مفهوم الاستعجال في البرنامج الاستعجالي
مفهوم الاستعجال في البرنامج الاستعجالي للتربية الوطنية
علي بلجراف (+)
ما دلالة الاستعجال في البرنامج الاستعجالي الجاري تطبيقه في قطاع التربية الوطنية ؟ ما علاقته بمفهوم سائد حول التسرع ؟ هذا ما سنحاول مقاربته في هذا المقال بالعلاقة مع حقيقة وواقع الاستعجال في عالم اليوم .
من المعلوم أن العلاقة موصولة بين البرنامج الاستعجالي 2009 ــ 2012 المعتمد من طرف وزارة التربية الوطنية والدراسة التقويمية المنجزة من طرف المجلس الأعلى للتعليم والتي انصبت حول المنجز في هذا القطاع الحيوي في إطار عشرية الإصلاح وأوراش الأجرأة للميثاق الوطني للتربية والتكوين . لقد انتهى المجلس في تقريره لسنة 2008 إلى مجموعة من الخلاصات تضع الأصبع على قضايا في المنظومة التعليمية يلزم التصدي لها بسرعة لأنها لا تحتمل مزيدا من التأجيل أو التأخير . ولقد تم تلقف خلاصات التقرير وتوصياته مع ترجمتها إلى مشاريع البرنامج الاستعجالي بهدف إعطاء النفس الجديد المطلوب لأوراش الإصلاح المنطلقة استنادا إلى الميثاق باعتباره ورقة طريق متوافق حولها من طرف كل مكونات المجتمع المغربي .
حدد البرنامج الاستعجالي لنفسه ، في هذا السياق ، نتائج وأهداف قابلة للتحقق في زمن معلوم لأنها الكفيلة بتمكين المنظومة من استعادة توازنها وتأهيل نفسها وإقدارها على مواصلة المسير بأخف خصاص ممكن إن على مستوى الكم أو الكيف . تقع هذه النتائج والأهداف على ثلاث مستويات أساسية على الأقل هي : المستوى المادي ، المستوى البيداغوجي التأطيري ومستوى التدبير والحكامة . يدل الاستعجال هنا إذن على إدماج عنصر الزمن كعنصر أساسي ومركزي في بلوغ النتائج والأهداف المرسومة على نحو تصير معه هذه النتائج دون مستوى القيمة المتصورة في البرنامج إذا لم تتحقق في الزمن المعلوم المسطر ، ليس لشيء سوى لأن عنصر الزمن مهم وأساسي في ترتيب الآثار والانعكاسات على التحكم والسيطرة على الاختلالات . فالتمكن من التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة في زمن معلوم ، على سبيل المثال ، يتيح السيطرة والتحكم في كثير من الانعكاسات الأخرى مثل ظواهر : تشغيل الأطفال + أطفال الشوارع + الأمية … بهذا المعنى وفي هذا السياق يبدو البرنامج الاستعجالي المعتمد في قطاع التربية الوطنية ، في ذاته ، برنامجا لازما وضروريا ومفيدا ومكسبا إضافيا للمنظومة وهو لا يعني التسرع ولا يقوم عليه . فإلى جانب كونه يسابق الزمن ويستعجل تأهيل المنظومة على المستويات الثلاثة المذكورة ، نظرا لأهمية عنصر الزمن ، حتى تتمكن من مواكبة الطلب الاجتماعي المتنامي على التعليم كما ونوعا ، فهو يوفر الوسائل المالية الإضافية واللازمة لتحقيق النتائج المنتظرة . أما طرح تساؤلات من قبيل : إلى أي حد ينجح هذا البرنامج في بلوغ نتائجه ؟ لماذا لم ينجح إذا لم ينجح فعلا ؟ فإنها وأن كانت سابقة لأوانها الآن لكنها مطلوبة ولازمة لتقويم هذا البرنامج خاصة وانه ، أي البرنامج ، يريد نفسه أداة ومنهجية جديدتين للاشتغال قائمة على ثقافة المشروع . إذا كان هذا هكذا إذن بالنسبة للبرنامج الاستعجالي في قطاع التربية الوطنية فماذا عن الاستعجال كواقع وحقيقة في هذا العصر ؟
لا ينبغي أن يغرب عن بالنا أننا نعيش في عصر موسوم باستعجال يفرض نفسه على الجميع : أفراد وجماعات ودول . ويبدو أمر الاستعجال ، في ظاهره ، في صورة مفارقة . إذ كيف يمكن تصور أن يعيش الإنسان قلق الاستعجال في عصر يتميز بتعدد واتساع مجال استعمال وسائل ووسائط التواصل والاتصال والتنقل ؟ الغريب في الأمر أن النتيجة هنا هي السبب . فلولا هذه الأدوات والوسائل المتطورة المتاحة للإنسان في زماننا لما كان ثمة حاجة إلى الاستعجال . فبما أن إمكانية التنقل ، مثلا ، من مكان إلى آخر ، غدت ممكنة بسرعة فائقة ، فقد صار الفرد منا يرتب أموره ليتنقل داخل أمكنة متعددة لقضاء حاجات متعددة في زمن محدد . فتراه مثلا يستعجل ذاته للسفر من مدينة إلى أخرى باحثا عن أسرع وسيلة نقل متاحة لكي يلحق أول أو آخر طائرة تقله إلى مكان آخر داخل أو خارج بلده وربما منه إلى مكان آخر وهكذا … فهل كان من الممكن تصور استعجال كهذا في عصر أو مجتمع أو بلد وسائل التنقل فيه منعدمة أو بدائية ؟ كان الناس قديما في المجتمع التقليدي أو إلى عهد غير بعيد في بعض جهات المغرب ينامون ملء جفونهم وفي غير عجلة من أمرهم عندما يقررون السفر إلى العاصمة لأنهم يعلمون أن وسيلة نقل وحيدة متاحة لتلبية حاجتهم برحلة واحدة ووحيدة في اليوم وإذا لم يتمكنوا من إدراكها في الموعد فلا يملكون سوى أن ينتظروا بهدوء الرحلة الموالية في اليوم الموالي .
يمكن تقريب صورة المفارقة في الاستعجال الذي يميز عصرنا هذا بمثال آخر هو الأنترنيت . يفترض في هذه الوسيلة أنها تقرب المسافات وتجعل العالم بين يدي المبحر فيها مما لا يدعو إلى أي ستعجال . إلا أن العكس هو الحاصل كما تدل التجربة والملاحظة . فبما أن هذه الشبكة تتيح إمكانيات غير محدودة للتنقل من مكان /موقع إلى آخر والغرف من المعلومات والإطلاع والتزود ، ونظرا لمحدودية الوقت وكثرة الانشغالات والاهتمامات ، فإن قلق الاستعجال لا مناص منه . هل كانت الرسالة الورقية المكتوبة ، عندما كانت الوسيلة الممتازة المتاحة ، تفرض مثل هذا الاستعجال ؟ فهل يعني هذا أن زمن الاستعجال قد أصبح قضية فلسفية مميزة للوضع البشري الآن ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( + ) مفتش فلسفة بنيابة الناظور
Aucun commentaire