بيداغوجيا المعرفة والقيم نحو استراتيجية الأداءات العليا
بيداغوجيا المعرفة والقيم
نحو إستراتيجية الأداءات العليا
الجزء 1
عرفت منظومة التربية والتكوين عدة إصلاحات سطحية انبثقت عن عدة مناظرات بدءا من مناظرة المعمورة في سنة 1964 ومرورا بإفران سنة 1980 وانتهاء بأشغال اللجنة الملكية لسنة 1994-1995 وخططت هذه المناظرات لتعديلات غير جوهرية في منظومة التربية والتكوين أبرزها تعديل 1957 و1985 و1999 -2000 كانت تهدف في مجملها إلى تطوير أداء منظومة التربية والتكوين وتحسين استراتيجيات التدريس في أفق التحكم في المردودية الفصلية. فهكذا مرت العملية التعليمية التعلمية بعدة محطات بداية ب استراتيجية التعليم المتمركز حول الأستاذ المؤطرة بنظريات علم نفس الشخصية التي تهتم بأنماط التفكير والانفعال والسلوك لدى المتلقي لموضوع التعليم من خلال نموذج التفاعل الحيوي بين الأنا والأنا الأعلى والهو لفرويد أو نموذج سمات الشخصية وتحليل العوامل لأيزينيك وعلم النفس الاجتماعي الذي يركز على السلوك الاجتماعي في علاقته بالعمليات العقلية من خلال دال الامتثال والاقناع وعلم النفس النمو الذي يركز على تطور عقل التلميذ طوال مساره الدراسي ويختص بكيفية التعلم واكتسابه للمعرفة خاصة نموذج بياجي و فيجوتسكي. ليرتكز موضوع التعليم على الملاحظة ونشاط الذاكرة وعتبة الادراك اعتمادا على نظرية التعلم السلوكية مع واطسون التي أحدثت تغييرا جوهريا في التفكير البيداغوجي بارتكازها على المضمون المعرفي وعلى نموذج سكينر/ مثير –استجابة- تعزيز أوعقاب. ليتحول التعلم إلى وسيلة للنجاة من العقاب. ثم اعتمدت العملية التعليمية التعلمية مع استراتيجة التعليم المتمركز حول المادة بشكل كلي على المضمون المعرفي وفق مواصفات إعداد تقوم على مبادئ إثارة الاهتمام والتقسيم المنطقي للمادة إلى أحداث فكرية ووقائع معرفية مع إحكام الربط بين الأجزاء والمكونات لعرضها عرضا متسلسلا ومتدرجا حتى تتلاءم مع نمو التلميذ في مختلف مسارات الدراسة بشكل يفضي إلى الاستجابة الايجابية متوجة للمحاولة والخطأ والتجريب ويتساوق مع منظوركوفكا المصمم لموضوع التعليم وفق معايير دقيقة تركز على التنظيم والانتقال والدافعية والفهم الذي يقود إلى كشف العلاقات المرتبطة بموضوع التعليم في اتجاه إحراز التحول من الغموض إلى الوضوح المفضي إلى إدراك المتعلم لذاته ولمواقف التعلم. ولعل أبرز تحول قادته استراتيجية التعليم المتمركز حول المتعلم في إطار البيداغوجيا النشيطة واتجاهات التربية المرتكزة على الحرية والحالات الفردية والحوار وتنمية القدرات وتشغيل المكتسبات التي تشرك المتعلم وتأخذ بعين الاعتبار اهتماماته وميولاته نحو موضوع التعلم والتعليم والبحث عن فضاءات أكثر ملاءمة للشروط السيكولوجية للتفاعل والتصريف والاستثمار
