أما آن لنظام الفرعيات المدرسية أن ينتهي ؟
علي بلجراف (+)
طبقت وزارة التربية الوطنية في مراحل سابقة ما سمي بسياسة القرب فعملت على تقريب الفصل الدراسي من الأطفال في سن التمدرس على غرار تقريب الإدارة من المواطنين حيث تم نثر بعض الحجرات الدراسية وفي بعض الحالات حجرة واحدة ، في المداشر بالعالم القروي . ربما تكون هذه السياسة قد أتت أكلها وساهمت في تمدرس أولا د وبنات ما كانت عوامل بعد المدرسة عن الدوار ووعورة المسالك وانعدام وسائل النقل لتسمح لهم ولهن بولوج المدرسة . لكن ألا يمكن القول اليوم إن هذه السياسة قد استنفذت أغراضها وحان وقت تجاوزها ببدائل أخرى أكثر نجاعة ومردودية في تحقيق هدف تعميم التمدرس وإلزاميته وربما بأقل تكلفة أيضا ؟
لقد أتاحت لنا مناسبة تتبع الدخول المدرسي لثلاث سنوات متتالية ، في إطار لجان وظيفية منبثقة عن المجلس الإقليمي لتنسيق التفتيش بنيابة الناظور ، فرصة التحقق من مدى نجاعة العمل بنظام المجموعة المدرسية وفرعياتها في محاربة الهدر المدرسي وفي تحقيق جودة التعلمات . وإذا كان المقام لن يسعفنا هنا في مقاربة الموضوع بالتفصيل المطلوب ، فإن بعض الملاحظات المسجلة والتي نذكر نماذج منها لا تخلو من دلالة .
إن معظم الفرعيات المشمولة بالزيارات التتبعية هي عبارة عن قسم أو أقسام مشتركة . تضم مجموعة مدارس » لعزيب » ببني سيدال ، على سبيل المثال ، خمس فرعيات يتراوح عدد الأقسام بكل واحدة منها ما بين قسم واحد وثلاثة أقسام وهي كلها مشتركة تتراوح المستويات بها ما بين مستويين وستة مستويات . أما مجموع التلاميذ والتلميذات بالمجموعة كلها فلا يتجاوز 179 تميذا وتلميذة . لكن هل القسم المشترك هو صلب المشكلة هنا ؟
إن القسم المشترك ونظام الفرعيات المدرسية بالتعليم الابتدائي بالعالم القروي أمران مختلفان . نعتقد أن القسم المشترك ليس مشكلا في ذاته ، وليكن كلامنا مفهوما ، نحن لا ندعو إلى مأسسة هذا القسم بقدر ما ندعو إلى تفكيره وحسن تدبيره . فهو أولا وقبل كل شيء نتاج واقع وليس اختيارا مؤسسيا نظاميا . فعندما لا يتجاوز عدد المسجلين بالمستوى الواحد ثلاثة أو خمسة تلاميذ ، لا مناص من اعتماد القسم المشترك . غير أن الربح والفائدة ، في هذه الحالة ، لا تطال الكلفة المادية والمالية والبشرية فحسب ، بل تمتد لتشمل الحصيلة التربوية أيضا وذلك لما يمكن أن يتيحه القسم المشترك من إمكانيات التأثير والتأثر والتفاعل الإيجابي بين تلاميذ المستويات الدراسية المتقاربة . فبما أن المناهج الدراسية للمواد يتم تصورها وبناؤها على أساس مبدأي التدرج والتقاطع ، فإن حصة مقدمة لمستوى أدنى ، داخل قسم مشترك ، هي ، بالنسبة لمستوى أعلى قريب ، بمثابة حصة للدعم والتقوية وترسيخ وتثبيت للمكتسبات أو تذكير ومراجعة بالأقل . بينما يعتبر درس مقدم لمستوى أعلى في قسم مشترك بمثابة إعداد وتمهيد واستكشاف بالنسبة للمستوى الأدنى منه مباشرة . ومما لا شك فيه أن من شأن هذا أن يعمل على تيسير التحصيل والاستيعاب بالنسبة لكل المستويات المندرجة ضمن قسم مشترك . على أن هذا الاستنتاج الملاحظ ميدانيا يظل فرضية قابلة للاختبار عن طريق البحث التجريبي المنظم . أما نظام الفرعيات ، في مثال حالتنا بالأقل ، فإنه يشكل عائقا في ذاته لأن تدبيره بنجاح يتطلب وسائل وإمكانيات غير متوفرة بالقدر الكافي وربما لن تتوفر في الأفق المنظور . كما أن تدبيره يتطلب إزاحة عوائق موضوعية كثيرة لا تندرج ضمن اختصاصات الوزارة الوصية مباشرة مثل العزلة المجالية والتشتت السكاني والهجرة القروية وغيرها .
