سلام عليك يا تويسيت 6
لم تكن افراحنا في رحاب الدوار الذي ترعرعنا فيه تكمن في ممارستنا لالعاب الصبا,كلعبة الفروسية والكلل والخضروف ولعبة سريلو فقط,بل كانت افراحنا تزداد في المناسبات الدينية ,لانها كانت مناسبة للتلاقي بين الكبار والصغار,النساء والرجال,ولازلت أذكر كيف كانت مناسبة عيد الفطر تمر في ربوع الدوار,على مشارف غابة الصنوبر الباسق,وتحت جبل غيران الفيجل الشامخ.
تهيئ الامهات الوجبات المختلفة,من انواع الخبز,والكسكس,وتتفنن كل ربة بيت في الدوار في اعداد وجبتها,لأنها سترسلها مع زوجها أو احد ابنائها الى المكان الذي يتجمع فيه سكان الدوار,ليتناولوا هذه الوجبات جماعة,وهم يتكئون على الحصائر والافرشة الصوفية,تحت ظلال الاشجار الباسقة,تحفهم الفرحة بالعيد,والفرحة بالتلاقي على موائد واحدة,هذا التلاقي الذي لا يتم الا في هذه المناسبات كهذه او مناسبة الاعراس او مناسبات الوعدة.
اما الصغار,فكانت فرحتهم تكمن في لقائهم مع الاباء والاعمام والاصهار,يجلسون بالقرب منهم,ويشاركونهم اطراف الحديث,اضافة الى تباهيهم بكسوة العيد,ولم تكن تلك الكسوة سوى نعال من الميكة,والبسة من القماش .
اما الامهات,فكن يتجمعن في مسكن من مساكن الدوار,ليشاركن بعضهم البعض تناول الموائد,كما يفعل الرجال.وبعد تناول الاطعمة وكؤوس الشاي يتفرق المجتمعون والمجتمعات باتجاه مساكنهم ,ليكملوا فرحة العيد بمعية اطفالهم والمقربين من ذويهم.
اما الاطفال فيبقون بين المروج يمارسون العابهم في حبور دافق,الى ان ياخذ التعب منهم ماخذه فيرجعون الى ديارهم,والاتربة تكسو وجوههم والبستهم الجديدة التي انتهى التباهي بها بعيد لبسها في الصباح الباكر.
اين ذاك الزمان الغابر,الذي تربينا فيه على الاخاء والمودة والرحمة,اين ذاك الزمان الذي كنا نعتبر جميع سكان الدوار اباء او اخوة لنا,لافرق بين فقيرهم وغنيهم,اين ذهب ساكنة الدوار,الذين تركوا ديار الاجداد المبنية من الطين والحجر,وسقوف الزنك والقصب,عبارة عن اطلال تخفي ذكريات ناس كانوا بالامس اطفالا,فاصبحوا اليوم رجالا,اما الرجال فاصبحوا شيوخا قد بلغ الكبر منهم عتيا,ومنهم من غادر الدنيا الى دار البقاء,ولم يخلف سوى مكحلته التي اصابها الصدأ,وسرج حصانه المنمق بابهى الالوان الزاهية,بين جدران مسكنه في مدينة وجدة,ولم تعد تلك المخلفات سوى سبيلا للذكريات الخالدة تحت جبل غيران الفيجل ومروج الدوار التي تسربلها غابة الصنوبر,المتاخمة لمدينة تويسيت,التي ظلت كالام الحنون تربي الاجيال تلو الاجيال,فذهب الكل الى وجهات متعددة,وظلت هي تبكي ماضيها الزاهر,وتحتضن في دورها العتيقة بعض الاسر التي مكثت بها بفعل الوظيفة ,اوبفعل الفقر وعدم القدرة على شراء مسكن بمدينة وجدة.
ورغم الرحيل,فالكل يحن الى هاته المدينة,ويزورها بين الفينة والاخرى,ولا يغادرها الا وفي قلبه لوعة,وهو يرى مدينة اجداده,قد خلت من الحركة واللجب,والتجارة المربحة,باستثناء بعض الحوانيت التي يستخدمها الباقون من الساكنة,كمقاهي صغيرة او لبيع الخضر والبقالة.
لك الله يا تويسيت,فرغم معاناتك,فلا اعتقد ان ينساك من تربى في احضانك,بين دروب الحي القديم والحي الجديد,والحي الاوروبي وحي طوطو,ودوار لعبيد,ولا ينساك من تربى بين اسوار مدرستك الخالدة احمد الناصري السلاوي,ومن يفعل فهو ناكر للجميل وجاحد للنعمة
قال احد الشعراء:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى//فما الحب الا للحبيب الاول
كم منزل في الارض يالفه الفتى//وحنينه دوما لاول منزل
1 Comment
ذاك زمان قد ولى وفات وباﻹمكان صناعة زمان أحسن و أفضل من سابقه بألف مرة وعلى جميع المستويات لنا و لﻷجيال الصاعدة ولكن شريطة أن نقضي على الفساد و اﻹستبداد ومحاربة الأحزاب الوصولية لأن كما يقول المصريون « ولاد الحرام مخلاوش لاولاد الحلال حاكة »