قرابين بشرية في عيد الأضحى المبارك
يقبل علينا عيد الأضحى المبارك بمسحته الإعجازية ، وبإغرائه المتجدد فقد قيل قديما أن العيد سمي عيدا لأنه يعود كل عام بفرح متجدد…ولعل هذه الفسحة هي فاصل أمل وسعادة إن لم تكن للكبار فهي كذلك للفقراء والصغار ،وهو فرصة رائعة للتعاضد وتمتين الوشائج الإجتماعية بصلة الرحم وزيارة الأقارب.. ومشكاة لمن فقدوا الطريق وتاهوا وراء الإغتناء دون رؤية الهوامش ..وأيضا مناسبة لاستحضار الحكمة الإلهية العظيمة من سنه والإحتفاء به…
ما أحوجنا لمثل هذه المناسبات التي فرضت علينا لنتذكر التضحية باعتبارها مغزى عيد الأضحى المبارك.. ودورها في بناء المجتمع..فأضحية العيد ليست هدفا في حد ذاته وإنما رمزا لمنظومة إسلامية رائعة ،دأبت الأمة على ممارسة شعائرها يوم 10ذي الحجة من كل سنة باعتبارها من أهم الشعائر الإسلامية المقدسة ،وذلك اقتداءا بأبينا إبراهيم عليه السلام ، الذي هم للتضحية بسيدنا اسماعيل فكان نعم المطيع ونعم المضحي بنفسه ،طاعة لله سبحانه وتعالى ثم والده..لكن الإعجاز كان عظيما عندما أنزل الله عليهما هديا من السماء كافئ به البشرية جمعاء.
ولعل هذه المقاصد السامية يتم إغفالها بانسياق أعمى وراء الطابع الإستهلاكي الذي يميز المجتمعات الحديثة فتعطى الأهمية للخروف.. كمادة استهلاكية فقط..فالإعلام عموما يتسترسل في الحيثيات التي تحيط بالأضحية وكيفية المحافظة على اللحم في أجهزة التبريد وطرق طهيه وضرورة رمي أعضاء الخروف الفاسدة التي يكون لونها متغيرا عن المألوف ، أو بها طفيليات او ما شابه ذلك ..وكأن المواطن نزل من كوكب اخر أو تم انتشاله من قحط مدمر ولاول مرة يتناول اللحوم….((ايلا كان فاسد غا يرميه بطريقة فطرية لا تحتاج الى محاضرات))..فجميل أن يتم تسليط الضوء على هذه النقط لكن التركيز عليها بطريقة مستفزة لا فائدة منه وفيه استبلاد للجمهور و مضيعة للوقت وللمساحات الاعلامية المتوفرة…فقد اثبتت الدراسات الطبية ان الطريقة المغربية في تناول اضحية العيد المبارك ابتداءا من النحر الاسلامي مرورا باستهلاك الاعضاء الداخلية للخروف كالبنكرياس والكبد والقلب بعد ساعات قليلة من عملية السلخ ثم الإنتقال بعد مرور ساعات أطول من ذلك إلى استهلاك اللحم …هي أحسن طريقة ثبتت نجاعتها طبيا وصحيا …فوسائل الاعلام تؤثر بشكل كبير على وعي المتلقي وسلوكياته لذلك فمن الأجدر..التركيز على طابع الإيثار والتضامن والتضحية في هذه المناسبة الغالية بغية زرع الإيخاء والثقة في أجيالنا ..إذ أصبحت هذه الظاهرة عند الكثير ظاهرة اجتماعية يتنافس فيها المتنافسون..أثرياء وفقراء للبحث عن الأغلى ثمنا ،ويرهق البعض كاهله بالإقتراض أو بيع أثاثه وأغراضه المنزلية وربما ملابسه أيضا ..وظاهرة اقتصادية يتنافس فيها المستثمرون الكبار والوسطاء الذين يجرجرون خروف العيد في العديد من الأسواق ببيعه وإعادة بيعه …ليصل الى المستهلك في نهاية المطاف على صفيح ساخن.
عيد هذه السنة يقبل علينا في وقت استثنائي وخاص بالنسبة للدول العربية..فقد اتسعت الهوة الفاصلة بين الساسة والشعوب وبلغت ذروتها باندلاع النزاع المسلح في ليبيا واليمن وسوريا ..فقد أبى حكام هذه الدول أن يتركوا كراسيهم ..ولو كلفهم ذلك تقديم الشعب قربانا لإرضاء ساديتهم ومطاوعة نرجسيتهم في الإقبال على البدخ والترف..فهم ليسوا بحاجة اليوم لشعائر الأضحية.. .ماداموا يقتلون بدم بارد كل يوم النفس التي عتقها الخالق بكبش من السماء كما وقع في أول أيام عيد الأضحى المبارك في سوريا …فنتائج أفعالهم تنسج كل يوم خيوطا من الإغتراب بين أبناء الوطن الواحد ..فالجديد الذي يطمح إليه العالم الاسلامي هذه السنة هو أن يرزق الله الجميع صحائف بيضاء وأمن وسلام يعم مختلف الأمصار و قلوبا حقيقية ، صافية و جديدة غير تلك القلوب التي يتحدثون عليها داخل أحشاء الأضاحي…فأي خلل في هذه القلوب الحية سيؤدي إلى خلل في باقي أعضاء الجسم ، يقول رسول الله صلى اله عليه وسلم ..((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )).
إن التضحية منظومة كبرى يدخل في إطارها كل ما يختزل تضحية الفرد بمصالحه الذاتية من أجل أن يعيش الآخرين بسلام.. .والعجيب أن أضعف المخلوقات كالنمل مثلا يقدم نماذج رائعة في هذا المجال ..فالنملة المريضة وما أكثر مرضانا اليوم…تنزوي في مكان بعيد عن الخلية كي لا تصيب الآخرين بالعدوى فتموت بشهامة لأنها أدركت خطورتها على حياة الآخرين …بل إن النمل الذي لا يعاني من أي سقم يقدم نفسه قربانا وأضحية للجماعة في حالة الفياضانات والطوارئ فيجعل من أجسامه جسورا طويلة لتعبر عليه طوابير النمل المهددة بالهلاك…فأقصى ما تطلبه الشعوب اليوم هو أن يتوارى المفسدون ممن في قلوبهم مرض ، في الأحزاب و في مختلف القطاعات ..عن الأنظار ويفسحون المجال أمام الآخرين ..كي يضمن الجميع حياة سليمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبالتالي الخروج إلى بر الأمان…
عيدكم مبارك سعيد وكل عام والأمة الإسلامية بخير وأمن وسلام
محمد بوعلالة
bouallala7@gmail.com
Aucun commentaire