إذا كانت المنظومة الفصلية المغربية شهدت تطورات متعددة اقتضت تدبيرات قسمية ملائمة تراوحت بين التدبير البيداغوجي بالأهداف والتدبير الكفائي ثم التدبير الادماجي فإن المردودية الداخلية والخارجية للنظام التعليمي لم تكن مرضية بالنسبة للمؤسسات الدولية المشرفة بسبب انخفاض مؤشرات الادماج وضعف مدلات الاحتفاظ… ولا بالنسبة لمهندسي الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذين أجمعوا على بطء وتيرة الاصلاح ونقص معدلات الانخراط في عملية الاصلاح وإصلاح الاصلاح وتدني مؤشر الفاعلية ولا حتى بالنسبة للباحثين المحسوبين على المجلس الأعلى للتعليم الذين انجزوا تقريرين خلال سنوات 2008 و 2009 يكشفان عن خلل كبير في أداء منظومة التربية والتكوين بسبب وسطية المؤشر وارتفاع معدلات الهدر والفاقد الدراسي وتدني مستوى التكوين وفقدان الشواهد للقيمة العلمية .وأمام هذا الاقرار بالفشل من طرف فاعلين تربويين في الحقل التعليمي الوطني والدولي لم يعد ممكنا لانقاذ المدرسة الوطنية المغربية العمومية وتأمين استمرار أداء أدوارها غير تبني رؤية تربوية علمية حديثة منفتحة على تجارب رائدة في بلدان عربية وإسلامية متطورة من عيار تركيا وأندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وإيران والأردن وتونس من خلال تصميم مشروع إصلاح وطني من منظور علمي يراعي الخصوصية المغربية في الهوية والتنوع والإمكانات يشكل بديلا لمشروع الإصلاح المصرح رسميا بإخفاقه ويملأ الفراغ الخطير الناتج عن سلسلة الإلغاءات غير المؤطرة برؤية شمولية بعيدة النظر و يقوم على افتحاص لكل مشاريع إصلاح 2000 -2012 بشكل علمي وموضوعي دقيق يكشف عن مكامن الخلل ودرجة الإنجاز ويحدد بدقة الغلاف المالي الحقيقي المرصود … هذا و يستوعب برنامج الإنقاذ الوطني للتعليم المقترح :هيكلة المنظومة على مستوى التنظيمات الداخلية ونموذج التدبير الإداري والمالي والبشري والتربوي والمعلوماتي والهندسة البيداغوجية و المنظومة الزمنية ونظام التقويم واستراتيجيات الدعم والتوجيه على قاعدة التعلم مفتاح بناء الشخصية الإنسانية من جوانب معرفية واجتماعية ونفسية واقتصادية وقاعدة التعليم هو المدخل الحقيقي للتنمية البشرية المستدامة في أفق بناء مدرسة وطنية عمومية حديثة ومنفتحة على محيطها ومتفاعلة معه وتأسيس نموذج للتدبير الإداري والمالي والتربوي يرتكز على التعاقد والتشارك والنتائج…فإذا كانت الإصلاحات السابقة في فجر الاستقلال حاولت تبني طروحات وطنية تتوخى المغربة والتوحيد والتعريب والتعميم وتكافؤ الفرص فإنها أخفقت في تقليص الفوارق الطبقية والنهوض بالوطن من خلال تأهيل الأطر المعوضة للكوادر الأجنبية وسن سياسات عمومية مرنة قابلة للتطوير والمسايرة ومراعية للتفاوت في النمو الاقتصادي والنمو الديمغرافي والنهوض بأوضاع المدينة المغربية والعالم القروي جراء اختلال التوازن الناتج عن الهجرة وعدم تنويع منافذ الشغل والتركيز على الوظيفة العمومية فقط لسد الحاجيات المتنامية بسبب غياب التخطيط الذي يضبط التوازنات بين مداخل النظام التعليمي ومخارجه وارتباك عمليات التصريف حيث لم يؤمن شروط الانتقال من المركزية والتركيز إلى اللامركزية واللاتركيز ومن بنية التسيير إلى بنية التدبير من التدبير المركزي إلى التدبير على صعيد المؤسسة نظرا لغياب الرؤية الاستراتيجة وتهميش البحث وإغماطه حقه من التمويل والأطر ففشلت الإصلاحات وإصلاح الإصلاحات وأخفقت البرامج المستعجلة والبطيئة وهدر المال العام والزمن والموارد البشرية وتخلف المغرب عن الركب في مؤشرات التنمية ومدلات الإدماج والتدفق والانسياب وتأخر في الاختبارات الدولية في الكفايات الأساسية وأصبح شغل المنظومة