رحمك الله يا خمسي حميد
قرية ولدت في احضان الهدوء والسكينة,بعيدة عن ضوضاء التحضر والتمدن,تزيد من جمالها جبال سامقة وربى مخضرة,أنجبت رجالا ونساء تربوا على الكدح بالسواعد في سبيل الرزق الذي تجود به الارض من نبات وبقل وخضر وحبوب,قوتا لهم وكلأ لمواشيهم ودوابهم.
وشاءت الاقدار أن يزور المنطقة معمر فرنسي أثار انتباهه أحجار ليست كالأححار التي يعرفها عامة الناس,منمقة بألوان زاهية تسر الناظرين,فعلم المعمر أنها كنز ثمين,ولم تكن تلك الأحجار الغريبة العجيبة سوى معادن نفيسة,فحمل منها عينات الى بلاده,لتمر عبر المختبرات لمعرفة انواعها وصنوفها,فتبين أنها زنك ورصاص وفضة.
هرعت دولة المعمر نحو المنطقة في وقت الحماية لتنشئ معامل لاستخراج هذه الكنوز من باطن الارض التي تربت على الهدوء والسكينة,ووجدت سواعد الرجال المفتولة المشوبة بالفقر مستعدة للدخول في غياهب الكهوف والمغاور,بحثا عما تريده الشركة ,وهم لا يعلمون خواتيم هذا العمل الشاق مقابل دريهمات,ليعلموها بعد مرور عقود من الزمن,فتعرفوا على امراض الربو والسيليكوز والبوكاوز,وغيرها من الامراض التنفسية.
هذه الامراض ألمت بمن بقي حيا يرزق بعد رحيل الشركة,اما اغلبهم فقد قضى تحت انقاض الكهوف التي كانت تنهار لتحصد الارواح تلو الارواح,رغم الاحتياطات التي كانت الشركة تقوم بها لدرء هذه الاخطار.
نعم رحلت الشركة بالاموال الطائلة,وخلفت وراءها تلك الكهوف التي اسالت لعاب الشباب بحثا عن الكنوز,وقد شجعهم على ذلك بعض السماسرة الذين يشترون منهم ما يخرجون على ظهورهم من هذه المغاور التي حصدت ارواح اجدادهم وابائهم,ولا زالت تحصد ارواح اخوانهم,ولم يكترثوا بعويل الامهات وبكائهن على فلذات اكبادهن,وهاهي الماساة تاتي ,ليذهب من خلالها ثلاث شبان الى دار البقاء في بداية هذا الاسبوع,ورابع لا زال يصارع من اجل البقاء.
عاد النواح,والعويل والبكاء,عاد الالم الغائر الى قلوب زوجات الضحايا وامهاتهم وابائهم وابنائهم,عاد جو الحزن يخيم على القرية الهادئة,وقد فقدت شبانا في ريعان عمرهم من أسرة واحدة.
انها القرية التي عشش حبها بين جوانحي,وقد درست فيها اجيالا واجيالا رفقة زملائي الذين عرفوا بتفانيهم في العمل,لابعاد الشباب عن مغاور الموت,لكن القضاء والقدر يجر بعضهم الى هذا العمل,كان احدهم تلميذي خمسي حميد الذي قضى في هذه الكارثة,ومن خلال مقالي المتواضع هذا اترحم على الضحايا جميعا وبالاخص تلميذ الامس الذي لا زلت اذكره ببراءته وحسن خلقه,فرحمك الله يا حميد,واسكنك فسيح جناته,واني في هذه اللحظة المريرة اذرف دمعا ساخنا,في حقك,لاني كنت اتمنى ان تنهي مشوارك الدراسي لتكون موظفا ,لكن قضاء الله وقدره جرك الى كهوف الموت.
1 Comment
المعدن النفيس يا أخي كان في ملكية معمر فرنسي تخلى عنه لصالح (جان والتير )مقابل مع 75000فرنكا كان مدينا له بها. سنة 1932،و هذا المهندس الفرنسي هو الذي يعود اليه الفضل في تعمير الأرض القاحلة جنوب وجدة و ينشئ من عدم قريتي سيدي بوبكر ووادي الحيمر و ينشر الحياة فيهما مدة طويلة..لا يجب علينا ان ننكر الحقيقة فالحياة كانت جميلة بالقريتين بوجود هذا المعمر..و برحيله ، سكتت محركات الشركتين عن الهدير ، رغم توافر مادة الرصاص عبى عمق لا يتجاوز 60 مترا (حسب تصريح مدير زليجة).و اصبح العمال و ابناؤهم عرضة للضياع إلى يومنا هذا