العرض الافتتاحي لمسرحية :« واك واك أ الحق»
توجت فرقة مسرح لبلاد بوجدة يومه الأربعاء 15 يوليوز على الساعة العاشرة والنصف إقامتها الفنية المتعلقة بالتدريب على عرض مسرحي والمدعمة من طرف وزارة الثقافة الدورة الثانية (دورة ماي 2015) والتي أنجزتها تحت الإشراف العام للكاتب والمخرج والناقد المسرحي لحسن قناني، بتقديم عرض افتتاحي لمنجزها المسرحي : » واك واك أ الحق »…
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنجز ارتكز في تشكله على المنجز الكتابي للورشة التكوينية للكتابة المسرحية التي حظيت الجمعية بدعمها في الدورة الأولى (دورة يناير 2015)، والتي تم الاشتغال فيه على علاقة المسرح بالمسألة الحقوقية وتمت عنونته كما سبقت الإشارة بـ « واك واك أ الحق ».
ويتكون هذا المنجز من ثلاث لوحات تجمع بينها ثيمة الحق:
1- اللوحة الأولى بعنوان « اعتصام في الأرحام »
(الملخص)
2- اللوحة الثانية بعنوان: » شارع الحرية »
(الملخص)
3- اللوحة الثالثة بعنوان « أكلة البطاطس »
4- الهدف الإجمالي للمسرحية
هذا بالنسبة لخامة النص التي انبنى عليها العرض المسرحي أما بالنسبة لعرض « واك واك أ الحق » في حد ذاته، فإن أول انطباع يتركه هذا العرض في من أتيحت له فرصة مشاهدته هو أن عملية الإنجاز تعمدت أن تجعل الركح جهازًا لبث العلامات المتباينة الطبائع والأصول، انطلاقا من العلامات ذات المصدر الصوتي، لسانية كانت أم غير لسانية، وصولا إلى كافة العلامات الأخرى التي يعتمد استقبالها على إدراك الجهاز البصري، كل ذلك بهدف إثارة كل الملكات الذهنية والوجدانية لدى المتلقي، الشيء الذي يحتم على هذا الأخير أن يشحذ كل القدرات الإدراكية بغية الغوص إلى ينابيع الفرح الفني في أعماق التجربة الإبداعية.
إلا أنه إذا كان من نتائج عملية تواصلية كهذه ميسمها كثافة الزخم التعبيري، أن تجعل من عملية التلقي في هذا الفن عملية مرهقة للغاية، فإن عرض « واك واك أ الحق » قد استطاع وبنجاح كبير أن يضع حلا ناجعا لهذه المعادلة الصعبة في ميدان العمل المسرحي ألا وهي معادلة التأرجح بين الخطاب الفكري وذلك الجانب الذي حق للتوحيدي أن يطلق عليه « الإمتاع والمؤانسة ».
لقد استطاع هذا العرض أن يوفر للمتلقي ذلك المتكأ النفسي اللازم لضمان استمرارية عملية التفرج، ألا وهو جانب المتعة في العمل المسرحي، غير أن المتعة المفهومة هنا، ليست هي المتعة كغاية في ذاتها، أو المتعة كمجرد ترف فني أو وسيلة للإغراء أو الاسترضاء، وإنما كحافز سيكولوجي، يقوم بالدور الذي تلعبه الوظيفة التوكيدية La Fonction Phatique في التواصلاللغوي العادي وبالتالي تحرص على شد خط التواصل الرفيع بين القاعة والركح كلما لوحظ أن هذا الخيط على وشك الإنقطاع. إن المتعة هنا لا يقتصر دورها على تحرير الانفعالات الحبيسة بل تشتعل كوسيلة لإثارة « الألم » الذهني داخل كيان المتلقي بهدف تأجيج جذوة التفكير لديه باستمرار، إنها المتعة المحرقة، والتي تتولد من حيوية الحكي والرقص والتفكه والإنشاد، وهو في كل ذلك يحترم حق المتلقي في أن يتابع العرض المسرحي في رضى ولكن بنوع من المرارة في الحلق.
