منهجية طبيب المستعجلات في تسيير قطاعٍ قَدْ مَــات
السلسلة التمريضية شَـــرَّحْ…مَــلَّـــحْ :
« منهجية طبيب المستعجلات في تسيير قطاعٍ قَدْ مَــات«
التدبير هو ركيزة أساسية في حياة كل واحد منا نمارسه بشكل يومي بهدف ضمان سيرورة أعمالنا و سلاستها، منا من يعي قيمته فيُنمي حسه التدبيري و يصقله و كثير منا يمارسه دون أن يدري فلا يُطوره. هناك من يجد صعوبة في تدبير أمور حياته الخاصة فيُضيع الجهد و الفرص دون أن يعرف سبيلا للنجاح، فما بالك بتدبير منظومة من الموارد البشرية و اللوجستيكية كما هو الشأن بالنسبة للقطاعات الحكومية التي تستوجب مجموعة من المعارف و الخصال و الخبرات حتى يستقيم تسييرها و تتوفق في بلوغ مقاصدها و تحقيق أريحية المواطن المغربي.
الأمر نفسه يسري على قطاع الصحة الذي يستلزم كفاءة تسييرية و حكامة تدبيرية تتجاوز نظيرتها بباقي القطاعات، لأننا هنا نتعامل مع خدمات ذات خصوصية قصوى لكونها تلامس الإنسان في بدنه و روحه و صحته و أي خطأ تافه أو إجراء غير مسؤول تُدفع فاتورته من حياة مواطن…
لذا يعتبر تسيير وزارة كوزارة الصحة أمرا غير يسير نظرا لتشعب تنظيمها و تنوع فئاتها المهنية و تداخل و غموض الاختصاصات و المساطر الإدارية بها… عوامل من المفروض أن تدفع الساهرين على تدبيرها إلى تأبُّـط الحكامة النيرة و بُعد النظر في أية خطوة يُبادرون بها. فهل يصح مثلا تسيير وزارة الصحة بعقلية طب المستعجلات ؟؟ هذا الأخير يتبنى مبدأ استعجالية التدخل الطبي خلال حيز زمني محـدود و حاسم بوسائل عمل قد تتوفر حينا و تغيب في أحيان كثيرة بغية إنقاذ حياة مريض في خطر، و هنا ينتهي دور طبيب المستعجلات فإن فشل له شرف المحاولة و القيام بالواجب و إن توفق فله اثنان، شرفُ المحاولة و شرفُ إحياء نفس كأنما أحيى بها الناس جميعا. الطبيب هنا ليس ملزَماً بالتخطيط الأكاديمي للحالات التي سترد عليه و ليس عليه ِوزرها بعد القيام بواجبه لأن كل تركيزه موجه للتدخل و « الفِـعْـلِ » الطبي الآني… نفس المنهجية يتعامل بها السيد وزير الصحة في تدبير ذات القطاع حيث ما فتئ يُعالج علله بالاقتصار على « الفعل » الآني المُستعجل دون تخطيطٍ مُسبق، و استقصاءٍ لمنظور العارفين من المهنيين و غيرهم، و إعدادٍ لآليات التنفيذ و المتابعة و تفعيلٍ للتقييم و المُساءلة. كأننا بالسيد الوزير ما يزال حبيسا لقوقعة طب المستعجلات و لا يُطيق مُبارحتها و الانسلاخ منها إلى دور الوزير المُسير…
لنسرد بعض الوقائع التي تؤكد عشق السيد وزير الصحة للفعل الاستعجالي الآني و المُفاجئ دون التخطيط له أو متابعته عن كثب، و حبه الغريب للظهور تحت أضواء الكاميرات و دغدغات الميكروفونات لحظة تدشين « الفِـعـل » ثم الاختفاء قبل و بعد ذلك و تَركِ التخطيط و حسن التنفيذ و التقييم لـ »فِعْـلِ » الوزير يتخبطُ في مخاض عسير.
