رأي في المدرسة الخصوصية
تم قبل أيام تنصيب المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتشكيلته الجديدة من طرف جلالة الملك ، وللتذكير فهذا المجلس ليس مولودا جديدا نحتاج إلى معرفة فصيلته وجنسه ، فعهد التأسيس الأول له تحت إسم المجلس الأعلى للتعليم يعود إلى سنة 1959 مع إنشاء اللجنة الثالثة للإصلاح في عهد حكومة عبد الله إبراهيم. وقد تراوح دوره بين التجديد والإحياء لهذه المدة كلها، بحيث لم يعثر له على أثرواضح في تفاصيل مسلسل الإصلاح المتوالي. ولو أن المنظومة التربوية راهنت على تدخلاته بشكل جدي وأحيت أدواره منذ ذلك الزمان، لربما لم نكن في حاجة لا إلى ميثاق وطني ولا إلى برنامج استعجالي ، وهما مبادرتان انتهتا كما نعلم بفشل محرج لنا أمام أنفسنا وأمام العالم.
لقد تعددت الأدواء في الجسد التعليمي وتفاقمت علاته. وتراوحت بين ما هو هيكلي/مؤسسي وبين ما هو قيمي /اعتباري. تدافع الخبراء في التشخيص وانخرط المختصون في المعالجة لمباشرة أحوال هذا الجسد العليل.ولما لم تسعفهم التجربة،استحالت تدخلاتهم إلى ما يشبه الإقرار بالفشل، بتبرير حقائق والقفز على أخرى. وهكذا دشن الجميع ،عامة الناس وخاصتهم، حملة إدانة غير مسبوقة لأوضاع التعليم ، ورفعت الراية الحمراء في وجه المدرسة العمومية والعاملين فيها، ظنا منهم أنها هي حاضنة الداء ، والعاملون فيها هم حراس سوء التدبير وضعف المردودية. وما دامت مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد التقط القطاع الخاص في التعليم الإشارة واستغل هذه الهجمة استغلالا ماكرا، وأخذ يلمع صورته وينمق واجهته من أجل الكسب والإنتفاع على حساب حيرة ومعاناة الناس من واقع تعليمي ملتبس وليس من أجل الإرتقاء بالممارسة على قاعدة النزاهة والتكامل، وبعيدا عن أي توجيه مركنتيلي يقايض النجاعة بالأداء المسبق. صحيح أن التعليم الخصوصي كان ضرورة من ضرورات زمن ما، أيام كان ملاذا للفاشلين وغير المؤهلين تأهيلا كافيا يستجيب لمعايير الأداء في المدرسة العمومية. لذا يجب أن نعترف الآن أنه لو لم يتم تبخيس أدوار هذه الأخيرة ، ولم يتم الإصرار على زعزعة التمثلات بشأنها ، ولم يتم الإستخفاف بمكانتها ووضعها الإعتباري الذي استحقته عبر العصور عند إهمال مرافقها وتحويل ما رصد من مشاريع بناء وإصلاح ،كانت في الأصل موجهة للمدرسة العمومية، إلى قطاعات ومصالح أخرى على سبيل التفويت. ولو لم يتم تحقير مضامينها وتسفيه مجهودات العاملين بها من طرف ثلة من المغرضين، لما شهدنا هذا التغول اللامحسوب للمدرسة الخصوصية على نظيرتها العمومية. لكن أشد ما نخشاه كعامة الشعب هو أن يكون هذا الدلال والحظوة التي يتمتع بها القطاع الخصوصي هو توجه ثابت عند وزارة التربية الوطنية.
لقد رسخ في فكر وتمثلات الإنسان المغربي أن الشيء الغير مؤدى عنه قيمته منقوصة، فكلما ارتفعت فاتورة الأداء ساد الإعتقاد بأن هنالك مردودية ثابتة لا نقاش فيها ، وهذا هو سراكتساح موجة « البغيـــفــي »، كما يحلو لبعض النساء ترديده بنبرة استعلاء ومفاخرة، وهي الموجة التي أضحت عابرة للقطاعات الحكومية .
مافتئ التعليم الخصوصي يوسع إذن قاعدته ، على حساب يأس مستفحل يرعاه الجميع تأثيرا وتأثرا،فتناسلت المؤسسات الخصوصية كالفطرفي الأحياء الراقية والشعبية على السواء وامتدت إلى الأحياء المهمشة وهذا هو الأنكى ، فلم تعد المدرسة الخصوصية امتيازا يمليه الإختيار الواعي المشروط بالإستطاعة والأريحية، لقد سيقت إليه الطبقات الفقيرة سوقا وأصبحت مضطرة لأن تقتطع جزءا من ميزانيتها التقشفية لتمويل تمدرس أبنائها بتأثير من إيحاءات الواجهة البراقة وتربص أصحاب الشكارة.
وإذا كان البعض يرى في المدرسة الخصوصية قارب نجاة لقطاع عمومي ترعاه الدولة وفيه من الإختلالات ما فيه. ووسيلة للإنفلات من واقع تعليمي جميع فوهات مدافع النقد الهدام موجهة نحوه، فأنا أعتبر أن إصرار المدرسة الخصوصية والقائمين عليها على استفزاز نظيرتها العمومية هو اصطياد في الماء العكر وتكريس لحالة النفور اللاواعي من الثوابت الوطنية، وزيادة في تسميم الحياة المجتمعية المسممة أصلا بفعل نوازع الإستئثار بالتميز والوجاهة مهما بلغ الثمن.
القائمون على قطاع التعليم الخصوصي يريدون أن يقنعوا الناس بالتوجه إلى مؤسساتهم متذرعين بصدق نواياهم وصواب مسعاهم، وهم ينجحون للأسف في ذلك انطلاقا من المثل الذي يقول « الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري » . لذلك ترى معظم المدارس العمومية، خاصة في المدار الحضري، خاوية على عروشها او تكاد.وهذا الفراغ الذي يصبح مع مرور السنوات مزمنا، يجر وراءه مشكلا آخر يتعلق بالإنسداد في الحركة الإنتقالية لأطر التدريس وهو ما يحصل الآن بالفعل. فكيف يمكن لمدرسة عمومية أن تستقبل أطرا وافدة في غياب تسجيلات جديدة ، وكيف يمكن أن نضاعف حظوظ المشاركين في الحركة الإنتقالية مع انعدام إحداث مؤسسات جديدة؟
لا يحق لوزارة التربية الوطنية أن تقتل الميت وتسير في جنازته. فهي ملزمة بتقديم حساب اختياراتها، بدل أن تستكين لواقع « الرضا الملغوم » والذي يبديه، لحد الآن، جزء من الشعب الذي تستهويه أساليب الوجاهة والدعاية، وليس الشعب كله. والوزارة ذاتها هي مطالبة بترجمة مساعيها في إصلاح قطاع يحتل المرتبة الثانية في سلم الأولويات الحكومية، عبر تحمل تكاليف الإصلاح والمعالجة كاملة . أما والحالة بهذا الإستعصاء حد الإستحالة فالعلاج كما نعلم، يكون بالكي أو البتر وأنا أفضل بتر هذا العضو الزائد والمكلف للجسم التعليمي ،الذي يسع لجميع المغاربة فقيرهم وغنيهم. فهل يبسط المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي هذه الفكرة العصية على فهم البعض في القادم من اجتماعاته ؟.
محمد اقباش
Aucun commentaire