شرطة نيويورك والسؤال « الودي »
« كيف ترون أنفسكم رجال شرطة بمدينة نيويورك؟ » هذا هو السؤال الودي الذي طرحناه على مجموعة من رجال الشرطة المكلفين بحماية الأمن العام للمدينة العملاقة. ماجعل السؤال وديا هو طلبنا أن يتفادى الرد الشعارات الكبرى من قبيل « من أجل الخدمة والحماية » « To Protect and To Serve » التي ترصع سيارات الشرطة.
إجابة أحدهم كانت سريعة ودون تردد: « أن أبقى حيا » « To Survive ». لم يكن الرد مفاجأ بقدر ما يرسخ فرضية تأثير البيئة على نمط التفكير. في مدينة المتناقضات: مدينة الجريمة والعنف، مدينة الحي المالي العالمي في ملتقى شارع « وول ستريت » بمنهاتن قرب مرفأ المدينة العملاق. مدينة الفقر والثراء، مدينة النار والثلج كما وصفها متيمون آخرون. مدينة تعج بالفئران وأكوام « الأزبال » كل مساء، مدينة الشارع الخامس حيث نجوم السينما والفن.
لا نملك في هذه المرحلة سوى دقة الملاحظة التي ترجع بنا للوراء حينما كان يردد بعض رجالات الأمن الشرفاء في بلدتي عين بني مطهر نفس الجواب ولكن بصيغة أخرى. لم يكن هاجس « أن أبقى حيا » يشكل ذلك المبتغى المنشود، بل كان هؤلاء يرددون عبارة أخرى أكثر « روحانية » وبعد أخذ نفس طويل يصرحون « اللهم أكمل واجبي بخيرحتى أذهب لبيتي مرتاح البال لأنني لم أظلم أحدا ولم أحتقر الفقراء.. »
نعم إنه « البقاء حيا » بصيغة أكثر روحانية، بقاء الضمير حيا، هكذا كان هؤلاء وغيرهم من الشرفاء الذين توكل لهم مسؤولية حفظ الأمن وتسيير شأن المدينة يخشون لحظة الخلوة مع ذواتهم حينما تبدأ تطرق أدمغتهم معاول التأنيب والندم.
إن الحديث عن المسؤولية هو حديث بالدرجة الأولى عن رجال ونساء يؤمنون بأمل التغيير ويعيشون معانيه حتى وإن عانوا في بداياتهم لأنهم يباشرون التغيير في ذواتهم أولا. بمعنى آخر أن تكون مسؤولا هي عقلية عفوية ساكنة في جينات البشر متأصلة في التكوين الأسري العفيف. أن تكون مسؤولا ليست وصفة يمكن استرادها أو فرضها أو استنباتها.
السؤال الودي لشرطة نيويورك يحيلنا أن نتأمل صفة « الأمانة » في العمل. لا فرق بين شرطي في نيويورك وشرطي آخر في عين بني مطهر، في جرادة أو بوعرفة. الفرق الوحيد هو أنك لن تجد موظفا يجلس في المقهى وقت عمله، أو خارج مكتبه. لا تجد موظفا يتاجر في الأسواق ولا موظفا يبتسم لبعض المواطنين ويشمر أنيابه للبعض الآخر.
« أن أبقى حيا » تعبير عن خوض « حرب » في ضل تشنج العلاقة بين شرطة نيويورك والمتظاهرين الذين انتفضوا ضد المعاملة « العنيفة » اتجاه داكني اللون وارتفاع وثيرة التمييز فيما بات معروف بظاهرة التنميط العرقي Racial Profilling. عمدة نيويورك آزر المحتجين وهو ماخلق جوا متشنجا لغاية هذه الأسطر.
عبدالقادر فلالي -نيويورك
Aucun commentaire