الجهة الشرقية رافد أساسي من روافد المسرح الوطني
محمد بوعلالة
ظل أبو الفنون بالجهة الشرقية رافدا أساسيا للمسرح الوطني لما قدمه من مدارس وجمعيات وأعلام مسرحية ، بيد أن المرحلة التي لازالت موشومة في الذاكرة الثقافية والفنية هي تلك التي مهدت الطريق لانطلاق المشروع المسرحي المتميز عند محمد مسكين( النقد والشهادة أو النفي والشهادة)، حيث أسالت مداد كتاب وباحثين ونقاد مسرحيين محليين وأجانب على غرار عبد الكريم برشيد ،مصطفى الرمضاني ،يحيى بودلال ،عبد الرحمان بن زيدان ،المسكيني الصغير،حسن المنيعي،محمد علي الرباوي وحسن الامراني…فهذا نادر الأصفهاني يتحدث بإعجاب شديد حول نجاح المزج بين الملحمة والاحتفالية في عرض مسرحية اصبر يا أيوب الذي قدمته جمعية المسرح العمالي سنة1981 بسوريا حيث يقول (إنها فرجة مسرحية بكل ما تحمل الكلمة من معان وأبعاد..)1
ففضاء المغرب الشرقي بكل تناقضاته وتفاوتاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ساهم بشكل أو بآخر في تشكل الوعي والنضج الابداعي في مختلف الأعمال المهمة التي لازالت حاضرة بالدرس والتحليل ، فمحمد مسكين رمز لهذا التأثر والتأثير ، ترعرع في وسط اجتماعي قاس وتدرب رفقة الجمعيات المسرحية الأخرى فوق السوق المغطى بوجدة كما احتك مع الحركة العمالية النشيطة بمدينة جرادة المنجمية والتي كان لها انعكاسا مباشرا على أعماله المسرحية الواقعية والهادفة كعمل نيرون السفير المتجول واصبر ياأيوب.
لم يشكل تدربهم فوق السطوح و افتقارهم للوسائل المادية واللوجيستيكية عائقا أمام الجهة الشرقية لتقديم جيل عظيم من المبدعين في مجال المسرح ومما لاشك فيهم أن ريبرتوارهم الغني هو لبنة من أهم لبنات الانطلاق والتوهج وأيضا لتأسيس الفضاء المكاني كرواق الفنون ومسرح محمد السادس الذي دشنه جلالة الملك يوم 25 يوليوز من السنة الماضية ، إذ يعتبر صرحا ثقافيا يتميز بمواصفات احترافية عالمية ومعلمة عمرانية مهمة ليس بمدينة وجدة فحسب وإنما على مستوى جيل المسارح الجديدة على المستوى الوطني حيث يمتد على مساحة إجمالية قدرها 6500 متر مربع، من بينها 4900 متر مربع مغطاة، و أنجز باستثمار إجمالي قدره 80 مليون درهم.. ويتسع ل 1200 مقعد، ويتوفر على قاعة للعروض وقاعات للكواليس وقاعات للفنانين وثمان ورشات وفضاء لضيوف الشرف، وجميع المرافق المطلوبة في هذا النوع من المنشآت..وقد تم عرض عدد كبير من الأنشطة الثقافية والمسرحيات الناجحة فيه على غرار مسرحية ساعة مبروكة للفنان محمد الجم وبنات لالة منانة من أداء فرقة الطاكون ،كما احتضن في بداية شهر أبريل المنصرم فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان المغاربي للفيلم الروائي القصير …
هذا وقد قدم ساهمت الجهة الشرقية في تأسيس مدارس مغربية رائدة تخطت حدود الجغرافيا كمسرح النقد والشهادة والمسرح الاحتفالي ،حيث قدمت مدينة بركان علمين بارزين هما الدكتور مصطفى الرمضاني رائد النقد المسرحي الاحتفالي العربي وأحد مؤسسي المسرح الأكاديمي المنهجي بالجامعة المغربية وتعد الجائزة الأولى للنقد المسرحي بمصر سنة1989 خير دليل على نبوغ هذا الناقد والمؤلف المسرحي وتفوقه على المستوى العربي وعندما نتحدث عن الدكتور مصطفى الرمضاني يبرز علم آخر في الساحة المسرحية والفنية والثقافية وهو الأب الروحي للاحتفالية تنظيرا وتأليفا وممارسة وصاحب العمل الإبداعي المدرس في المناهج التربوية الوطنية (ابن الرومي في مدن الصفيح..) وصاحب أكثر من سبعين كتابا في الإبداع والتأليف والبحث- الدكتور عبد الكريم برشيد ابن مدينة بركان كذلك – حيث أثرى المسرح العربي برؤى جديدة كتابة وإخراجا ونقدا ليكون بالتالي أحد أهم أعمدة المسرح العربي المعاصر..ومن أهم مميزاته نبشه في التراث العربي الإسلامي الزاخر وجعله ظاهرا معاشا بيننا على غرار « عنترة في المرايا المكسرة » « ابن الرومي في مدن الصفيح » و »امرؤ القيس في باريس » …
وعليه فإن إسهام الجهة الشرقية واضح لاغبار عليه في الأرشيف المسرحي ويكفي أن نذكر أن مدينة الألفية لوحدها كانت في فترة السبعينات أومرحلة الفردوس المفقود كما يسميها الدكتور مصطفى الرمضاني ، تعج بالجمعيات والفرق النشيطة حيث كانت تفوق العشرين ويكفي أن نذكر على سبيل المثال فرق قديمة تعود للخمسينيات مثل مسرح الشعلة و المسرح الناشئ والفانوس الأحمر والمسرح البلدي والمشروع المسرحي وفرقة سيدي بوبكر ، إضافة إلى فرقة المسرح العمالي العلامة الفارقة في تاريخ المسرح المغربي وجمعية المسرح الطلائعي مع عمر درويش والكوميديا السوداء ومسرح البلاد التي يعتبر لحسن قناني أحد أهم رموزها…وقد مثلت بعض هذه الجمعيات المغرب أحسن تمثيل في ملتقيات عربية ودولية كبرى بمصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر وتونس….
1-نادر الأصفهاني-نجاح في المزج بين الملحمية والاحتفالية-الثورة(السورية) العدد27-8-1981ص9
Bouallala7@gmail.com
Aucun commentaire