امتدادات تاريخية وذاكرة علمية خصبة

تمثل ثانوية عمر بن عبد العزيز معلمة تاريخية عظمى، ومكونا اساسيا أسس للنسق التربوي العلمي، حيث تعتبر أول ثانوية تؤرخ لانطلاقة مرحلة جديدة في تاريخ المغرب، وتدعو لاستثمار ذلك الرصيد الحضاري الذي تغتني به مدينة وجدة… إن ثانوية عمر بن عبد العزيز تمثل بحق مخزونا رمزيا تربويا، فكريا وعلميا على المستوى المحلي والوطني، الجهوي والقاري… ويمكن تلمس هذه الدلالات الرمزية من خلال ما اسهمت به على مستوى تأهيل وتكوين عدد كبير من الرموز الثقافية والعلمية… ارتبط اسمها بهذه المعلمة التربوية، اذ قدمت للوطن وللعالم طاقات وكفاءات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية والثقافية وتدبير الحياة العامة. كما أنها شكلت المشاتل الأولى لاستنهاض الوعي الوطني في فترة حرجة من تاريخ المغرب.

واعتبارا للقيمة التاريخية والرمزية لهذه المعلمة الوطنية، فقد حرصت الادارة التربوية لثانوية عمر بن عبد العزيز على ايلائها عناية خاصة من خلال ابراز رمزيتها، والعمل على تكريس نجاحها وتجديد نبوغها، مع الحفاظ على عبقها التاريخي وأصالتها المعمارية للذين تتميز بهما هذه الثانوية بموقعها في قلب مدينة وجدة. ويعتبر الاحتفال بمرور مائة سنة على احداث ثانوية عمر خير مناسبة لتجديد العزم على الانطلاق في شوط جديد من بناء الانسان وتأهيله علميا، اذ لا جدال في نجاح هذا الاستحقاق الحضاري الحاسم الذي لم يتحقق إلا باتقان مقاربات تستهدف بناء الانسان المقتدر، والمتمكن من المعرفة العلمية والتكنلوجيات الحديثة.

ويمكن القول بأن سنة 2015 كانت سنة ثانوية عمر بن عبد العزيز بامتياز… سنة تخليد الذكرى المؤوية لهذه المؤسسة التاريخية… سنة الاحتفالات الهادفة… سنة الاعتراف والتقدير … سنة الوعي بأهمية ودور هذه الثانوية عبر مسار تاريخي مليء بالامجاد، مليء بالانجازات التي اعلنت ميلاد مغرب حداثي وديمقراطي… ان تخليد الذكرى المئوية لهذه الثانوية حدث بارز ومتميز من حيث البعد الثقافي والانساني والتنموي لهذه الذكرى… وكانت الانطلاقة للاحتفالات الرسمية التي تخلد هذه الذكرى يوم الاربعاء 18 مارس، الذي يصادف ذكرى الخطاب الملكي السامي التاريخي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمدينة وجدة في اطار الزيارة التي شكلت تحولا نوعيا تاريخيا بالنسبة لشرق المغرب.

ومن منطق النهاية البداية، والخاتمة المقدمة… كانت ثانوية عمر بن عبد العزيز يومي 18 و 19 دجنبر 2015 في الموعد مع التاريخ بعناوين كبرى، الألق، التميز، الجودة، النجاح… الحفاظ على المكتسبات والعزم على التفوق… وكانت ثانوية عمر منتصبة شامخة في احتفالات اختتام يوبيلها الماسي… بل يمكن القول بأن ثانوية عمر تفوقت هذه المرة على نفسها… تفوقت ببرنامج غني ومتنوع، جدي ومسؤول، تكويني وترفيهي، فني وابداعي… تفوقت ببرنامج ترجمه الى الواقع الملموس تلميذات وتلاميذ المؤسسة في تفاعل جميل مع المدير الاستاذ الحسن ماني والاستاذات المؤطرات غوانم جميلة ومرزاق سعاد و برنيسي نزهة، وعبد القاوي يمينة … هؤلاء كلهم ابانوا عن طاقات اسطورية وكفءات نادرة وطموحات سامية… الكل يشيد بتاريخ ثانوية عمر، والكل يتغنى بمستقبلها… انهم يجسدون الذاكرة باعتبارها وعيا ممتدا في الزمان والمكان… ثانوية عمر ليست مؤسسة ماضوية وتراثية، بل انها ثانوية لها ماضي ولها تاريخ… تاريخ يتجدد، يتغنى يتطور… وكان هذا هو رهان النخبة المنظمة والمؤطرة.

ان الاهتمام بالبيئة والتوازنات البيئية لا بد ان تكون في طليعة اهتمامات وانشغالات تلامذتنا ، بل وان تكون في صلب كل تكوين علمي وتكويني، ايمانا منا بأن الاقلاع التنموي قد يكون بدون جدوى إن لم يأخذ بعين الاعتبار عنصر البيئة. إن كل تصور اقتصادي لمدينة وجدة لا بد وان يرتكز بالتالي على الحفاظ على التوازنات البيئية باعتبارها ضرورة حتمية، وهذا يقتضي اساسا وضع تدبير عقلاني ومستدام للموارد الطبيعية انطلاقا من مركزية التوازن البيئي.

