شباب الشواهد ضحايا ثالوث البطالة وشح مناصب القطاع العام واستغلال القطاع الخاص
شباب الشواهد ضحايا ثالوث البطالة وشح مناصب القطاع العام واستغلال القطاع الخاص
محمد شركي
من المواضيع التي تؤرق جل المغاربة في طول البلاد وعرضها يوميا ،شباب يتزايد سنة بعد أخرى ،يحمل شهادات مختلفة بدءا بشهادة الباكلوريا فما فوقها وتنسد آفاق المستقبل المختلفة في وجهه . ومع أن الظاهرة مستفحلة، فلا توجد جهة رسمية ،أو غير رسمية تتبناها، باستثناء تجمعات الشباب الذين يحجون إلى العاصمة ، عند بوابة البرلمان لينالوا نصيبهم من العصا على أيدي ما يسمى قوات مكافحة الشعب ، مع أن القضية لا علاقة لها بالشغب ، وإنما هي ظاهرة تخمة من شواهد في بلد لا يتجاوز عمر استقلاله العقد السادس ـ يا حسرتاه ـ بسبب غياب ما يسمى التخطيط بالمعنى الصحيح . ولم تنجز لحد الآن دراسات جادة متعلقة بهذه الظاهرة ، وكل ما يوجد هو تغطيات إعلامية عامة ، وأحاديث الشوارع والأسر المغربية ، وهو تناول لا يزيد عن الحديث بأسف كبير عن ظاهرة مستفحلة إلى جانب التعاطف مع ضحاياها بشكل أو بآخر . ومقابل موقف التعاطف مع الشباب الحاصل على الشواهد ، تحاول بعض الجهات التشكيك في شواهدهم ، وفي مستوياتهم ، وهي محاولة تهدف إلى الالتفاف على ظاهرة البطالة المهددة لهؤلاء الشباب المغرر بهم في منظومة تربوية فاشلة ، وآية فشلها التي لا يمكن الطعن فيها أنها منظومة تفضي بمن ينتمي إليها إلى الآفاق المسدودة بوضوح لا غبار عليه .
وحقيقة محاولة الالتفاف الخبيثة هذه ، والتي تتذرع بتدني المستويات أنها رد فعل على العجز الذي يعاني منه البلد فيما يخصص استقطاب قطاعاته العامة، والخاصة هذا العدد المتزايد سنويا من الشباب العاطل الحاصل على شواهد .فمع بداية الاستقلال حين كان شح في الشواهد كانت مختلف القطاعات تقبل على الشباب بمستويات دراسية دون مستوى الشواهد ، ولو قمنا بدراسة لوجدنا العديد من الذين شغلتهم مختلف القطاعات في تلك الفترة لا يحصلون على شواهد، بل لهم مستويات جد متواضعة ، ومع ذلك ترقوا في سلالم مختلف القطاعات ، وآلت |أمور التدبير إليهم وهم أفرغ من فؤاد أم موسى علميا . ومع تراخي الزمن، وتكاثر الشواهد بدأ زهد البلد في الشواهد المختلفة ، وانتقل من مرحلة التوظيف المباشر ، والمباريات الشكلية إلى مرحلة انسداد الآفاق ، ومرحلة حل المشكل عن طريق قوات مكافحة الشغب أمام مبنى البرلمان . والذي حملني على تناول هذا الموضوع اليوم هو مباراة التوظيف المباشر التي نظمها قطاع التربية الوطنية مؤخرا حيث بلغ عدد المتقدمين لهذه المباراة 6000 شاب وشابة في الجهة الشرقية من أجل التباري على 60 منصب ،نسبة أمل الحصول عليها لا تزيد عن 1٪ . وهذا الحدث عبارة عن مؤشر على وضع كارثي ، كان من المفروض أن تقرع له أجراس الإنذار بسبب خطر خطير وشيك . وإذا كان قطاع التربية هو أكثر القطاعات استقبالا للشباب العاطل ، فإن غيره من القطاعات يبدو غير مهتم بمشكلتهم، أو كأنها لا تعنيه ،إذ قلما نسمع بمباريات توظيف هذه القطاعات للشباب العاطل ، أوكأن المشكل يخص قطاع التربية الذي هو مصدر هؤلاء الشباب ، أو بالأحرى مصدر مشكلة هؤلاء الشباب.ومشكلة هؤلاء الشباب هو المعاناة بين شبح البطالة ، وشبح شح المناصب في القطاع العام ، وشبح الاستغلال البشع في القطاع الخاص . ولقد استفحلت معضلة هؤلاء الشباب بتكاثر أصحاب الشواهد العليا ، حتى في التخصصات العزيزة التي تعوز البلد العوز الكبير .
