مركز النصر نموذج ناجح في تدبير برنامج تنشيط الأحياء
أحمد الجبلي
بداية، لنقل أن فرق تنشيط الأحياء بمدينة وجدة تعد أنموذجا وطنيا يحتدى به، وقد تغنى بها العديد من المسؤولين الكبار في هذه المدينة الذين اطلعوا على تقاريرهم والأعمال التي قاموا بها والإنجازات التي حققوها، إن فرق التنشيط الوجدية تتميز بمجموعة خصائص، منها الجدية في العمل، روح الفريق، هاته الروح التي من شأنها أن تذلل الصعاب وتلين المشاق أثناء إنجاز أي برنامج كيفما كانت صعوبة هذا البرنامج.
ومما يميز هؤلاء الجنود التنمويين حسن تدبيرهم للمراكز السوسيوثقافية، وسنأخذ في هذه الحلقة مركز النصر للخدمات الاجتماعية والثقافية والرياضية، وهو مركز يديره أحد أشهر فرق التنشيط في هذه المدينة وأبرزهم وهو الأستاذ محمد دحمان رفقة فريق من الموظفين الجماعيين على رأسهم يحيى الزياني الموظف الذي لا تزال بصماته موجودة لحد الآن في العديد من المصالح والملحقات الإدارية منها على الخصوص الملحقة الإدارية الثانية، التي تعتبر لحد الآن أفضل نموذج إداري من ضمن جميع الملحقات بالمدينة والتي لا يزال الرئيس عمر حجيرة يتغنى بها ويفخر ويتمنى لو تعمم التجربة الإدارية في هذه الملحقة على جميع الملحقات الباقية.
يعتبر مركز النصر كبناية، معلمة معمارية يحق للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تفخر بها، وقد زادها بهاء وجود حديقة غناء عن يمين مدخلها، وألعاب للأطفال عن يسارها هي متنفس مهم للأطفال والأمهات على السواء، وفي خلفها ملاعب واسعة يبدي فيها أزيد من 266 منخرطا مهاراتهم الرياضية والفنية، فضلا عن أجنحة تضمن فضاء المرأة وفضاء الشباب وفضاء خاص بالأطفال.
يعتبر مركز النصر من أنجح المراكز على مستوى التسيير حيث اعتمدت إدارته على أبعاد إدارية تمثل قيمة مضافة في التدبير المعقلن والذي يتأسس على المفهوم العلمي للإدارة على اعتبار أن الإدارة علم وفن فهي علم أي قوانين سطرها فقهاء وخبراء من أمثال كين بلانشار صاحب الأيقونات الإدارية النظرية الشهيرة التي تضم أزيد من 13 كتابا ودوكلاس ماكجروجر صاحب نظرية « x » و « y » الذي من خلالهما يحدد منهجين مختلفين في تدبير الإدارة.
وهي فن أي تحتاج هذه البنود القانونية التي تؤطر الإدارة إلى حسن التنزيل ومراعاة الظروف والخصوصيات لكل مرحلة أو شخص أو ظرف من الظروف، ومن الملاحظ أن السيد مدير مركز النصر يعتمد على منهج Y في تعامله وتسييره للموارد البشرية حيث نجد السلوك الديموقراطي في التعامل مع الجميع دون ميز أو تهميش ودون تقريب البعض وإبعاد البعض الآخر، بل إن التعامل الإداري للسيد المدير مع جميع الموظفين قد أنسج فريقا متعاونا منضبطا كما أفضى بالموظفين إلى القيام بمهامهم ووظائفهم بشكل مسؤول وهي مسؤولية منبعثة من داخل الذات أو الضمير كما يسميه ماكجروجر، أي لا يحتاج الموظفون لحضور المدير شخصيا حتى يقوموا بوظائفهم على أحسن وجه بل هم على نفس الوتيرة من العمل والمسؤولية سواء حضر أم غاب. رغم أن السيد المدير لا يغادر المؤسسة لأنه دائم الرباط فيها من الثامنة والنصف إلى السادسة أو السابعة مساء أحيانا.
إن هذا المنهج، وهذه الروح، وهذا التحلي بالمسؤولية أثناء تسيير هذا المركز هو الذي أرخى بظلاله على الجميع حيث تنشط جميع الجمعيات بنفس المنهج والوتيرة ونفس الحس المسؤول سواء في تعاطيها مع المستفيدين من الورشات التي تشرف عليها، أو مع التجهيزات والمعدات، أي بالجملة هي تتعامل مع المركز كهيكل معماري وبشري بشكل حضاري راقي، إذ تعمل على أن يكون المركز دائما في حلة من الأناقة والنظافة والجمالية وفي حيوية ونشاط فيما تقدمه من خدمات على مستوى المرأة و الشباب و الأطفال.
كما عمل هذا النمط في التسيير من طرف الإدارة والجمعيات على خلق أجواء يعمها الانضباط من طرف المستفيدين والرواد وحسن الاستفادة مما يقدم من تعليم وتكوين. ومما ساعد في تثبيت واستقرار أجواء الجدية والانضباط هذه، صرامة الإدارة والجمعيات وعدم التساهل مع العناصر غير المهتمة والتي ربما جاء بها إلى هذا المركز هوى متبع أو إرادات أخرى من غير التعلم والتكوين والحصول على حرفة والتحلي بقيم المواطنة والتفكير في الإسهام في عجلة التنمية حسب القدرات المتاحة.