ووعيا بأهمية وضرورة البعد البيئي، وبمناسبة تخليد الذكرى المئوية لتأسيس ثانوية عمر بن عبد العزيز ، تم تأسيس نادي »فن وبيئة » الذي تديره الأستاذتان غوالم جميلة ومرزاق سعاد… النادي يروم تنمية البعد الوجداني والجمالي لدى تلميذات وتلاميذ الثانوية… يروم تحسيسهم بأهمية الملف البيئي ووجوب الانخراط في الانشطة الفنية والبيئية التي تنمي القدرات العقلية والمهارات الفكرية… نادي »فن وبيئة » يعمل من أجل مقاومة النزعات التي تحاول تشييء الانسان وقتل انسانيته… وهكذا وفي يوم الجمعة 18 دجنبر 2015 ينظم النادي معرضا جميلا للطيور وصورها في قاعة الانشطة… معرضا طبيعيا وفنيا، معرضا جميلا وجذابا… جميلا من حيث نوعيته وندرة الطيور التي تم عرضها… جميلا من حيث بهاء هذه الكائنات التي تبهر الناظرين، وتدهشهم بألوانها التي تجسد الجمال في ابهى تجلياته وأعظم آياته… فتحية لنادي « فن وبيئة » على هذا الانجاز الذي استقطب اهتمامات التلميذات والتلاميذ… الانجاز الذي استنفر مشاعرهم وعواطفهم التي انفجرت غبطة وسرورا…. انه الانجاز الذي جعلهم ينفتحون على عالم الطيور باسراره الفنية التي تتجلى في لوحات ابداعية يعجز كبار الرسامين محاكاتها… وتحية للعصبة الشرقية لهواة الطيور برئاسة خالد بضياف، التي اشرفت على العر واغنته بمداخلات قيمة تهم عالم وعلم الطيور والتذكير بضرورة الحفاظ عليها وحمايتها من الانقراض الذي يتهدد بعضها كما هو الشأن بالنسبة لطائر الحسون… ولن تنقرض الطيور مادام في الوجود عشاق لهذه الكائنات الجميلة عشاق العصافير المغردة… فتشجيعا لنادي « فن وبيئة » وتشجيعا لكل اصدقاء ومحبي البيئة، محبي الابداع والجمال.

وينضاف هذا النشاط الذي تم فيه الانفتاح على عالم الطيور وسبر اغواره البديعة الى نشاط سابق نظمه النادي في مارس الماضي، نشاط صادف اليوم العالمي للأرض والاحتفاء بفصل الربيع… وكان الاحتفال بتخليد الذكرى المئوية لثانوية عمر بن عبد العزيز بنكهة مختلفة، جميلة ومبدعة، حيث انخرطت تلميذات وتلاميذ المؤسسة في عرض طبيعي بامتياز فني … وكانت اللحظة لحظة الابداع الفني والخلق الجمالي… معانقة الطبيعة في انسجام انساني رفيع، وتعاطف وجداني رفيع كسر رتابة القسم، قواعد الدرس وضغوطات التحرر… تحقق التماهي مع الطبيعة وتغنى الجميع بفصل الربيع، رمز الحب والجمال… انشطة فنية متنوعة عرفها فضاء ثانوية عمر، تجميل المكان رسم اللوحات غرس الورود والأزهار… مئة زهرة بمناسبة مائة عام… الجمال يتكلم لغة ثانوية عمر بن عبد العزيز.

ومن عالم الطبيعة الذي اثثته الورود والطيور الى عالم الابداع الفني بالحانه الغنائية وانتاجاته المسرحية …  وكان يوم السبت 19 دجنبر 2015 يوما فنيا رائعا بجميع المقاييس الابداعية والمعايير الفنية… في قاعة المؤتمرات التابعة لمركز الدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية فجر تلاميذ وتلميذات ثانوية عمر بن عبد العزيز مواهبهم الغنائية… انشدوا في تناغم سنفوني اغاني وطنية معبرة وخالدة… اغاني تعبر عن كينونة المغاربة المتشبثين بمغربية الصحراء و المستعدين لتقديم التضحيات الجسام ودفلعا عن وطنيتهم ومواطنتهم… وكان الاحتفال بذكرى تأسيس ثانوية عمر احتفالا بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء العظيمة… ومن الابداع الغنائي الى الابداع المسرحي، وكان اللقاء مع الاستاذ قناني لحسن في عرض مسرحي بأبعاد انسانية اجتماعية وسياسية… بلغة ذات نكهة شعرية… وللكشف عن مواهبهم الغنية والمتنوعة ، ولإجلاء طاقاتهم الفنية والمتعددة، اقتحم تلاميذ وتلميذات الثانوية عالم الفن السابع… وكان استمتاع الحضور بعرض فيلم قصير دال ومعبر فنيا وجماليا… فتحية للأستاذة المؤطرة سعاد مرزاق وتحية لفرقة المخرج السينمائي خالد سلي…

