بين زعطوط زمان وزعطوط الحداثي
أعرف بأن كل المواطنين يعرفون بأن أياما معدودات قلائل تفصلنا عن الاستحقاقات البرلمانية، وهي استحقاقات تم الوعد بأنها ستكون نزيهة كسابقاتها..والنزاهة معناها قطع الطريق في وجه السي زعطوط وأمثاله. وأهم معيار سيتعرف به المواطن نزاهة الانتخابات من عدمها هو عدم ظهور زعطوط في الشوارع وهو يقوم بحملة الكذب المعهودة.
إن النزاهة من شأنها أن توفر الأجواء الطاهرة النقية التي لا يستطيع زعطوط السباحة فيها لكونه ألف السباحة في الماء العكر الممزوج بتفشي المال الحرام وشراء الضمائر والكذب وتزييف الحقائق والكرم الزائد كرم الولائم والموائد التي تم اقتناء مأكولاتها من أموال الشعب.
ولكن بما أن البعض قال بتوبة زعطوط سنسأله سؤالا وجيها وهو أي عقلية مغربية ستتشكل لو لم يتب زعطوط وقام بلعب دور الثعلب مع الديك؟
إن الشعب المغربي هذه المرة لم يعد على استعداد ليسمع نفس سمفونيات حب الوطن ومراعاة احتياجاتهم كمواطنين..بل الشعب سيستمر في قراءة قصص: » حاميها حراميها » إلى أن يتوب زعطوط توبة نصوحا وتوبته الحقيقية ستكون توبة سياسية محضة وهي الابتعاد عن الانتخابات والصناديق، لأن من شروط التوبة ألا يعود الإنسان إلى ما كان عليه ومن باب الورع والحذر، ومن باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فمن الأفضل أن لا يترشح زعطوط هذا العام. خصوصا وأنه قد بلغ من العمر عتيا وعليه أن يترك مكانه لشباب متعلم ديناميكي الحركة هو من الشعب وإلى الشعب لا يملك أرصدة بنكية ولا تغطية صحية وكل ما لديه هو وعيه السياسي وحبه المستفيض لهذا الوطن وحرقته وحماسته في إصلاح ما أفسده زعطوط فيما سلف من السنوات.
إن في حالة استمرار زعطوط في ادعاء التوبة والرجوع إلى الله سنستمر في سرد كل الحكايات الزعطوطية المليئة بالمكر والاحتيال و » الحكرة » لأبنائنا، وإنها من أقدم القصص المضحكة المبكية في واقعنا والتي رواها لنا آباؤنا وقد كنا شاهدينا على جزء كبير منها ونحن نلعب في حينا . ولازلت أذكر عندما جاء زعطوط من زعاطيط ذاك الزمان وجلب معه شاحنات كبيرة محملةبالأعمدة الكهربائية. فكان فتحا مبينا على حينا حيث استقبلت الأعمدة والشاحناتبزغاريد النساء وفرحة الكبار والصغار.. وما أجمل ذاك الشعور..الشعور بنشوة القطيعةمع الظلام وعلب الكاربيل الكريهة الرائحة وقطرات الشمع التي كانت تلطخ دفاترنا مماكان في أغلب الأحيان سبب عقاب المعلمينلنا.
ولكن الذي لم نكن نتوقعه ولمنجد له جوابا هو لماذا عاد زعطوط وأخذ أعمدة الكهرباء مباشرة بعد إغلاق صناديقالاقتراع؟
فالطائرات كانت ترمي لنا أوراق الحملة الملونة و كنا نتسارعلجمع أكثر كمية ممكنة بزهو وشعور بنشوة الانتصار على الأقران والمنافسين..ولم نكننعلم حينها أننا فيالوقتالذي كنا نتنافس فيه في جمعالأوراق الملونة كان هناك زعاطيط يتنافسون في البيع والشراء فينا وفيمستقبلنا.
وبعدما كبرناأخدنا نقارن حملات زعطوط » زمان » وحملات زعطوط هذا العصر. فحملات زعطوط « زمان » على الأقل كنا نتمتع بها حيث كنا نشعر وكأنها أيام العيد فالطائرات تحلق منأجلنا كي نستلم ألعابنا المفضلة ونظل نحصيها ونرتب ألوانها. ومن منا لا يذكر اللونالكاكي واللون البرتقالي بخط أسود قاتم واللون الخزي والأصفر الشاحب. وكنا نجد متعةونحن نلعب ونقفز على الأعمدة الكهربائية في انتظار الفرحة الكبرى بزيارة الكهرباءلمنازلنا. فعلى أية حال شعرنا بفرحة وإن كانت مع وقف التنفيذ ..رحم الله زعطوط زمان فقد أمتعنا ولو لفترة زمنية قصيرة.