ومن حيث الحصيلة والنتائج المحصلة في الموسم الدراسي المنصرم بالفرعيات المعاينة ، فإن تلاميذ القسم السادس بإحدى فرعيات المجموعة لم يتمكنوا من اجتياز الامتحان الإشهادي الموحد لنقص في الإخبار وبعد المسافة عن مركز الامتحان وصعوبة المسالك . كما أن تلاميذ القسمين الأول والثاني اعتبرت السنة الماضية سنة بيضاء بالنسبة لهم إذ لم ينتقل أي واحد منهم إلى القسم الموالي . وفي فرعية أخرى لم تتعد نسبة النجاح % 50 على العموم . فمن أصل 03 تلاميذ بالقسم الأول حاليا ، لم ينتقل أحد منهم إلى القسم الموالي ولم يسجل أي تلميذ جديد بهذا المستوى إلى حد الآن . ومن أصل 05 تلاميذ بالقسم الثاني فإن اثنين منهم كررا القسم . كما يوجد 03 مكررين من أصل 07 تلاميذ بالقسم الثالث و03 مكررين من أصل ستة بالقسم الرابع . أما القسم السادس فيضم تلميذة وحيدة انتقلت إليه من القسم الخامس . وهذا القسم ( الخامس ) لا يوجد يضم أي تلميذ حاليا .
من الطبيعي أن تؤدي مثل هذه النتائج غير المرضية إلى توتر العلاقة بين المدرسة والمجتمع خاصة وأن المجتمع تهمه النتيجة ونادرا ما يلقي بالا إلى الشروط والعوامل الموضوعية المتدخلة في صنعها والتحكم في نوعيتها . وبنظرنا ، فإن نظام الفرعيات يشتغل كعائق في حالتنا هذه . وذلك ليس فقط لأنه لم يبرهن عن أي فاعلية في مجال تعميم التمدرس بالعالم القروي ( لاحظ ندرة التسجيلات الجديدة ) بل وأيضا لأنه يتسبب في تدني وتواضع النتائج المسجلة في التحصيل ( لا حظ عينة النتائج ) . وفي الوقت الذي يسجل المجتمع تذمره وامتعاضه من النتائج ملقيا باللوم على المعلم والمعلمة ، فإن هذين الأخيرين لا يخفيان شكواهما من الطبيعة والجغرافية أولا في إشارة إلى انتفاء عوامل الجذب بمواقع الفرعيات وانعدام شروط الاستقرار بها بالنسبة للغرباء العابرين ، وعلى الأسرة ثانيا لأنها لا تقوم بعمل المساعدة والمواكبة اللازمتين للمتعلمين جنبا إلى جنب مع عمل المدرسة ، على اعتبار أن مدرسة النجاح تنهض على جهديهما معا ، كما يلقيان باللوم ثالثا على الإدارة والهيئة المكلفتين بتدبير الموارد البشرية والتأطير والمواكبة التربوية في إشارة إلى المعايير المعتمدة في الحركة الانتقالية وفي الانتقال من أجل المصلحة وفي إطار تكليف بمهمة . ومما له معنى ودلالة في حالتنا هذه أننا سجلنا حالة مدرس لا يتوفر على أي نقطة تفتيش منذ تخرجه من مركز التكوين رغم توفره على أقدمية 11 سنة من الممارسة التدريسية داخل الفصل ! مما يقلص من حظوظه ، برأيه ، في الانتقال عن طريق المشاركة في الحركة الانتقالية .
يهمنا من هذه الوقائع تأكيد اشتغال نظام الفرعيات التابعة لمركز ، بالتعليم الابتدائي بالعالم القروي ، كعائق على طريق تحقيق التعميم والجودة من دون إغفال ما حققه هذا النظام من أهداف في الماضي . لكن ماهو البديل الممكن من أجل التجاوز والتطوير ؟ يبدو أن المدرسة الجماعاتية في صورتها المطبقة من طرف وزارة التربية الوطنية حاليا هي البديل القادر على تجاوز وضعية التشتت والعزلة التي يجسدها نظام الفرعيات الحالي لتحقيق أهداف نوعية جديدة ماليا وتربويا وبشريا . مدرسة جماعاتية نسبة إلى الجماعة الترابية موطنة في موقع آهل ممتاز تضم العدد الذي بالغرض من الأقسام مع الإطعام والإيواء للمتعلمين والمعلمين والإدارة التربوية مع إمكانية الانفتاح ، تدريجيا وحسب الحاجة وخصوصيات الجهات والمناطق ، على تطوير وتكييف العرض التربوي من حيث البرامج والمناهج في التعليم العام والتكوين المهني ، وفق تلك الحاجات والخصوصيات في إطار ، على الأقل ، ما نص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين من نسبة مخصصة للمنهاج الجهوي ضمن المنهاج التربوي العام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(+) مفتش فلسفة بنيابة الناظور
Aucun commentaire