مداخلتان قيمتان بصمتا  حفل يوم 19 دجنبر 2015، بصمتان بمداد تاريخي وتوقيع أكاديمي… ويتعلق الامر بمداخلة الدكتور اسماعيلي مولاي عبد الحميد الذي تربع على ادارة ثانوية عمر بن عبد العزيز لمدة تزيد عن عشرين سنة (من 1970 الى 1994)… والذي انعش ذاكرته التي امتدت الى محطة مهمة في سيرورة ثانوية عمر بن عبد العزيز… ويسجل كل من عايش المرحلة التي تحمل فيها الرجل مسؤولية ادارة ثانوية عمر ، ان الدكتور اسماعيلي نجح بامتياز في مهمته الادارية والتربوية… نجاح ترجمه التلاميذ واللتلميذات في النتائج المتفوقة المحصلة عليها عبر تتالي سنوات نجاح جسدته ايضا الحكامة الناجعة في التدبير والتسيير… فتحية اعتراف وتقدير  للأستاذ المدير السابق الدكتور مولاي عبد الحميد اسماعيلي… وكان تكريمه بالمناسبة عن جدارة واستحقاق… والمحطة كانت لحظة تفاعل جدلي بين الحاضر والماضي… تفاعل تجلى انسانيا في عناق معبر بين المدير الحالي الحسن ماني والمدير الأسبق مولاي عبد الحميد اسماعيلي…

وتلك كانت رسالة بليغة… ثانوية عمر بمسار طويل فيه استمرار وفيه طفرة نوعية… فلا أحد ينكر ان ثانوية عمر بعد محطة اسماعيلي عرفت نوعا من الاختلالات التي شكلت نشازا في تاريخ هذه المؤسسة… ولأنها معلمة تاريخية، ولأنها ولدت لانتاج المتفوق والمتميز… فقد قاومت بصمود وتحدي كل اشكال الجمود والرداءة وكل مظاهر التعثر والتراجع.

واذا كانت لكل مرحلة رجالها، فلا أحد الآن وغدا، يمكن أن ينكر ان مديرا اسمه الحسن ماني رجل المرحلة بامتياز، ولا احد يمكن أن يجادل في ان الرجل اعاد لمؤسسة عمر بن عبد العزيز القها واسعاعها، وصالحها مع تاريخها العريق، ةأقام لها صرح ادارة تربوية بمواصفات حديثة، متجاوبة مع طموح التلميذات والتلاميذ، مع جدية الفاعلين التربويين، استاذات واساتذة المؤسسة، ومنفتحة على المجتمع بكل مكوناته… وكانت البداية القطع مع سنوات العجاف واستلهام السنوات السمان… وكان الاعلان لميلاد جديد لثانوية عمر بن عبد العزيز بدفتر تحملات جديد عنوانه كسب الرهانات… فتحية للمدير الحسن ماني وتحية للادارة التربوية بكل مكوناتها.

مداخلة الباحث في تاريخ جهة الشرق الدكتور بدر مقري، مداخلة اكاديمية احاطت ببعض الاسماء الوازنة التي تتلمذت وتكونت في احضان ثانوية عمر بن عبدالعزيز، والتي اصبح لها شأن كبير في مجالات مختلفة، ديبلوماسية وسياسية، اقتصادية وعلمية، فكرية وثقافية… فاعلون مغاربة جزائريون وفرنسيون …. فتحية للدكتور مقري… وكان تكريمه اعترافا به وله…

و اعترافا بمجهودات كل من ساهم في انجاح الحفل، تم توزيع جوائز رمزية، جوائز من أجل التحفيز والتقدير… شواهد لولوج تاريخ ثانوية عمر بن عبدالعزيز… كما تم توزيع الجوائز على الفائزين في مسابقة ألعاب الفيديو ومسابقة الصور الفوتوغرافية ومسابقة لعبة الشطرنج التي نظمتها الاستاذتان برنيشي نزهة وعبدالقاوي يمينة… فتحية للأستاذتين وتحية لكل من ساهم في انجتح هذا العرس الفني بمرجعيات تاريخية، بابداعات جمالية وشهادات حية…

الحفل كان ناجحا بجميع المقاييس… لأنه منتوج جيد بتحضير جيد، تحضير استغرق شهورا، تحضير بمجهودات كبيرة وطموحات عظيمة … وكان الحلم واقعا، وكان النجاح … فتحية مرة أخرى للأستاذات المؤطرات غوالم جميلة ومرزاق سعاد وعبدالقاوي يمينة وبرنيشي نزهة، وتحية للعقل المشرف الأستاذ الحسن ماني…. وتحية لكل تلامذتنا وتلميذاتنا ولكل أطر المؤسسة… وكل مائة عام وثانوية عمر بن عبدالعزيز بألف ألف خير.