شاءت الأقدار أن أزور بالرباط الأخ الأستاذ الفاضل السيد محمد بيوض مدير المركز التربوي الجهوي السويسي وزميلنا في العمل سابقا حيث كان يشغل منصب المفتش المكلف بإعداد مواضيع امتحانات البكالوريا لمادة علوم الحياة والأرض إلى جانب مهمة التأطير والمراقبة التربوية بأكاديمية الجهة الشرقية بعد غيبة طويلة ؛ ولم أفاجأ عندما علمت بأن الأستاذ بيوض الذي عهدت فيه المنطقة الشرقية حيوية منقطعة النظير على مستوى النشاط الجمعوي خاصة في الحقل التربوي فهو من مؤسسي جمعية مدرسي العلوم التي لم ترق إلى نشاطها جمعيات أخرى حتى أنها استقطبت منخرطين متعاطفين من خارج تخصص المواد العلمية لا زال فضله على المنطقة الشرقية لم ينقطع ؛ ومما يسجل له أياديه البيضاء على نيابة فجيج حيث ساهم بالقسط الأوفر من الجهد جزاه الله كل خير ليتمتع البدو الرحل ولأول مرة بمؤسسة ثانوية إعدادية في منطقة معتركة. وبعد زيارته الأخيرة لوجدة كان لي معه لقاء آخر فحرصت على معرفة كيفية تحقيق هذا الانجاز فكا نت القصة كالتالي :
لما تم تعيين الأخ بيوض مديرا للمركز التربوي الجهوي السويسي بالرباط في فبراير 2004 لم يلتحق بمنصبه دون هموم كانت تؤرقه من قبل خصوصا ما يتعلق بالجانب التربوي البيداغوجي حيث كان يقرأ الميثاق الوطني قراءة فاحصة ناقدة وهو الذي عهدنا فيه تنبهه للهفوات التشريعية في الحقل التربوي. وأثناء قراءته للميثاق لاحظ خلوه من الإشارة للبدو الرحل وهم شريحة من ساكنة المغرب لا علاقة لها بالعالم القروي المستقر الذي يتحدث عنه الميثاق نظرا لخاصية التنقل والانتجاع لدى البدو الرحل؛ كما لاحظ نهاية مشوار تعلم أبناء البدو الرحل بنهاية خيام التمدرس الابتدائية في مستوى السنة السادسة من التعليم الابتدائي . وكان ذلك حافزا للنبش في ثقافة البدو الرحل على امتداد ربوعنا الصحراوية الغالية من الشرق إلى الغرب. ومن حسن حظ مشروع التفكير في ثقافة البدو الرحل وجود فعاليات هامة في جهة الرباط وعلى رأسها السيدة مديرة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا زمور زعير والسيد مندوب التعاون الوطني بالرباط والسيد مدير مركز الأنكولوجيا الأزهر بالرباط ؛ وأطر المركز التربوي الجهوي….
وبتضافر جهود الجميع انطلقت لحد الآن أربعة مهرجانات على امتداد أربع سنوات؛ وهي مهرجانات خاصة بثقافة البدو الرحل. فالمهرجان الأول ركز على التعريف بهذه الثقافة المغمورة عندنا ؛ وقد استقطبت الجهة المنظمة شرائح من البدو الرحل من منطقة بني كيل في الجنوب الشرقي ومن منطقة طاطا وأسا الزاك وغيرها وتم التركيز على التعريف بفنون البدو الرحل من فلكلور يتعلق بالموسيقى والرقص والتشكيل المصاحب لمقتنيات البدو من خيام وزرابي وأواني وغيرها ؛ وقد استهدف المهرجان الأول إلى جانب التعريف بثقافة البدو الرحل إعداد مواد دراسية لطلبة المركز في بعض التخصصات خصوصا الذين يعينون في مناطق متاخمة للبدو الرحل. وقد عمل بعض الفنانين التشكيليين العاملين بالمركز التربوي على تصوير حياة البدو الرحل من خلال ما أنجزوه من لوحات فنية ذات دلالة ثقافية.
