ولفترة طويلة كان خلالها إنتاج الفحم رائدا بالطاقة الكهربائية ، بل واجبا وطنيا تمليه أولا تعهدات المكتب الوطني للكهرباء محليا بالنهوض بالجانب الاجتماعي خاصة التشغيل . فملف التشغيل استخدمه مسؤولو المحطة الحرارية محليا دائما كصمام أمان مقابل الاحتجاجات وكل ما من شأنه أن يطرح أو يلمح إلى التساؤل حول مدى ملاءمة واستجابة المحطة الحرارية للمعايير العالمية والدولية بخصوص تأثيراتها على البيئة ، والوضع الصحي لساكنة المنطقة ، وكذا الفرشة المائية …..
والظاهر أن إدارة المحطة الحرارية بدأت تتنصل من ملف التشغيل ، حيث لم تجدد عقد العمل مع بعض المقاولات الخاصة محليا لحد الآن، بدعوى التقشف ، رغم أن هذه المقاولات لا تكلف الشيئ الكثير بالنظر إلى الأجور المتواضعة لعمالها العاملين بالعقدة ، والتي تسد بالكاد رمق عدد ضئيل من الأسر وتضمن لهم حدا أدنى من العيش والاطمئنان ، مع العلم أن المكتب الوطني للكهرباء محليا اعتمد على العديد من هؤلاء العمال البسطاء ولمدة طويلة وصلت بالنسبة لبعضهم إلى أزيد من أربعة عشرة سنة اكتسبوا خلالها خبرة يعترف لهم بها القاصي والداني ، كما أنها لم تعد تشغل بعض المتناوبين عن العمل الأسبوعي ، رغم أن الشغل أصبح من أولويات المدينة الملحة ، لأنها فقدت مصدره الرئيسي الذي قامت عليه وهو شركة مفاحم المغرب بجرادة والتي كانت تضمنه لآلاف العمال .
الأمل في إنعاش الشغل بالمدينة ، وعدد العمال الدين يشتغلون بالمحطة الحرارية ، هما الذان جعلا. وعن غير حق مشكل المسؤولية الاجتماعية للمحطة الحرارية لا يثار إلا نادرا رغم أن الكل يتكلم عن آثار التلوث الذي تسببه المحطة على البيئة والوضع الصحي للساكنة .
فالمسؤولية الاجتماعية لا تعني فقط تحمل أي شركة أو مؤسسة اقتصادية مسؤولياتها تجاه ما قد تسببه من أضرار للبيئة مثل التلوث ، والقضاء على التنوع و انتشار التصحر.و.و… ولصحة الساكنة من متاعب وأمراض ، ومدى استجابتها للالتزامات والتشريعات الدولية ، ومدى انضباطها للمعايير الدولية والوطنية المعمول بها ، بل تحتم عليها أيضا الاستثمار في العنصر البشرى ومراعاة شروط التنمية المستدامة ، وما تتطلبه من واجب تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية ، والحفاظ على الإرث المشترك بين الأجيال ….و… لا أعتبر كما يعتبر البعض في جرادة موضوع المسؤولية الاجتماعية للمحطة الحرارية من الطابوهات أو المحرمات ، ولا أقصد من موضوعي هذا تمرير مقايضة الشغل بالسكوت عنها ، لأن هذا الأمر لا يقبله العقل وليس من صلاحيات أي كان ، فالمغرب بتنصيصه في الدستور على تشبثه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، وبمصادقته على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة ، يجعل طرح وتكريس المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات ذات البعد الاقتصادي من صميم واجب الدولة أولا ، والسلطات العمومية والمنتخبة ، والمؤسسات وعلى رأسها البرلمان ، وهيآت المجتمع المدني ، وكذا الأفراد .
والمغرب تعهد أيضا بتعزيز التزاماته تجاه التنمية المستدامة مند مؤتمر ريوديجانيرو 1992 والذي تم هو الآخر على قاعدة إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية المعتمد في استوكهولم سنة 1972 ، وأكد (المغرب)هذا الالتزام بمساهمته في قمة جوهنسبورك في سبتمبر 2002 كما أكد على تبني المعايير البيئية في تعريف أهداف التنمية .
وهو من الموقعين على المعاهدات الدولية حول التصحر والتلوث ، والتلوث البحري ، والحفاظ على التنوع ، والحفاظ على طبقة الأوزون ، وعلى المعاهدة المتعلقة بالحكامة الجيدة للمقاولات ومحاربة الرشوة .
وبناء على هذا كله على المحطة الحرارية أن تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية كاملة ، بما في ذلك ما ينجم عن نشاطها من أضرار للبيئة وصحة الساكنة خاصة وأن الطاقة المستخلصة من المستحاثات L’energie fossile مثل تلك المستخلصة من الفحم معروفة عالميا الآن بأنها أكثر تلويثا للبيئة ،مع العلم أن سقف التكاليف الناجمة عن انهيار البيئة والتلوث بالمغرب وصل إلى عشرين مليار درهم في بعض السنوات وهو مايعادل 8% من الناتج الداخلي الخام (1) وحدده البنك الدولي مؤخرا في ثلاثة عشر مليار درهم سنويا.
وبالنظر إلى التزامات المغرب دوليا ووطنيا والتي ذكرت البعض منها ،وإلى زعمه الدخول إلى عهد الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة ، وإلى الأزمة البيئية الخطيرة التي عرفتها وتعرفها المدينة وأطرافها وغاباتها التي قطع مايقارب ثلثيها بالهوامش ، وانتشار التصحر بشكل مهول والذي لا يذركه جيدا إلا من عاش في المدينة مدة طويلة وعرف ما كانت تتمتع به المنطقة من رصيد غابوي وبيئي شكل على امتداد سنوات رئة المدينة ومصدر سكينتها وملاذ ساكنتها للترويح عن النفس من عناء الهم اليومي الذي فرضه واقع المدينة المنجمي ، وبالنظر أيضا إلى الوضع الصحي المتردي بالمدينة ، ودون أن أدخل في التفاصيل التي قد أعود إليها لاحقا ، على كل الجهات الغيورة على المنطقة ، والأطراف المعنية ومنها المحطة الحرارية ، وكل الشركاء تحمل المسؤولية كاملة والعمل على تدارك الوضع وإنقاد ما يمكن إنقاده .
بونيف محمد مع تحياتي
1 Comment
Un article pertinent.Une analyse parfaitement exposée.Salutations et bonne continuation