ذاكرة مدينة وجدة المعرفية: محمد تقي الدين الهلالي (1893-1987)- الحلقة 38
بدر المقري
جمع الذين ترجموا للعلامة محمد تقي الدين الهلالي فأوعوا. ولذلك سأخص هذه الحلقة، من سلسلة ذاكرة وجدة المعرفية، ببيان تفاصيل جديدة حول إقامة محمد تقي الدين الهلالي بمدينة وجدة، ما بين 1919 و1921.
فمما قاله رحمه الله في كتابه (الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية) :
(مر بنا الشيخ عبد الحي الكتاني في وجدة، وأنا عند العالم الأديب الشاعر المتفنن في علوم كثيرة، الشيخ أحمد سكيرج، قاضي القضاة بمدينة وجدة، معلماً لولده الأديب السيد عبدالكريم وابن أخيه السيد عبدالسلام، كنت أعلمهما الأدب العربي بدعوة من الشيخ أحمد سكيرج. فمدحت عبدالحي الكتاني بقصيدة ضاعت مني ولا أذكر شيئاً منها، ولكنه أعجب بها أيما إعجاب، حتى قال لي: عاهدني أنك إذا قدمت مدينة فاس تنزل عندي ضيفاً، فعاهدته على ذلك. ففي ربيع الأول من سنة 1340 من هذا القرن الهجري (نونبر 1921)، سافرت إلى فاس ونزلت عنده). (ط2- منشورات الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة-1973:ص12-13)
لقد تتلمذ محمد تقي الدين الهلالي للعلامة أحمد بن العياشي سكيرج الخزرجي الأنصاري (1877-1944) بوجدة، من جهتين. فأما الجهة الأولى، فلأن سيدي أحمد سكيرج كان وقتها من علماء الطبقة الأولى بوجدة. وأما الجهة الثانية، فلأن محمد تقي الدين الهلالي كان من فقراء الزاوية التيجانية بوجدة، وكان سيدي أحمد سكيرج شيخها في حي القصبة، قرب الجامع الكبير.
وفي السياق نفسه، كان محمد تقي الدين الهلالي من أساتيذ عبد الكريم بن أحمد سكيرج (1904-1984) بوجدة. وقد توسعت في أخبار آل سكيرج بوجدة، في كتابي (خطط المغرب الشرقي-مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-الرباط-2006 :ص112-116 و331)، ودرست بالعربية والفرنسية بعض كتابات العلامة أحمد سكيرج في كتابي (من أجل أركيولوجيا جديدة لتاريخ العلوم: رسائل قاضي وجدة أحمد سكيرج في الجبر والتعمية والفرائض-مكتبة الطالب-وجدة-2012-220 صفحة). ولعل ولده عبد الكريم، جدير بأن تخص تجربته في الخط المغربي بدراسة مستفيضة، إذ كان رحمه الله من أجود الخطاطين بالمغرب. وكم هو مفيد أن يعرف الناس أن عبد الكريم سكيرج، هو صاحب الكتابات المنقوشة في مسجد باريس. وقد وفاه حقه ولي نعمتي، المؤرخ الجليل سيدي محمد المنوني (1915-1999)، في كتابه (تاريخ الوراقة المغربية-منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط-1991:ص278-279 و320-325).
وإذا كان محمد تقي الدين الهلالي قد أشار إلى أنه مدح الشيخ عبدالحي الكتاني (1884-1962) بقصيدة ضاعت منه ولا يذكر شيئاً منها، فإن التاريخ لم يضيعها.
إنها قصيدة في ثمانية وعشرين بيتا ومطلعها:
طلع البدر علينا فشجا
من ثنيات الوداع المهجا
وكست أنواره كل رجا
من نواحينا ففاحت أرجا
ذاك عبد الحي شمس العلما
من غدا في الناس فردا علما
ومما قال فيها:
نضرت وجدة لما حلها
وبوبل العلم فضلا بلها
و أما عن العلائق العلمية للعلامة عبد الحي الكتاني بمدينة وجدة، فإنها تقتضي بحثا متأنيا. و لا بأس إذا أحلت المتلقي على ما أوردته، في كتابي (خطط المغرب الشرقي:ص261).
فقد ألف الكتاني بمدينة وجدة، كتاب (الاهتزاز لأطواد زاوية كرزاز) برسم الزاوية الكرزازية التي كان يوجد مقرها قرب جامع سيدي عقبة وطريق المازوزي، وهو كتاب في حكم الضائع.
Aucun commentaire