عندما تزأر الأسود في شوارع الرباط
أحمد الجبلي
كعادتها عندما لبت النداء نداء المسيرة الخضراء في اتجاه أقاليمنا الصحراوية يوم 6 نونبر 1975، ونداء التنديد بالحزب الفرنسي اليميني المتطرف في يوم 27 فبراير 2010، ها هي الجماهير المغربية الغفيرة اليوم تلبي النداء من جديد، نداء الوطن. لقد مضى ربع قرن على المسيرة الخضراء السلمية في اتجاه الصحراء لإجلاء الإسبان.. وها هي اليوم مسيرات غفيرة من أمواج بشرية مغربية حرة تهب من كل مدن المملكة في اتجاه واحد ..في اتجاه رباط الخير، عاصمة المملكة حيث المسيرة الكبرى المسيرة الأم الموعد المحدد لالتقاء المغاربة نساء ورجالا وشيبا وشبابا أحزابا ونقابات ومجتمع مدني آتين من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب، ولو كانت هناك جهة خامسة لجاؤوا منها ليعبروا عن حب الوطن.
إن هدف مسيرات الأمس لا يختلف كثيرا عن هدف مسيرة اليوم. إذ أن الهدف تحول من هدف ضد دولة و ضد حزب إلى هدف ضد شخص سادي عنصري هو الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة السيد بان كي مون.
مع بداية الساعة السادسة مساء السبت بدأت الجماهير الوجدية تتقاطر على مقرات الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني وكلها شوق لتعبر عن حبها لهذا الوطن وتدافع عن حماه ضد كل عنصري غدار يريد تمزيق المغاربة واستئصالهم عن جزء من أرضهم وأرض أجدادهم..أو ينتزع حبة من رمل من رمال مات من أجلها مئات المغاربة الأحرار ولازال يزأر من أجلها مئات في سجون الاحتلال في مخيمات تندوف مخيمات الخزي والعار.
« الوطن غال يستحق منا أكثر من مجرد حضورنا للمسيرة الوطنية، إننا على استعداد أن نهبه كل ما يطلب، نحن على استعداد أن نموت من أجله ومن اجل أن يبقى عزيزا كريما » يقول أحدهم. ويقول آخر: « لو طلب منا أن نذهب إلى مخيمات تندوف لتحرير إخواننا لما ترددنا »..لم تختلف كل التصريحات الشعبية الجماهيرية عن مثل هذه المعاني المليئة بحب الوطن ومشحونة بالاستعداد التام للتضحية من أجله.
لقد تلاقت الجموع التي حجت إلى الرباط زرافات ووحدانا في وقت مبكر، ولم تستطع صبرا لانتظار لحظة الانطلاق حتى بدأ ت حناجرها تردد: » بان كي مون يا ملعون الصحراء في العيون » » الصحراء صراؤنا والملك ملكنا » وبأيديها أعلام الوطن وصور حامي الوطن الملك الهمام جلال الملك محمد السادس نصره الله، إنها مسيرة الملايين التي ستؤرخ لتصريحات بان كي العنصرية وهمجيته الفاشية، وستؤرخ لكل الأجيال القادمة عداءه المتجذر للمغرب وتصريحاته الانحيازية ضدا على وحدة الوطن.
لقد انطلقت من مدينة وجدة ومن كل مدن المملكة الملايين كأمواج بشرية تلبية للنداء نداء الوطن، في حمى رجال الدرك الأشاوس، والتنظيم المحكم. وبقي الكثير ممن لم يجد وسيلة يحمل عليها فعاد لبيته باكيا متألما متأسفا عن عدم استطاعته التعبير العملي عن حبه لهذا الوطن.
لقد انطلقت المجموعة تلو الأخرى كقافلة من الحافلات تحت قيادة سيارة خاصة بالدرك الملكي وهي تتقدم الموكب و تطلق إشارات ضوئية زرقاء حتى يفسح الطريق لهذا الموكب الشعبي العظيم.
إن اختلاف المشارب السياسية والتوجهات الحزبية قد اختفى نهائيا، فصارت الكلمة الأولى والأخيرة للوطن والوحدة الوطنية، إن الأطياف السياسية ذابت في بوثقة واحدة اسمها الوطن، وما عاد هناك شيء اسمع أنا أو حزب فلان أو علان..بل لم يكن هناك إلا الوطن..وحده مهيمنا على الجميع كما أن الجميع قد طأطأ رأسه للوطن وتنكر كلية للتوجهات والانتماءات وكأننا نعيش زمن الحزب الوحيد والأوحد، وقد كان كذلك إنه حزب الوطن.
لقد زأر المغاربة الأسود، إذن، في مسيرة الملايين، وزمجروا كالرعد وهتفوا بكل قواهم منددين بكل من مس وحدتهم وتعدى على حماهم وهم يصرخون صراخ المستعد للموت من أجل الوطن ويهتفون بالروح والدم من أجل الوطن ولو سمعهم دعاة الانفصال ومن وراءهم لفروا جميعا فزعا من هذا التيار الجارف الذي عبر عن أتم استعداده ليموت دون شرف وكرامة ووحدة هذا الوطن.
Aucun commentaire