أما حملات زعطوط العصر...زعطوط الحداثي، فقد اختفت منها الأعمدة الكهربائية نهائيا كما اختفت منها الطائرات. وقد حل محلهاشيء آخر هو أكثر تطورا من طائرات الهيليكوبتير ألا وهو الوضوح المبهم والصدقالكاذب..حيث يأتينا زعطوط العصر ..زعطوط الحداثي بكامل الوضوح فيقول لنا : « حتى ناكل أنا عاد نوكلكم لأناللي ما دارش الخير فراسو مايديروش فغيروا ». وقد أعجبنا هذا الكلام كثيرا. وصوتناعلى زعطوط الحداثي. ولكن لازلنا ننتظر هذا الخير الذي لا زال لم يصلنا بعد. وقال لنا زعطوط آخر: « أنا لا أنكر بأنني زعطوط ولكنني على الأقل مجرد طالب عاطل إلا صوتوا علي غادي تنقدو واحد منكم ». وكأننا في جمعية توظيف المعطلين. وقالآخر: » أنا زعطوط أبو الزعاطيط.. طالع طالع واخا نشري المدينة كاملة ».. فعلمنا من كلامه أنه فعلا « طالع طالعواخا حتى واحد ما يمشي إيصوت.. »
ومرة في إحدى شوارع المدينة التقينابزعطوط جديد وغريب فقال لنا: » صوتوا على الشريعة الإسلامية وفي يده سيجارة من نوع مارلبورو. فعوض أن نلعن الشيطان قمنا بلعنه هو، وتذكرنا مقولةفولتير »حتى اللص عندما يسرق يقول بسم الله »
فكان كل زعاطيط الانتخابات بما لديهممن خطاب فرحين. ولا زعطوطا واحدا منهم كان يعلم أن ميكانيزمات الخطاب تقتضي أولا أن يستجيبلطبيعة المرحلة ويراعي متطلباتالوقتوالاستحقاقات الراهنة. ونظرا للهفة على الانتخابات و « الزربة » في الفوز، نسي زعطوطأن يعلم معاونين بأن تمة فرقا كبيرا بين شعارات الحملات الخاصة بانتخابالمجالس البلدية وحملات انتخاب الهيئات التشريعية. فأثناء الحملات البرلمانية التشريعيةوعدنا زعطوط بتعبيد الطرقات وحل مشاكل الماء والواد الحار.. ففي كل العالم تكتفيالبرلمانات بالتشريع وسن القوانين ومحاسبة الحكومات إلا في بلدي فهي مختصة في « التزفيت » وإعطاء رخص البناء وتسليم عقود الإزدياء SURPLACE، وتسليم شهاداتالاحتياج بغض الطرف عن أجرتك الشهرية والفيلا الفخمة التي تملكها على شاطئالسعيدية.
كما نسي زعطوطأن يعلم مناضليه بأنالخطاب يعبر عن هوية وأداء رسالة، وأن الشعار يكشف عن موقف وتوجه ولا يتجاوز اللحظةالمعيشة لخدمة هدف معين مضبوط، وأن لكل فعل شعاراته الأنسب التي تخدمه وتقويه حتىلا تنزلق الشعارات وينزلق الخطاب ليعبر عن جهل بالمرحلة وبالتقاطع مع طبيعةوخصوصيات هذه الانتخابات التي تحتاج إلى برنامج من المفروض أن يكون واضحا في عقل زعطوط كي يستطيع الدفاع عنه أمام منافسيه، وحتى يستطيع شرحه للمواطنين عسى يرتفعوعيهم فيسألوا عن البرامج ليقارنوا بعضها ببعض وتكون هي مناط » هاد الروينةكلها« .
إن الخطاب الشريف والنزيه، والذي من خلاله نحكم على صحة توبة زعطوط وصفاء نيته هو التحرك في إطار مشروعه الانتخابي والقيام بشرحه بوعي والدفاع عنه بحماسة وصدق دون اللجوء للحيل والمكر وعمليات الشراء والولائم وتوزيع بونات الخمر والسهرات الماجنة مجانا.
إن ما سبق، أي تلاعب الزعاطيطبالمواطنين وتدجين هذا المواطن ليكون جزءا من اللعبة، هو الذي دفع بالكثيرينإلى مقاطعة الانتخابات جملة وتفصيلا سواء كمرشحين شرفاء أو كمصوتين نزهاء. فلهؤلاءوأولئك نقول: إن الانتخابات خطوة بها نكون قد أبينا نهج سياسة » الكرسي الفارغ » أوسياسة ( لن ندخلها ماداموا فيها) وهذه السياسة وهذا النهج هو الذي جعل الفساد يعششسنوات طوال، ويكرس الأزمة تلو الأزمة. ومادام الزعاطيط وحدهم داخل اللعبة يتقاسمونالأدوار في اتجاه الزمن فلن يتغير الوضع إلا بانتقاء من يمثلنا أحسن تمثيل، وبسنةالتدافع والمزاحمة وعدم البقاء في قاعة الانتظار. وإلى متى كان سيبقى أمناء البلادفي الظل والزعاطيط المجرمون يتلاعبون بأموال الشعب، ويتلفون مصير بلادنا العزيزة وهم يجرونهانحو الهلاك والسكتة الاجتماعية المميتة؟
1 Comment
أخطر زعطوط على الانتخابات التشريعية المقبلة هو اللوائح الانتخابية إذا لم تجدد بشكل كامل وبناء على البطاقة الوطنية