الشاغل توفير البنيات التحتية الأساسية فقط وغيبت الكفايات العليا وحجبت من التعميم فصارت وقفا على طبقة الصفوة وأقصيت البنيات الثقافية والتربوية الفوقية وحصرت في بعض مدارس التعليم الخصوصي التي تملكها الطبقة البرجوازية الجديدة من كبار موظفي الدولة ورجال الأعمال لتنتج التميز وتكرس التفوق وتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتعمق مسافة التوتر بين الفئات وتحدث الحراك والاحتقان وتهز السلم المجتمعي… وفي المحصلة خلق مدرسة عمومية تعيد الإنتاج و تدفق أطرا بالألوف ليسوا بمواصفات سوق الشغل ولابولاءات الهوية والمشترك الثقافي الرمزي بسبب المفارقة بين التكوينات والحاجيات ومتطلبات الشخصانية المغربيــــة الوطنيــــة
وعدم استحداث تخصصات جديدة تنمي الثروة الوطنية وتبحث عن ثروة جديدة وتفتح آفاقا واعدة وضامنة للشغل تعين على الإقلاع الحقيقي في جميع المضامير … ومما زاد في الطين بلة أن الخطة الاستعجالية الراهنة التي تعتبر امتدادا سيئا للميثاق الوطني الذي بقي بدون روح لعدم واقعية بعض مجالاته الستة ودعاماته التسع عشرة قاربت موضوعة الإصلاح بخيارات ليبرالية وحشية تتوخى تمهين المعرفة وتكوين النخب القائدة من خلال التركيز على الفروق الفردية والتفوق والتميز والبحث العلمي الموجه وربط التعليم بحاجيات سوق الشغل على طريق استدخال الفكر المقاولاتي إلى المؤسسة التربوية في أفق تحويلها إلى مقاولة بشرية صغرى يجري تدبيرها محليا وتسويق منتوجها التعليمي انطلاقا من مواصفات الجودة الصناعية والمنافسة والمعايير والتعاقد المعمول بها دوليا.. مما عجل بفشلها قبل أن تنصرم المدة المخصصة لها بسبب ضعف إرادة التغيير وغياب الإطار المؤسسي وإطار التصرف و تمشيات التجديد والتطوير ومنهجيات العمل وتوزيع الأدوار والجدولة الزمنية للإنجاز فعالية نظام الإدماج والتتبع بالإضافة إلى عدم التخلص من نظام الثنائيات الضدية أو على الأقل عدم الحسم في الاختيارات الكبرى من قبيل اعتماد وحيد لتعليم عمومي تدعمه الدولة يكفل مبدأ المساواة والمناصفة وممارسة حق التعليم من طرف الجميع أو تبني موازي لتعليم خصوصي يحرر المبادرة الفردية ويشجع على التنافسية دون الإخلال بالتوازن الاقتصادي والاجتماعي والتربوي في أفق إرساء نموذج حضاري مغربي مواكب ومنفتح تذوب فيه عناصر الإنية الروحية والثقافية الوطنية وتصهر فيه معظم الاختلافات بين الأغلبيات والأقليات المجتمعية في اتجاه مجابهة مقتضيات العولمة ومتطلبات العالمية… لكن يبدو أن عدم التهييئ الجيد للاصلاح وعدم الاقتناع بأهدافه ووسائله وخططه وكذاعدم إشراك الفاعلين الثقافيين و التربويين أصحاب الخبرة والرؤية الاستراتيجية الواقعية وذوي الاختصاص المعنيين بالتغيير المخطط في عمليات اختيار السياسا ت العامة والتوجهات الكبرى لإصلاح منظومة التربية والتكوين والتشغيل من خلال وضع التخطيطات العلمية القابلة للتنفيذ وتدبير الموارد المالية والبشرية والمعلوماتية والزمانية والمكانية وهيكلة التنظيمات وهندسة البيداغوجيات والاستراتيجيات وتكييفها مع الانتظارات وأقلمتها مع شروط واقع الممارسة وإمكانات البلد وثروته البشرية والحضارية والمادية والإشراف على الإنجاز في مختلف مراحله وتتبع عملية التقويم والترميم