قصة نغم
محمد شحلال
إن كثيرا من الأغاني والأنغام الخالدة،كانت وراءها قصة حركت الوجدان ،فاستجابت القريحة التي جعلت بعض الحناجر تأسر أسماع الناس على مر العصور.
ولنا في التراث الغنائي المغربي ،أغان ما فتىء المطربون يرددونها دون أن تفقد شيئا من قيمتها، بل إن العودة إلى ،،خفة الرجل،،التي أبدع المرحوم اسماعيل أحمد في أدائها،أو ،،بنت المدينة،،للمعطي بالقاسم على سبيل المثال،دليل على أن بعض الإبداع يستحيل محاكاته ،حتى ليجد المرء نفسه يردد مع القدماء: ليس بالإمكان أبدع مما قيل !
وبنظرة متأنية ،،لسوق الأغنية المغربية،،يتبين أن جل المعاني وقوالبها ،هي مجرد لوك لما جاد به القدماء،خاصة في مجال الأغنية الشعبية بشقيها العربي والأمازيغي.
وبسبب إقبال الناس على طلب نوع خاص من الأغاني في الأعراس بصفة أدق،فإنه ربما جاز الانسياق مع الغوص في قصة لحن، يكاد يكون ملكا لكل أمازيغ الشرق الذين يؤدون أغانيهم باللهجة الدارجة خلافا لباقي الأمازيغ.
لقد برز في بلدتنا مطربون عديدون اشتهروا باستمالة الآذان بألحانهم الشجية خلال موسم الحصاد،مما كان يزرع في النفوس جرعة إضافية من الحماس ومضاعفة الجهود.
وللأمانة التاريخية،فإن الفلاحين من أهالينا،كانوا يحرصون على استقدام الحصادين من قبيلة ،،بني شبل،،ليستمعوا بأصواتهم الرخيمة وهم يبرعون في ميزان: ،،خالينو خالينو،،إلى درجة أن بعض النساء كن لا يتمالكن أنفسهن فتنطلق زغاريدهن كتعبير صادق عن الانتشاء !
لقد صارت بعض الأسماء مطلوبة لتؤثث صف الحصادين الذين يهيمون مع هذه الأنغام ،وفي نفس كل واحد منهم استيهامات لا حدود لها.
مازال،،ديسك،،(خالينو خالينو)مطلوبا ،لكن المستهامين يقغون عند حدود اللحن الشجي ،الذي ظل مقامه مصونا رغم قدمه، دون أن يخوضوا في قصته التي تحيل على معاناة وانكسار خلفا في نفس صاحبهما جرحا أزليا.
إن صاحب نغم،،خالينو خالينو،،ليس إلا راعي قطيع من الماعز هام في حب فتاة من محيطه ذات زمان، ووصل به الوجد أن يضحي بكل ما يملك ليفوز بقلب الفتاة فيتزوجها.
كانت الفتاة الفاتنة سليلة أسرة متواضعة،لذلك حرصت على أن يكون الثمن باهظا.
وهكذا،دخلت الأم طرفا خفيا ليتم ابتزاز الراعي بشكل منهجي،حيث شرعت الفتاة تعرب عن مطالبها تدريجيا،فيستجيب أسير الغرام بتقديم رأس من غنمه كلما وصلته الرسالة.
أدركت الفتاة بأن العاشق أصبح خاتما في أصبعها تديره وفق الملتمسات التي تصوغها الأم بدهاء،لذلك صار قطيعها يكبر يوما عن يوم،بينما يتناقص ،،مال،،الراعي من غير مقابل وجيه !
توالت الشهور حتى أصبح الراعي يكتشف هول الخسارة التي تكبدها دون أن يلوح في الأفق ذلك اليوم تصبح فيه الفتاة من نصيبه.
عندما نظر الراعي حواليه،وراجع كلام منتقديه،قرر أن يحسم في مصير هذا العطاء من جانب واحد،لذلك بادر إلى مصارحة معذبته التي ردت ببرودة :(أذ شاورغ يما)!:أستشير أمي .
ابتلع المسكين ريقه،فغادر إلى قمة الجبل،وهناك راح يبث شكواه،ويخاطب حبيبة الأمس عبر الوهاد وهو يقول بصوت شجي:
-أخالينو خالينو،حتى اخليتيني أوشاورت امك…
لقد استنفذت قطيعه، فلما حلت ساعة الحقيقة،تذرعت بضرو ة استشارة أمها،لأن الذي يطلب يدها ،هو في النهاية، مجرد راع،لذلك أحس بقوة الصدمة ،فحولها إلى نغم يأسر الأذن، لأن هذا النغم رسالة قلب مكلوم لا تخطىء طريقها إلى نفوس الناس، وقليل منهم من يعرف صاحبها الحقيقي، والضريبة التي دفعها ليعيش في الأوهام قبل أن تلفحه شمس الواقع بلهيبها.
1 Comment
إن قصة راعي قبيلة بني شبل و الفتاة الفاتنة تشبه إلى حد ما قصة حيزية بني خالد في الجزائر و ابن عمها سعد.