ولعل أهم ما يستدعي الانتباه في هذا العرض هو طابعه الملحمي والذي استطاع بفضله أن ينفذ إلى عمق الحدث الدرامي، كما مكن العملية الإخراجية من الغوص في بنيات النص العميقة ومكوناته اللغوية والجمالية بكيفية متفاعلة ومتداخلة إلى درجة أن الفصل بين الكتابتين النصية والسينوغرافية تبدو مستعصية، إذ ساهم التصور الإخراجي في إبراز كافة الأبعاد الدلالية للملفوظ، بل قد استطاع أن يُحضر الغائب والمسكوت عنه في جسد النص وأن ينتج معاني جديدة مستعملا في ذلك لوحات تنبض حيوية وحياة، وديكورًا معبرًا رغم بساطته واختزاليته، وأزياء تنضح بالدلالة والجمال، وإنشادًا مندمجا بالعرض، وتشخيصا كان في غاية الدقة والإتقان، وفرجة تكاد تكون مسترسلة دون انقطاع من بداية العرض إلى نهايته.
ولعل أهم ما توسلته هذه الفرجة المسرحية الهادفة هو الأسلوب الكوميدي الساخر باعتباره وكما يقول برناردشو أبلغ السبل لقول الحقيقة، فالمسرحية تثير الضحك، لكنه ضحك لا يخلو من مرارة وقسوة، لأنه وليد نقد ساخر وتعرية لاذعة لمظاهر الحياة اليومية ومن هنا امتلاكه وبامتياز لكافة الإمكانيات التعبيرية، لنشر الحياة على الحبال، وفي الهواء الطلق مشكلا بذلك أبلغ الطرق للتعبير عن الرفض والتمرد بالنسبة إلى إنسان مثل إنسان المسرحية يحتضنه اليأس من كل جانب لأن السخرية هي التي توصل التعبير عن اليأس إلى مداه.
وهذا الأسلوب هو ما يطلق عليه المشرف العام على إنجاز هذه الفرجة المسرحية البليغة، الأستاذ لحسن قناني بـ « الكوميديا الصادمة »، والتي تحيل على ذلك النوع من المسرح الذي يجعل من الضحك والتفكه قناته النموذجية لمد جسور التواصل الفني مع المتلقي، وينظر إلى السخرية باعتبارها أبلغ الطرق لقول الحقيقة، وتداول الخطاب المسرحي بين الخشبة والقاعة، تداولا يتحدد بمقتضاه كبناء فكري يحمل وجهة نظر معينة مصوغة على شكل جمالي يختلط فيه الجد بالهزل والمتعة بالفائدة، ومعنى هذا أن الضحك في هذا النوع من الكوميديا ليس مجانيا، لأن غاية الضحك فيها تتحدد خارج ذاته، أي في مدى تعالقه مع الوضع البشري في مختلف أشكاله ومظاهره وتجلياته، فالكوميديا الصادمة بهذا المعنى هي كوميديا تضحكنا، ولكن ما أن يخبو رجع ضحكنا ويتباعد صداه حتى نشعر بنوع من المرارة في الحلق، الشيء الذي يجعلنا نتساءل : إن كان الموقف الذي ضحكنا منه هو موقف يستدعي فعلاً أن نضحك منه، إذ ما أن تنطفئ الضحكة حتى يصدمنا هذا الموقف بما يحمله من جدية، بل ما يحمله من أسًى وقسوة ومرارة قد تبلغ حد المأساة، إننا إذن أمام مأساة جاوزت حدها فانقلبت إلى ضدها، أي إلى ملهاة.
ثم إن الكوميديا الصادمة بكل هذه المعاني هي كوميديا للإنسان المقهور، ولهذا فإن الضحكة فيها لا يمكن أن تكون إلا صدى لشهقة مكتومة، ووسيلة يعلو بها هذا الإنسان على حدة الأوجاع.
الأستاذة: الزانة عزاوي
Aucun commentaire