إغراء العدل والإحسان!
إن من أعظم الحسنات التي ترَجِّح خيار المشاركة وتسفه خيار الانتظار، العلم بالصلاحيات والمؤسسات والآليات التقنية التي تفرز القرار السياسي. فكيف يخوض في الشأن السياسي من يدعو السلطة التنفيذية إلى فرض نمط خاص-ولو كان صوابا- على الإعلام العمومي، ألم يسمع عن هيئة مستقلة اسمها “الهاكا”؟ أم أنه فجر طاقته الضائعة انتظارا في عجعلة تلهث وراء المزايدة وتعرض عن الحقائق فرارا؟
كم كان أمين عام العدالة والتنمية محرجا لنخب العدل والإحسان ! وضع الجماعة أمام ثلاث خيارات صعبة في وقت تتلمس فيه خطى التجديد بعد وفاة المرشد وفشل حراك 20 فبراير. لا شك في أن النقاش داخل هيآتها يحتدم للخروج من غياهب تجربة جعلت الجماعة أمام “مهمة مستحيلة” بالنظر إلى التراكم الإيجابي الذي بات يحرزه نظام الملك محمد السادس يوما بعد يوم.
كل من دأب على إثارة الأسئلة داخل العدل والإحسان ستستوقفه مآلات 20 فبراير مستفهما: إذا لم يصل حراك 20 فبراير إلى التغيير الجذري الذي ننشذه، وكانت الظروف الدولية مسعفة، فهل سنستقبل ظروفا أفضل مما استدبرنا تناسب نجاح القومة؟ لا بل شهدنا تغييرا شبه جذري في مصر، وآخر ملحميا في سوريا، ولم تتضح بعد فيهما المآلات؟
أحسب أن مثل هذه الأسئلة الكبرى ما سيبقي الجماعة كبيرة، أما أن تسوسها انشغالات عن محاكمة انجازات بنكيران بمنطق الثورة، أو هواجس عن كون الجماعة مصدر الخيرات والمبادرات الرسمية في البلاد، فإن ذلك محض تلبيس وغرور لن يزيد الجماعة إلا صغارا.
حقا إن خيار مشاركة الجماعة مغر، وعلى الجماعة أن تسرع بالحزم اتجاه هذا الأمر لأن رئيس حكومة المغرب في هذه اللحظة لن يكون رئيسا إلى الأبد، وإذا بدر من الرئيس الحالي إشارة فقد لا يُصدر مثلها خَلَفُه، وما كان في يوم متاحا يصير في الغد مستحيلا. وهو مغر حقا إذ سيأتي بالخير الوافر على الأمة والجماعة برجال يسهرون على تدبير الشأن العام، وهل التغيير إلا رجال يُستأمنون على مصالح المواطن؟ !
قد يكون لهذا الخيار انعكاس سلبي على جسم الجماعة، ربما سيتساقط بعض أعضاءها، ولكن ذلك رهين بقوة التأسيس لفكر المشاركة والتبشير بمزاياه العظمى. وبالرغم من ذلك فخسائر العضوية لا مفر منه، لكن لا بأس من ذلك إذا كان قرار المشاركة قد أخذ حظه الوافر من التداول وفصلت فيه المؤسسات الشورية بأغلبية مريحة، وما عساك تفعل لمن لا يغريه سوى العَطل والانتظار، ويتربص بشيء قد يأتي أو لن يأتي إلى الأبد؟ !
والأرجح ألا خوف من عاقبة الأمور إذا ما رافق الاقدام على هذا القرار الجلل تقوى الله، فالله خير حفظا وهو الذي جعل العاقبة للمتقين.
ليت يكون الانتظار مفيدا لجسم الجماعة في المستقبل، فوالله إني أرى أنه يفتك بأوصالها أكثر مما قد يسببه الاندماج.
إن جيشا ينتظر طويلا لا يُؤمَن على تماسكه جراء تشاكس الجنود، وقد لا تُخمِد طاقاته الكامنة مناوشات بين الفينة والأخرى. وإن دقت طبول حرب ما، قد لا يتأنى في تمحيص مشاركته: هل يخوض حربا من أجل الوطن أم يخوضها ضد الوطن؟
إن خيار الانتظار سيئ لكونه تهييء متواصل لمواجهة مرتقبة، وأسوأ ما فيه ترقب الدعم الخارجي الذي يجعل من جماعة باتت معلومة الخصائص ورقة توظف لمصالح تناقض جذريا الأهداف التي جاءت تنشدها منذ التأسيس.
سيصفني بعضهم متطفلا وآخرون بوقا للنظام، لكن ما حثني على خط هذه العبارات عرض وجهة نظر أتوسم من خلالها خيرا عظيما لقيادات الجماعة وأعضائها، واستشرافا لبلاد يحكمها العدل ويعمها الإحسان.
Aucun commentaire