صدى السنين : ثـفـلـوث.. أو لعبة الحظ
قاسم رابح واعمر
العائلة الكبيرة
كان عمي علي كهلا يفوق الستين من عمره إلا أن شعر لحيته لم يكن ليفصح عن سنه ، وكان قليل الكلام … واعتقدت في بداية الأمر أنه لا يتكلم بالمرة ولكن في يوم من هذه الأيام الثلجية الباردة بينما كنت أقضي حاجتي قرب الخيمة، فإذا به قادم يحمل على ظهره حزمة من أغصان شجر البلوط … ولم يكن بإمكاني أن أستر عورتي… بل نظرت إليه بابتسامة الطفولة البريئة ولسان حالي يقول : معذرة…اقترب مني عمي علي وقال لي بأنه كان علي أن أقوم بهذه العملية في خلوة بين الأشجار الكبيرة حيث الأرض جافة وبعيدا عن الأنظار، وليس بقرب الخيمة و وسط الثلج حتى لا أجمد من شدة البرد… وأتبعها بابتسامة عريضة و بحركة من حاجبيه الكثيفين وأومأ إلى مكان غير بعيد ،… هذا المكان الذي اتخذت منه لاحقا مرحاضي المفضل .
أما عمي الحبيب فقد كان أقل عبوسا من عمي علي … وكان يطلب منا نحن الصغار أن نقبله على خديه … وكان يجود علينا بحبات من الحلويات الصلبة و كان يطلب من زوجته بأن تناولنا الخبز مع قليل من السمن الحار …
وكان عمي الحبيب يضحك كثيرا من حديثي ومن التلعثم الذي كنت مصابا به في طفولتي المبكرة … وكان يطلب مني أن أقلد صياح الديك فأصيح بأعلى صوتي: « كوكاح » … ولذلك أطلق علي اسم : « كوكاح »!!
وكلما رآني نادني تعالي يا « كوكاح « … كيف حالك يا « كوكاح » …؟ حتى أن هذا الاسم كاد يصبح مرادفا لاسمي وسط العائلة …
تركنا قرية « إير نوا وسرى » وكنا قاصدين قرية « المعدن » المقر الاعتيادي لسكنانا،إلا أن سقوط الثلج المفاجئ جعل والدي يقرر نزولنا الاضطراري ضيوفا على عمي الحبيب وعمي علي بقرية » بزوز » بالمكان المسمى « يغمور »لوقت قصير ريثما تنفرج أحوال الطقس …
إنها عائلة والدي …العائلة الكبيرة…لم ينقصها إلا جدي » موسى » وجدتي « ميمونة » الذين لا يبارحان قرية « المعدن » لأن جدي كان مولعا بتربية النحل وبالعناية بأشجار الزيتون التي غرسها على ضفاف « وادي المعدن « …وكذلك عمي البشير الذي بقي بجرادة ولا زال يشتغل بها..
وكان والدي لا يفترق عن إخوانه إلا لماما..وخاصة شقيقه الحبيب ..إلا أنه ومع الأسف فإن هذه الألفة وهذا التعاضد بين الأشقاء سوف لن يدوم طويلا ، وذلك لأن هادم اللذات سوف يزور العائلة الكبيرة عدة مرات ليختطف عمي علي ثم عمي الحبيب ثم جدتي ثم جدي…كان الفراق قاسيا على قلب والدي …الذي كان محاطا بأهرام والديه وشقيقيه فأصبح بين عشية وضحاها أمام الأرامل والأيتام…وكان يبدو لي أن والدي قد تغير كثيرا…فقد قل ضحكه وغابت ابتسامته وأصبح متقلب المزاج و حاد الطباع …
و على هذه الخلفية المأساوية ، فقد تكونت بيننا نحن الأطفال كذلك لحمة قوية…وخاصة بيني وبين أحمد ابن عمي الحبيب ومحمود ابن عمي علي…
كانت الأيام الأولى من فصل الشتاء باردة جدا … وبمجرد ما أن وقع بعض الانفراج حتى تابعنا سيرنا إلى قرية « المعدن » التي تقع وسط الجبال، وهي أقل برودة من »بزوز » التي تقع في مهب الرياح، وتبقى عرضة للبرد الشديد في فصل الشتاء، ولرياح الشركي وللرياح الصحراوية الجافة والحارة في فصل الصيف .
Aucun commentaire