إن من أهم المعايير التي يمكن اعتمادها في الحكم على مركز النصر من حيث النجاح أو الفشل هو انطباعات الساكنة، أي انطباعات الأسر المجاورة وآباء وأمهات المستفيدين والمستفيدات، لقد قمت بجولة في الأحياء المجاورة متتبعا أثر الأسر التي تستفيد بناتها من خدمات المركز، بعدما قمت بتهييء استبيان يتضمن مجموعة أسئلة، وإذا بي أفاجأ باعتراف الجميع بأفضال المركز عليهم، ولم يتوقفوا عن شكر القائمين عليه، ولا عن التعبير عن الولاء لرائد التنمية البشرية في هذه البلاد جلال الملك محمد السادس نصره الله، كما عبرت هذه الأسر بإجماع عن اطمئنانها لوجود بناتها كمستفيدات بهذا المركز حيث قال لي أحد الآباء بالحرف الواحد: « عندما تكون ابنتنا بالمركز نشعر تماما كأنها في البيت معنا » وقال آخر: « لو لم نكن على يقين بأن المسؤولين على المركز يمثلوننا أحسن تمثيل في التعامل مع بناتنا ما كنت لأبعث بنتيَّ إلى هناك » وقال ثالث: « مادام هناك السي حمودة فنحن مطمئنون على بناتنا » وقال رابع وخامس وسادس…لقد وقع إجماع على أن المركز هو في حقيقته أسرة ثانية تقوم بأفضل الرعاية وتقدم أروع الخدمات بجدية متناهية ومسؤولية منقطعة النضير.
وفي سؤال لأحد أبناء الحي الشباب المثقفين وهو طالب يدرس بكلية الحقوق، عما قدمه وجود مركز اجتماعي بهذا الحي من إضافات وإجابات لحاجيات الساكنة؟ فاجأني بقوله: « لا يكاد يوجد بيت من بيوت هذا الحي إلا وللمركز فضل عليه » فقلت له: » كيف ذلك؟ » فأجاب: يكفيك أن تعرف أن لي شقيقة انقطعت عن الدراسة منذ سنين حتى أنها كادت تصير أمية، فإذا بها الآن تحضر دروس في اللغة الفرنسية بالمركز بإشراف أساتذة فرنسيين جلبهم المركز من فرنسا، وقد لاحظت أنها تحمست للقراءة من جديد. وهذا أنا أعتبره نورا سطع في منزلنا لأنه ليس من السهل أن تجعل فتاة قد نسيت الدراسة لتعود بكل هذا الحماس لتتعلم اللغات » واستمر قائلا: » إن وجود هذا المركز هنا وسط هذه الأحياء ليقوم بتعليم بناتنا الخياطة والطبخ والحلاقة والطرز ويدعم إخواننا التلاميذ بدروس دعم وتقوية ويعلمهم اللغات كالفرنسية والإنجليزية، ويفتح المجال أمامهم ليمارسوا الرياضة التي يفضلونها قد خفف من آلامنا الاقتصادية كمنطقة معزولة إلى حد قريب كانت تقتات فقط على التهريب، لأن الفتاة عندما تتعلم حرفة ما كالخياطة مثلا يمكن أن تكون مورد دخل يساعد العائلة في الصمود في وجه الفقر وشظف العيش » وقد فاجأني عندما استرسل قائلا: « ليس هذا فحسب، بل نعلم أن القائمين على المركز لا يقبلون بغير ذوي الأخلاق الحميدة في مركزهم خصوصا عندما يتعلق الأمر بالفتيات وهذا يزيد من اطمئناننا على أخواتنا ».
لم أجد صعوبة في فهم كلام الشاب (م.ع) لأنني وقفت شخصيا على ما يؤكد ذلك حيث كنت متواجدا داخل هذا المركز إذ حضر شقيق إحدى الفتيات من أجل الحديث مع السيد المدير في شأن أخته حيث سبق للمدير أن طلب لقاءه لمعالجة أمر يخص شقيقته، في الحقيقة لم أصدق أن إدارات المراكز الاجتماعية يمكن أن تصل بها المسؤولية إلى درجة تتبع كل حركات وسكنات المستفيدات ضمانا للسير الجيد والمسؤول للمؤسسة وحرصا منها على نجاعة التعلم وتحقيق الاستفادة في أبعد حدودها، وحرصا منها على تنقية الأجواء من العناصر التي من الممكن أن تتسبب في مشاكل تعود بالضرر على الجميع، أي أن الإدارة في تناغم مطلق مع رغبة العائلات والأسر المجاورة حرصا منها على انتقاء المستفيدات اللائي يمتلكن إرادة التعلم، وهذا أحد أهم ما جعل الإدارة والمركز يحضيان باحترام وتقدير الأحياء المجاورة.
ومن غريب الأمور أنني وجدت أبناء الأحياء المجاورة يحترمون الفتيات المستفيدات من هذا المركز ولا يقمن بأي حركة تدل على التحرش أو الأذى وذلك لما يحتله المركز في قلوب شباب الحي لكونه مركزا لا يتوانى في تقديم خدماته لشباب وشابات وأطفال وأمهات هذه الأحياء. أي كل شاب في هذه الأحياء إلا وله أخ أو أخت أو أم تستفيد من الخدمات العظيمة التي يقدمها مركز النصر.
خلاصة القول، إن مركز النصر للخدمات الاجتماعية والثقافية والرياضية هو أنموذج تنموي حقيقي يدل بما لا يدع مجالا للشك على نجاعة سياسة القرب والتنمية المحلية عندما ترتبط بتعليم وتكوين المرأة والطفل والشباب وإدماجهم في المخطط التنموي الذي يعود بالنفع العميم عليهم وعلى أسرهم وأحيائهم.
كما أن الحديث عن مركز النصر كأنموذج قد أجاب بوضوح عن سؤال: ما جدوى بناء هذه المركبات والمراكز؟ كما أجاب بلغة عملية على أن المراكز الاجتماعية ليست أوكارا للفساد كما يظن بعض الجهال وأعداء التنمية المحلية.
1 Comment
ادام الله فضلك سي احمد