آخر خرجات السيد الوزير كانت بإغلاق « بويا عمر »، هو فعلٌ محمود لكن و بعد أيام معدودة ظهرت العيوب فبدأت أسر المرضى تشتكي من رفض استقبال المستشفيات خاصة لغير المتوفرين على بطاقة « راميد »، و بدأ المهنيون ينبهون لقلة الأسِـرَّة الكفيلة باستقبال هؤلاء المرضى و كذا هـزالة الموارد البشرية المختصة في الشق النفسي، و بدأنا نسمع عن خِريج « لبويا عمر » ينتحر هنا و آخر يتجول عاريا في الأزقة و ثالث يقتل مريضا آخر و رابع يُشرمل وجه مواطنة بالشارع العام و خامس يعترض وزيرا أثناء عملية التدشين هناك و…و… فهل اكتفى السيد الوزير بالخرجة الإعلامية دون تخطيط و لا متابعة للفِعل ؟؟.
وقف « راميدُ » الشيخ في العقبة، نعم فقد استنزفت امتيازات هذه البطاقة خزائن كل المستشفيات المغربية باختلاف مستوياتها لأنه بعد أربع سنوات من دخول نظام « راميد »حيز التنفيذ لم تتوصل المستشفيات بمستحقاتها في هذا الصدد، و ها هو السيد الوزير يُلقي بكامل المسؤولية على السيد رئيس الحكومة ، أليس هناك شيء سميتموه التكافل الحكومي؟؟ ألم تضعوا منذ بداية العمل « براميد » آلياتٍ لمتابعة و استخلاص ديونه أولاً بأول؟؟ أم أنكم اكتفيتم بالخرجة الإعلامية دون تخطيط و لا متابعة للفِعل ؟؟.
التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2013 تناول بالأرقام و بالملموس سوء تدبير الساهرين على وزارة الصحة كما أكد على الضعف الكبير للحكامة الجيدة بها خصوصا في الجانب التجهيزي و التسييري.
بالنسبة للموظفين أو الثروة غير المادية بالوزارة ف »الفِعلُ » المتعلق بها جاء من خلال اتفاق 5 يوليوز 2012 بمعية النقابات الذي لم يُنفذ منه سوى 20% إلى حد الساعة و نحن على بُعد سنة واحدة من انتهاء ولاية السيد « الوردي ». فيما يخص شق التكوين الأساسي فقد عرف الفصل الثاني من سنة 2015 مقاطعةً للدروس من طرف طلبة المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة ترتب عنه حصولهم على فصل أبيض و تعطيل التحصيل المعرفي لكون الوزارة لم تخطط جيدا لآليات تنزيل نظام إجازة-ماستر-دكتوره الخاص بالأطر التمريضية، كما أدمجت تقنيي التكوين المهني الخاص في إطار الممرضين المجازين بطريقة عشوائية مجانبة للقانون و غير مدروسة. كما شهدت كليات الطب و الصيدلة هي الأخرى سلسلة من الاحتجاجات و التهديدات بمقاطعة الدراسة و الامتحانات…
تَم أيضا تحرير القطاع الصحي من معضلاته بطائرات الهيليكوبتر تُكلف الملايين لكن المسؤولين على هذه المبادرة لم يُخططوا حتى لتشييد أماكن لإقلاع و هبوط هذه المركبات داخل أسوار المستشفيات المُحتضنة لها و خير مثال على ذلك المستشفى الجامعي محمد السادس بوجدة. كما أن الحالات التي استفادت من هذه الخدمة الاستعجالية معدودة لحد الساعة و قيلَ ما قيلَ عنها من قبيل أنها كانت بدوافع سياسوية انتخابية لا غير. أليس الأولى تجهيز المستشفيات بما تفتقر له من مستلزمات طبية أولية، أ مِنَ المعقول تمكين المستشفى الجامعي لوجدة من طائرة هيليكوبتر في حين تنعدم أبسط مواد التعقيم و المُطهرات داخل مصلحة المستعجلات الخاصة به ؟؟ أم أنكم اكتفيتم بالخرجة الإعلامية دون تخطيط و لا متابعة للفِعل ؟؟.
هو حديثٌ ذو شجون يطول كطول خرجات و هرطقات وزارة الصحة و لا يتسع المجال لذكر فيضِ المغالطات و النقائص التي تتكرس و تتعاظم يوما بعد يوم داخل هذه الوزارة العليلة. الآن و قد بقيت سنة على نهاية ولايتها هل من متابعة و تقييم لما سبق حتى تُحدَّدَ المسؤوليات و تسهُل المُحاسَبات؟؟.
بقلم محمد عبد الله موساوي
رئيس جمعية خريجي السلك الثاني
لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي
بالجهة الشرقية.
Aucun commentaire