Home»National»« معتقل وجدة لتكوين الممرضين »

« معتقل وجدة لتكوين الممرضين »

1
Shares
PinterestGoogle+

السلسلة الصحية « شَــرَّحْ…مَــلَّــحْ »

 

« معتقل وجدة لتكوين الممرضين »

 

كثيرا ما تناولنا العاهات التنظيمية المهنية و الاقتصادية التي شوهت و لازالت تشوه الجسم التمريضي بالمغرب و من خلاله المنظومة الصحية ككل، و لَكَم استوقفتنا الصورة المجتمعية النمطية التي حكمت على الممرض المغربي بالسجن الانفرادي المؤبد داخل قالب ضيق من الأحكام الجاهزة و الاتهامات الجائرة. « أزمةُ الذات » التي تؤرق هذا الإطار و امتدت لجلسات طويلة من المحاكمة النفسية و المساءلة الصريحة منذ استقلال المغرب بحضور المجتمع كَ »شاهِدٍ مُغَرّرٍ به » و وزارة الصحة كَ »متهمٍ و قاضٍ »…

 

إن أي دردشة (حتى لا أقول دراسة) حول سايكولوجية الممرض يجب أن تُبحر بنا في أغوار « طفولة » هذا الأخير، كيف ترعرع؟ كيف تمت تربيته؟ من سهر على ذلك؟ كيف كانت « المَشيمَة » التي نهل منها تكوينه و شخصيته؟…معاهد تكوين الممرضين هاهُنا « المَصنع »، هاهُنا الطفولة و هاهُنا تحدث الصدمات و تتشكل النفسيات.

 

سنستشهد بمعهد وجدة كعينة من هذه المصانع التمريضية الذي احتضن التكوين الأساسي للممرضين منذ سنة 1948 بشعبة واحدة، ثم شعبتين سنة 1993 وصولا إلى سنة 2016 حيث أصبح المعهد مؤثثا بتسع شعب و مأهولا بالمئات من الطالبات و الطلبة، غير أن أقسام و جدران المعهد لم تزد قيْدَ أنْملةٍ (اللهم عملية التوسيع الوحيدة التي كانت سنة 2002) مع العلم أن أشغال بناء المعهد الجديد التي بدأت منذ أزيد من ثلاث سنوات ما تزال تعرف توقفات و تعثرات مبهمة و غير مبررة. هو إذن مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي غير الجامعي ما تزال تحت الوصاية المطلقة لوزارة الصحة من خلال المديرية الجهوية للشرق عكس كليات الطب و الصيدلة و طب الأسنان التابعة لرئاسة مختلف الجامعات المغربية. المعهد يحتوي على داخلية تم إغلاقها في وجه الطلبة و على مطعم لا يستقبل الجميع الشيء الذي يُجانب مقتضيات المادتين 75 و 76 من القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي.

 

يضم المعهد أكثر من ثلاثين أستاذا ممرضا يزاولون في ظروف مهنية أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية و عشوائية، تحضرني هنا مقارنة ساخرة بين وضعية هؤلاء المفتقرين إلى نظام أساسي و بين تلك الخاصة بالمعتقلين المؤطَّرين بالقانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية، حيث تقول المادة 45 من هذا الأخير: « يُمنح للمعتقلين الذين يمارسون نشاطا مُنتجا، مُقابلٌ مُنصفٌ، يحدد مبلغه بمقتضى قرار مشترك للوزير المكلف بالعدل و الوزير المكلف بالمالية »، في الجهة الأخرى لا تمنح أي تعويضات لأساتذة المعهد مقابل أعمال التصحيح و المراقبة و التكليفات التي يمكن أن تشملهم، فأين نحن من حديث رسولنا الكريم حين قال : « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه »…بل هي عُروقُ الممرضين التي جفّت من دماء التحفيز و التعويض و الاعتراف… ناهيك عن الضبابية و الانتقائية و الارتجالية التي تكتسي عمليات المراقبة و السير العام للبرامج البيداغوجية.