فالبطالة أصبحت تؤرق جل الأسر المغربية إذ لا يخلو بيت من شاب أو شابة يعاني منها ، وتعاني معه أسرته الصغيرة ، والكبيرة ، وحارته ، وكل من يعرفه . وهذه الظاهرة تلعب دروا خطيرا في عزوف الشباب عن الدراسة ، والذي لم يبلغ بعد المستويات الإشهادية ،لأنه يرى شبح البطالة مستحكما في بيته ، ويسبب المعاناة لإخوته ،و أخواته ،و معارفه . وظاهرة العزوف جرت معها باقي الظواهر السلبية التي تعاني منها المؤسسات التربوية بشكل يومي . أما شح المناصب في القطاع العام فهو هم آخر، إذ لا يكاد قطاع عام ما يعلن عن مباراة من مباريات الفتات حتى يصيب الأسر المغربية هوس كبير، حيث تفكر في تمويل ملفات أبنائها ، ومصاريف انتقالهم إلى هذه المدينة أو تلك حيث تجرى مباراة الفتاة،التي ليس ورائها إلا خفي حنين في نهاية المطاف ، وبعد المصاريف والتكاليف . وحتى مباراة الفتات تتدخل فيها جهات متعددة ترتزق بما لا يجوز أن يرتزق به في شكل امتيازات لفائدتها من أجل أن يكون لأبنائها نصيب فيها ، وكأن أبناء الغير ليسوا مغاربة . والسعيد من أبناء المغاربة من كان له نصيب في المباريات الشحيحة الفتاتية، التي لا تزيد نسبة الحظوظ فيها عن جزء من المائة في أحسن الأحوال . أما القطاعات الخاصة التي يجد معظمها التسهيلات من الدولة طمعا في امتصاص جزء من البطالة ، فتنفرد بشباب الشواهد لتستغله أبشع استغلال، بدءا بالاستغلال الجنسي عند بعض الخواص ، ومرورا بما يسمى التداريب، حيث يتدرب هذا الشباب على نفقته الخاصة ، ويدفع حتى مصاريف شواهد تأمينه خلال تداريبه ، إذ لا تكلف القطاعات الخاصة نفسها حتى مجرد تأمين من يتدرب عندها ، ولا الدولة يعنيها أن تؤمن من يتدرب في هذه القطاعات ، وانتهاء بالأجور التافهة، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر ، ولا التشهير في ما يسمى مؤسسات التعليم الخصوصي حيث لا يزيد أجر من يشتغل فيها عن عشر أو واحد من عشرة من أجر من يشتغل في القطاع العام ،وبنفس الشهادة العلمية .
أما قطاعات خاصة أخرى فحدث ولا حرج . وتمارس هذه القطاعات أساليب التهديد بالطرد ، أو الاستغناء عن هذا الشباب في كل لحظة ، ولأتفه الأسباب . ففي ظل هذه الأزمة الخانقة للشباب الحامل للشهادات تأتي الاستحقاقات الانتخابية ، ونسمع بعض الأحزاب العازفة على هذا الوتر الحساس تعد الشباب بمناصب شغل، وما تعدهم إلا غرورا ، وكل حزب بما لديه فرح ،مع أن المعضلة أكبر من كل الأحزاب مجموعة ما دامت الدولة نفسها وقفت عاجزة أمامها . وأمام استفحال هذه المعضلة نسمع تغريد بعض الذين ورثوا الوزارات عن آبائهم ، أو بسبب آبائهم أو بسبب عظامية تافهة ، وفي غياب عصامية حقيقية يتحدثون عن تمديد عمر الوظيفة العمومية ، والخصوصية إلى 62 سنة أو 65 سنة ، جريا وراء دولة احتلال الأمس ، التي لم ندخل وراءها جحر الضب فقط، بل دخلنا وراءها المجاري القذرة ، ولا زلنا لم نتعظ بعد ، ولم نفكر في الاعتماد على أنفسنا عوض أن نرنو دائما نحو الشمال حيث لا يأتينا منه إلا الشر المستطير . فعوض أن يسرح الكهول في سن 55 سنة عندنا لتوفير مناصب شغل لشباب معظمه تهدده العنوسة الوظيفية ، والحقيقية ، ينعق بعض الناعقين بتمديد عمر الوظائف لتتحول المرافق العامة تحديدا إلى مراكز صحية أو مستشفيات يحمل الموظفون الشيوخ معهم أدويتهم إلى مقر عملهم في انتظار التقاعد الطويل الأمد ، أو الأزمات الصحية ، أو الموت المحقق . فوالله لن تتحرك عجلة هذا البلد المسكين نحو التطور ،وشبابه ضحية البطالة ، أو ضحية شح المناصب في القطاع العام ،أو ضحية استغلال القطاع الخاص له ، وهو مع هذا وذاك إما موضوع إشفاق بالنسبة لأهله وذويه ومعارفه ، أو موضوع تشفي ، وتندر عند من لا ضمائر لهم من المتورطين في خلق هذه المعضلة بشكل أو بآخر.
1 Comment
مع العلم أن البرلمان لوحده يكلف خزينة الدولة ماقيمته 200 مليار سنتيم كل ولاية أي كل 5 سنوات؟ أي بمعدل 40 مليار سنتيم في العام بمعنى 3 مليارو330 مليون سنتيم شهريا أي 111 مليون سنتيم يوميا؟ 40 مليار سنتيم في السنة كفيلة بأن توفر130.000 منصب شغل براتب شهري يقدر ب130000درهم شهريا