وأما المهرجان الثاني فركز على معمار مدرسة البدو الرحل بعد فكرة الخيمة المدرسية التي أنجزت بشراكة وزارة التربية الوطنية مع الاتحاد الأوربي ؛ وكان هذا المهرجان سببا في تواصل حميمي بين قبائل بني كيل وقبائل أسا الزاك حيث تم اكتشاف التقارب اللغوي بين العامية الكيلية واللهجة الحسانية خصوصا في الأزجال والأشعار من شعر الكوال والأمثال والألغاز والحكايات …الخ؛ وأدى التقارب إلى حد التفكير في عملية المصاهرة بين القبيلين ؛ وهي مصاهرة نتمنى لها التوفيق إن شاء الله تعالى .
وأما المهرجان الثالث فركز على ما يمكن أن يصلح مادة للمناهج الجهوية التي نص عليها الميثاق خصوصا ما يتعلق بفن القول الذي كان سببا في تواصل البدو الرحل على امتداد الصحراء المغربية من خلال برامج مجزوءات تعدها شعبة اللغات في المركز التربوي.
وأما المهرجان الرابع لهذه السنة فركز على الحياة المدرسية لأبناء البدو الرحل سواء تعلق الأمر بأيام الدراسة أم بالعطل أم بالمراقبة المستمرة والامتحانات؛ وكل ما له علاقة بهذه الحياة المتميزة بالتنقل المستمر.
وأما المهرجان المقبل فيهدف إلى تحديد نوع التكوين الخاص بأطر التدريس المصاحبة للبدو الرحل.
وتوجد نية لدى كل الفعاليات لمواصلة البحث في ثقافة البدو الرحل بما يعود بالنفع على هذه الشريحة التي حرمتها حياة التنقل المستمر من نيل حظها من التعليم الذي كان لا بد أن يتكيف مع ثقافتها منذ زمن بعيد قبل تنبه الجهات الأجنبية لها من خلال مشاريع التمدرس في دول الصحراء الكبرى.
ومن حسنات هذه المهرجانات على منطقتنا الشرقية فوزها بمشروع بناء مؤسسة ثانوية إعدادية في منطقة معتركة والتي ستبدأ أعمال التشييد فيها خلال هذا الموسم لتكون جاهزة خلال الموسم الدراسي المقبل وهو مشروع لن يقف عند حدود تعليم الناشئة بل سيستغل لكل الأنشطة الثقافية الخاصة بالبدو الرحل. ولقد حرص السيد محمد بيوض على أن يكون اختيار مكان المؤسسة من اختصاص البدو الرحل خلافا لما أراده بعض المسئولين في الجهة وهو بناء هذه المؤسسة في مدينة تندرارة التي لن تفي بحاجيات البدو بل تضاعف من مشاقهم . ومنطقة معتركة هي ممر تمر به قوافل البدو الرحل ويمكنهم ترك أبائهم بداخلية المؤسسة ريثما تتم دورتهم الرعوية السنوية. وقد تولت( ميدا) الإنفاق على المشروع ووضعت تصاميم خاصة لهذه المؤسسة من أجل إقناع البدو الرحل برهان تعليم أبنائهم وبناتهم فوق أرض تبرع بها أصحابها لفائدة هذا المشروع.
لقد كنا نود لو أن مؤسسات الجهة الشرقية التربوية خصوصا بمدينة وجدة احتضنت مهرجانا واحدا من هذه المهرجانات لجلب الدعم للبدو الرحل والتعريف بهم في مدينة الشرق ذات الصلة الجغرافية بهم قبل غيرها ؛ أو على الأقل الإشادة بمجهودات الفعاليات التي كانت وراء جلب الخير للمنطقة الشرقية عوض التشبث بعقلية العرقلة والتدبير الذي لا يجيد سوى التسلط الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وللتذكير يحضر هذه المهرجانات إخوة من الدول الشقيقة كموريتانيا والنيجر نظرا لعلاقتهما بظاهرة البدو الرحل ؛ كما يحضرها مئات البدو الرحل خصوصا من المنطقة الشرقية ؛ وقد استقبل هؤلاء البدو الرحل فعاليات المهرجان على أراضيهم مع كرم عربي منقطع النظير.
وأنا أهيب من هذا المنبر الإعلامي الفتي والرائد وجدة سيتي بالأخ الكريم الأستاذ بيوض وكافة الفعاليات المحترمة المساهمة في هذه المهرجانات الكتابة عما توفر لديهم من مادة غنية تتعلق بثقافة البدو الرحل خلال المهرجانات الفارطة والقادمة ؛ والجريدة وجدة سيتي على الشبكة العنكبوتية ترحب بالمساهمات في هذا المضمار مع الشكر الخالص والتشجيع الكبير .