 

المادة 42 للمؤسسات السجنية تقول: « يجب ألا تتجاوز ساعات العمل، بأي حال من الأحوال، ما نص عليه القانون، أو ما جرى به العمل خارج المؤسسة، عند ممارسة نشاط معين »، في حين و إلى حد كتابة هذه السطور لم يتم ضبط حجم ساعات التدريس الخاصة بالأساتذة الممرضين (و لو بسنّ أعراف تنظيمية توافقية من طرف مدراء المعاهد و ذلك أضعف الإيمان) إسوةً بأساتذة وزارتي التربية الوطنية و التعليم العالي. تضيف المادة 42: « … يجب احترام الراحة الأسبوعية و أيام العطل، و يجب كذلك تخصيص الأوقات الضرورية للراحة، و الأكل و الفسحة، و كذا للأنشطة التربوية و الترفيهية »، غير أن معهد وجدة لا يوفر مساحات لممارسة الرياضة و الترفيه أو مقصف للطلبة و لا حتى قاعة للأساتذة كما هو الحال بالنسبة لجميع مؤسسات التعليم العالي.

 

المادة 121 للمؤسسات السجنية تقول: « الإبداع الفني و الفكري مضمون لكل معتقل »…الفصـل 25 من دستور المملكة 2011: « حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها »… للأسف في معهد وجدة تكاد تكون حرية التعبير و الرأي كبيرةً من الكبائر المُحَرمة التي يمكن أن تجني على مُمارسِها موجات السخط و التضييق، رغم أنه من المفروض أن تكون مؤسسات التعليم العالي فضاءً لتشجيع الرأي و الرأي الآخر، و الترحيب بالنقد البناء، و بالاحتجاج المبني على قوةٍ اقتراحية، و بتطاحُنِ الأفكار، و توفير سبورة حائطية تفتح صدرها لإبداعات الطلبة و الموظفين و كتاباتهم و بَوْحِهم و ملاحظاتهم… أمورٌ تغيب أو « تُغَيّبُ » عن معهد وجدة رغم أنها أفرزت من داخل المؤسسات التعليمية في حقبةٍ من حقب المغرب أدباءً و فنانينَ و رياضيينَ بَصموا على نجاحات باهرة لصالح الوطن… ألا يعتبر إذن « مُعتقلا رمزياً » الطالب أو الموظف الذي تُصادَر لديه حرية التعبير و الرأي طبقاً للمادة الأولى للمؤسسات السجنية: « يعتبر معتقلا كل شخص اتخذ في حقه تدبير سالب للحرية… (و تم إيداعه داخل مؤسسة سجنية) »؟! هل يمكننا في هذا الصدد الحديث عن « عُقدة كرونوس » التي تُختَزَل في إحكام السيطرة على الآخرين و الجهاد لمنعهم من التعبير عن ذواتهم وذلك بسحق شخصياتهم تحت الأقدام و إهانتها…؟!

 

ما يجب أن يَعِيَه مناهضوا حرية الرأي و النقد أنهم في الحقيقة يعبرون عن كُرههم لما صنعت أيديهم و خطّتها أقلامُ الآخرين… أستحضر هنا مقطعين أعشقهما للأديب والعسكري والوزير المصري«  يوسف السباعي » يقول فيهما: « يا أهل النفاق !! تلك هي أرضكم و ذلك هو غرسكم، ما فعلتُ سوى أن طُفت بها و عرضتُ على سبيل العينةِ بعضَ ما بها، فإن رأيتموه قبيحاً مشوها فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم … لوموا الأصل و لا تلوموا المرآة. أيها المنافقون !! هذه قصتكم، و من كان منكم بلا نفاق فليرجمنى بحجر »…« تلك هي العلة في هذا البلد… أن الذي يحس بالمصاب لا يملك منعه… والذي يملك منعه… لا يكاد يحس به ».

 

بناء على ما سبق أيهما أوضحُ تنظيما و تشجيعاً للحريات؟

 

و اعذروا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.

 

  بقلم محمد عبد الله موساوي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *