الفنانون المغاربة وخيار الإنفلات من سياق الأحداث
يبدو أن المجال الفني في مجمل أحواله هو من بين مجالات الحياة الأخرى الذي ينأى بنفسه عن المحاسبة،أو بالأحرى يحظى بزهد ملحوظ من الإنتقاد واللوم من طرف المواطنين، وفي تحميله وزر التقصير والإنخراط الواعي في همومهم .
إن الأمر واضح تماما، فالداعية ورجل الدين عموما هو ملزم بتنفيذ تعهداتهم بإصلاح شأن العباد عن طريق الموعظة وجدارته بهذه التسمية رهينة بالأتر الدي يحدثه في سلوك الأفراد و رجل القانون لا يرف له جفن إلى أيقن من نزاهة أحكامه و السهر على تطبيقها دون مواربة و هو مطالب قانونيا و أخلاقيا بتقدم الحساب لرؤسائه و للشعب تحت طائلة العقوبات و الأمر ذاته ينطبق على سائل المجالات التي تؤطر حياة المواطن . لكن الفنان،مهما كان مجال إشتغاله فهو يؤدي مهمته ودوره المحدد في زمان ما وفي مكان ما ثم ينصرف،تاركا للجمهور ممزقا بين شاعر القبول و الإستحسان وبين نزعات التأويل و الإستهجان .
ليس على الفنان،فيما يبدو، حرج في تقديم ما شاء من إبداع ولو كان بعاكس ما تواضع عليه المواطنون من قيم . أليس مهمته هي الإمتاع،وأن فصول الإمتاع لا تنضبط لإملاءات الموقف و الضمير. وفي مقام آخر لا تكون غاية العمل الفني غير جلب المنفعة المادية والمتاجرة بحاجة الناس إلى الترويح عن النفس، فالناس كما نعلم يتعرضون لضغط هائل يسببه عنف الواقع، ولا يترددون أبدا عن « شراء » بسمة أو اختلاس لحظة إعجاب،تلطف أجواء المعيش المتجهم .لكن هل من الصواب « ابتلاع » المادة الفنية مع الشك في فعاليتها العلاجية وجدواها، ونتحجج فقط بعنصر النية الذي يقال أنه حاسم في حصول الشفاء؟ إن أصحاب نظرية الأذواق التي دأبنا على القبول بأنها لا تناقش لهم رأي في الموضوع، وهو الإستجابة إلى كافة الأذواق، الأمر الذي يقلص من مناقشة مضامين الأعمال الفنية. وينحو إلى التشويش على واقع التمايز بين الذوق السليم والذوق الفاسد.
ولا شك أن لمسألة الذوق دخل أساسي في تبني أشكال التعبير المختلفة، لذا تجد الساحة الفنية عندنا في المغرب، تعج بفنانين وأشباه فنانين ومنتحلي صفة من الذين يروجون لأنفسهم- تحت مظلة الوجاهة الإجتماعية أو سلطان المال أو هما معا- بـأنهم دخلوا الفن من أوسع أبوابه . لكن في محصلة الأمرنجد أنفسنا أمام بانوراما فنية تحضر فيها مواصفات التعدد والغنى، لكن يغيب عنها المعنى والجدوى الذي يتعدى مجرد الترويح عن النفس . أليس الفن قبل كل شيء رسالة والتزام يعكس صدق المشاعروأن ما دون ذلك هو تهريج وقتل للجهد والوقت ليس إلا.
لقد ضاعت على الفنانين المغاربة أو جزء منهم على الأقل، فرصة استثمار الربيع العربي في حشد وجدان المواطنين ،واستنهاض همم من تردد منهم في استيعاب اللحظة التاريخية ، وتخلفوا عن رصد احتياجاتهم الملحة للحرية والكرامة، ولم يواكبوا انشغالاته في هذه الظرفية الحافلة بالمفاجآت التي تعلن عن نفسها في أي لحظة ودون استئذان.فجاءت أعمالهم اجترارا للمتداول المألوف من أنماط الفن التي لا تضر ولا تنفع.
وعلى غرار المثقف العضوي فقد غاب الفنان العضوي عن ميدان الفعل والتأثير أو كاد، وفي أحسن الأحوال انكفأ من صمد طويلا في وجه المضايقات مكتفيا بتحين فرص تسجيل حضور هنا أو مساهمة هناك.
لقد رأينا كيف خلدت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي نفسها فنيا عبر انخراط ثلة من الفنانين ومن مختلف تخصصاتهم في حدث كالمسيرة الخضراء أو في قضية كالمسألة الفلسطينية، فخلفت لنا روائع لا زالت تؤثث ذكريات ذلك الجيل ، مع أن الطابع السياسي النفعي لتلك الأحداث لا يرفعها لمصاف المطالب الحيوية التي هي من صميم كينونته كالحرية والكرامة والديمقراطية . أما وأن تعلق الأمر بالرغبة الثابتة والمشروعة لتحقيق هذه المطالب التي جاء وقتها، فإن الفئة الغالبة من الفنانين المغاربة فضلت إدارة ظهرها لهذا الحراك الذي يبشر وينذر، وصم آذانها عما يدور حولها . لكن بالمقابل اكتفت بترديد « ربيرطوارها » المكرور بتيماته المعهودة حد الملل.
إنه لمن المؤسف حقا والمخجل كذلك أن نسجل على هؤلاء الفنانين موقف التقاعس في مساندة المطالب النضالية بما تجود به مواهبهم الإبداعية . أليسوا هم طليعة المجتمع ورواد التغيير فيه . أم أن الزمان تغير وتغيرت معه القناعات، وأضحى الإصرار على إقحام الجميع في معركة الإصلاح ضرب من المثالية وخروج عن النص الذي ما فتئ يعودنا الإذعان وينصحنا بالعيش كيفما اتفق.
توقيع / محمد اقباش
Aucun commentaire