لو ظل اليهود بدبدو
لقد اعادنا برنامج،، أمودو،، الذي توالى بثه طوال شهر رمضان المبارك الى أمجاد مدينة دبدو التي تشرفت بالامارة ذات زمان من تاريخ المغرب.
لم يدخر القيمون على البرنامج جهدا في الكشف عن العديد من اسرار المدينة المستكينة في أحضان الجبال.
وهكذا اتيح لنا أن نطلع على منجزات حضارية تحققت في هذه البلدة بفضل تفاعل الثراء السكاني المتنوع والذي لعب فيه اليهود المغاربة دورا لا ينكره الا جاحد.
ان الزيارة المتأنية وحدها تسمح بمعاينة المعالم المختلفة التي باتت مهددة بالاختفاء في غياب أدنى التفاتة لا سيما من أبناء دبدو الذين يتقلد العديد منهم مناصب سامية في كل دواليب الدولة.
لنترك أبناء دبدو المتميزين وجها لوجه مع ضمائرهم وهم يدركون جميعا بأن مسقط رأسهم بحاجة الى التفاتتهم، ولنعد قليلا الى مواطنيها السابقين من اصول يهودية.
ان المقبرة اليهودية أكبر شاهد على أن هؤلاء المواطنين قد حلوا بهذه الارض منذ قرون خلت، لعل أقربها تاريخيا يتزامن مع سقوط الأندلس التي تحيل عليه تسمية أشهر عين بدبدو( عين سبيليا) تأسيا باشبيلية المفقودة.
لقد توفرت عوامل الاستقرار بدبدو، حيث توفر الماءبكثرة وسمح بمزاولة الأنشطة الزراعية المعيشية خاصة، لتتكامل اوجه الحياة بالاعمال الحرفية التي يتقنها الانسان اليهودي منذ القدم.
وهكذا، ظلت بيوت المواطنين اليهود مقصدا لمن ينشد خياطة الأثواب أو العلاج وشراء المصوغات واصلاحها ناهيك عن التجارة وصناعة ،،ماء الحياة،، بل ان هؤلاء كانوا لا يترددون في ارضاء فضول المغاربة المستجيرين بالاعمال السحرية المنسوبة لليهود تاريخيا.
لقد مكن التعايش بين المسلمين واليهود بدبدو من توطد العلاقات ، وتمكن السكان المسلمون من الاستفادة من استثمارات اليهود في تربية المواشي والنحل وغيرهما من الانشطة التي ضمنت للجميع حياة كريمة رغم أن المسلمين والبدو منهم خاصة، ظلوا يقابلون صنيع اليهود بغلظة في التعامل لم يجد معها هؤلاء بدا من قبول كل شيء حفاظا على سلامتهم.
اما في المدينة، فان الانسجام كان حاصلا بين المسلمين واليهود، وظل قائما الى الان، حيث مازال الطرفان يتواصلان ويتبادلان الزيارات تعبيرا منهما عن متانة العلاقات التي جمعت بينهما عبر العصور.
والواقع أن مدينة دبدو قد عرفت ازدهارا كبيرا ايام تواجد اليهود بها، حيث عملوا على توفير كل مستلزمات الحياة، وكانت لهم بصمات في الحياة العامة والمناطق التي كانوا يزاولون فيها انشطتهم التجارية، حيث تعددت القصص المنسوبة اليهم هنا وهناك.
ولم تكن بلدتنا- سيدي لحسن- استثناء، فقد كان اليهود القادمون من دبدو يزودون سوقها الاسبوعي بالحاجيات التي يقبل عليها البدو، خاصة بعض الملابس المعدة للفقراء من السكان، ونعال مقاومة لكل انواع التضاريس وغيرها.
كان التجار اليهود بحاجة الى كثير من الاناة لانتزاع بعض الدريهمات من أهالينا الذين كانوا يضمرون كراهية دفينة وغير مبررة لهؤلاء الناس!
في صباح أحد ايام السوق، وما ان فتح احد التجار اليهود دكانه، حتى قابله اول زبون، وأي زبون!
كان رجلا من الصنف الذي لا يطلق سراح النقد حتى يتمثل الامثال.
نظر الزبون الى بردة ( قشابة)،وسأل عن ثمنها الذي سقط على مسمعه كالصاعقة رغم هزالته، ثم انطلقت المساومات الماراطونية، ذلك أن الزبون قد عرض ثمنا بعيدا ،، راس المال،، ثم راح يعذب التاجر اليهودي الذي فشل في صده.
لقد كان المشتري رجلا هادىء الطبع، لذلك لم يكن في عجلة من امره، وقرر أن يلين عزيمة البائع مستغلا ضياع الوقت الذي ليس في صالح التاجر.
لم يترك الرجل مجالا لمشترين اخرين وكان بين الفينة والأخرى يقترح اضافة سنتيم او اثنين دون جدوى.
مرت عدة ساعات والمفاوضات امام باب مسدود، ومعظم المتسوقين شرعوا في مغادرة المكان، بينما التاجر اليهودي لم يحظ باي فرصة بيع.
لم يتغير مزاج المشتري أمام انتفاض التاجر الذي بلغ به الغيظ مبلغه، ولما أيقن بأن هذا الزبون سيضيع عليه يوما كاملا، فجر غضبه فجاة قائلا:
أسيد المسلم ها عار ربي الى ما اعطني التيساع ولى نخرج برا نتمرغ ونشهد لا اله الا الله محمد رسول الله!
لقد كان هذا التصريح منتهى غضب التاجر اليهودي الذي جعل الزبون العنيد يغادر في الأخير بحثا عن ضالته التي لن يجدها لدى التجار اليهود بكل تاكيد!
في اواخر الستينات، عرفت دبدو هجرة شبه جماعية لمواطنيها من اليهود ليخلو منهم المكان في التسعينات، وكان غيابا خلف فراغا اجتماعيا واقتصاديا لا زال الجميع يتحسر لحصوله خصوصا وان خروج اليهود قد حكم على حضارة عمرانية بالضياع التدريجي، وان كان اليهود المنحدرين من دبدو لا يفرطون في مقبرة اجدادهم التي يتوافدون عليها سنويا، يحركهم حنين قوي وحسرة على اتخاذ قرار الهجرة الذي دبره صهاينة تل ابيب.
Aucun commentaire