المصاحبة لعمليات تنفيذ المشاريع …إن العالم من حولنا انتقل إلى الموجة الحضارية الثالثة إلى ما بعد الصناعة الالكترونية وإلى المجتمع الرقمي واقتصاد المعرفة ولازلنا نحن نخوض معركة توفير البنيات الأساسية في التفكير و في التسيير وفي التجهيز وفي التدريس وفتحنا جدلا سفسطائيا عقيما هل نرغب قي مجتمع حداثي أو مجتمع محافظ في نظام مركزي أو لامركزي في جهوية متقدمة أو جهوية نمطية في تعليم عمومي أو تعليم خصوصي في دولة ديمقراطية ترتكز على الحق والقانون أم دولة دينية مدنية تحكمها الشريعة أو التوجه الصوفي للزوايا هل نريد إنسانا عارفا وفاعلا أو إنسانا مواليا تابعا ؟… باختصار مفيد إن مؤشر الوسطية والارتجال والبطء في الإنجاز والتعدد المفتت للرؤى وللمرجعيات الجامعة الذي لايستند على أية اختيارات منهجية أ و حكامة تدبيرية مركزية أوجهوية أومحلية أومؤسسية في غياب أية فعالية لنظام المحاسبة وتقدير المسؤولية … هي بعض التحديات التي يجب مقاومتها لكسب رهان أي إصلاح مستقبلي رزين وله نتائج إيجابية .وحتى يكون التحليل منطقيا والتشخيص على مقاس الداء فإن البديل للخروج من نفق الأزمة هو تبني نموذج المعرفة والقيم في التدبير الإداري والتربوي على الصعيد المركزي والجهوي والمحلي والمؤسسي في صيغته الجديدة المدعم بأحدث النظريات والاستراتيجيات التي تتبنى أنجع المقاربات وتسخر أقوى الفرضيات لكسب رهان التنمية الشاملة وتحقيق مجتمع المعرفة والحقوق والواجبات وربح تحدي التشغيل والأمية والتوازن الديمغرافي والاقتصادي والالتحاق بركب المدنية والتقنية الحديثة نظرا لتميزه عن غيره من النماذج بخاصية التوفيق بين المنهج العقلاني والمنهج التجريبي الوضعي واتسامه بالاستقرار والانفتاح والنجاعة والمواكبة للتحولات التي يشهدها العالم . فكفانا من المناظرات واللجان التي تتمخض عنها لجان ويعلق على شماعتها الفشل والتقصير في تقدير المسؤولية ويهدر على مشجب اجتماعاتها وتعويضات أعضائها المال العام الكثير و الوقت المكلف بل ومستقبل الأجيال برمته .
إن التعليم أولوية وطنية ورافعة أساسية للتنمية والاستثمار البشري وخلق نهائج التفكير وأدوات العمل لإدارة الأوراش وحل المشكلات المفتوحة والمستعصية وابتكار البدائل لإنتاج الثروة وتنميتها وتوزيعها بشكل عادل والبحث عن ثروات جديدة تحقق التوازن الاقتصادي والاجتماعي والحضاري وتؤهل الوطن لاستحقاقات الألفية الثالثة. لذا لن يتأتى ذلك إلا بانتقاء نزيه يقوم على معايير الكفاءة والاختصاص والروح الوطنية لفريق قيادة مشروع الإصلاح يكون ذا تمثيلية واسعة داخل النخب المثقفة على تنوع اتجاهاتها وتعدد اختصاصاتها تتولى سن السياسات العمومية الثابتة بشكل محايد وموضوعي بعد استشارة شعبية واسعة للقوة الحية الفاعلة في المجتمع حول الاختيارات الكبرى ونمط المجتمع و نوع الإنسان الذي ننشده… وتنبثق عنها مجموعة العمل على الصعيد الوطني والجهوي والإقليمي والمؤسسي من الفاعلين التربويين المعنيين بالممارسة الميدانية اليومية يعينها مكتب للدراسات والتخطيط الاستراتيجي يضم خبرات وطنية ذات كفاءة عالية منفتحة على التجربة الدولية القريبة من إمكانيات بلادنا .
محمد إبراهيمي
1 Comment
bon article.felicitation,bonne contuniation