نافذة على رمضان : القرآن الكريم :التكوينات النصية وحلول لأزمة الإنسان.
2-القرآنية والتوافق بين الآيات الكريمة.
يعرف مالك بن نبي الوحي في كتاب الظاهرة القرآنية، الذي صدر سنة 1946 بالفرنسية ،وطبع بالعربية سنة 1958 ،و1961 ،وترجمه الدكتور عبد الصبور شاهين بقوله: »الوحي هو المعرفة التلقائية، والمطلقة لموضوع لايشغل التفكير، وغير قابل للتفكير. » ص144.
انطلاقا من هذا التحديد، يقارب مالك بن نبي: » الظاهرة الدينية من منظورين : منظور غيبي ،يعتبرها ظاهرة فطرية متأصلة في الطبيعة ،ومنظور مادي ،ينظر إلى التدين كظاهرة ثقافية ،وعارض تاريخي » انظر التفاصيل في ص71.
ويسلمه التحليل المتوازي للظاهرتين :القرآنية ،والنبوية إلى تقرير حقيقتين، مؤداهما:
1- أن القرآن الكريم من عند الله، وأن محمدا (ص)هو رسول الله ،مبلغ الوحي للناس كافة ،ويستدل الباحث على هذه النتيجة بالإعجاز القرآني ،الذي هو دليل صحة مصدر الوحي ،وهو الله سبحانه وتعالى ،ودليل صحة نبوة محمد (ص).
2-أن الظاهرة القرآنية مدخل أساسي، لمعرفة جوهرالذات المحمدية الإنسانية ،ولحقيقة نبوة محمد (ص) ص108 ، الذي تأكد بدوره من صحة الوحي بواسطة، الملاحظة الخارجية، كالانعزال في غار حراء ،والرؤية، وفعل اقرأ ،وحركة الضم، والشعور بالضغط، والهول…وعن طريق رصد التفاصيل، والمفارقات بين نصوص الكتب السماوية، في العهد القديم، والعهد الجديد، مثل الأمية، والفطنة، وتفسير إشارات ورقة بن نوفل ،وإحالته على المصادر المسيحية « .
إذن فنظام الكلام ،والرصف، والتنظيم، والتكوين النصي ، والعرض الغيبي، والبنية الخبرية والحوارية ،ووقائع ومقاصدية ظاهرة الاقتصاص، هو ما يميز القرآن الكريم ،ويسمو به عن كل أنماط الكلام البشري.
وهكذا تعني القرآنية، أن القرآن الكريم ليس شعرا، ولانثرا ،ولكنه قرآن معجز من عند الله ،منزل على محمد(ص) بواسطة الملك جبريل عليه السلام، وبالتالي فهو ينأى عن العبقرية الإنسانية، أوالإبداع الجني. يقول تعالى: »قل لئن اجتمعت الإنس، والجن، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ،لايأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. » الإسراء :17/88. ففواتح بعض السور بالحروف ،والمجاز القرآني، والتركيب الاستعاري ،وأخبار الغيب، وسير الأشخاص والقبائل ،والشعوب، والأمم، والكلام الموقع…كلها دلائل نصية، على هذه القرآنية.
لكن العقل الحديث في عصرنا الراهن، المتأثر بظاهرتي الاستشراق ،والاستغراب معا، يتجه نحو الانبهار بالنصوص الحقوقية الكونية ، والأنظمة الوضعية البشرية ،والمنجز الحضاري العلمي، والتقني ،على حساب تغييب النص القرآني ،من مركز الاهتمام، وكأن القرآن الكريم مجرد كتاب دين، يتلى في المساجد في أوقات معينة فقط ،وليس منهجا ربانيا ،وشريعة إلهية سمحة، يتعبد به في الصلاة ،وأثناء التلاوة، ويسترشد بها في تنظيم حياة البشر ،وحل معضلات الإنسان الكثيرة، الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية…من قبيل معضلة الانتحار حرقا ،أو شنقا، أو تناولا، ومعضلة الاكتئاب، والشعور بالإحباط ،ومعضلة السوداوية، وانسداد الأفق …حيث حل القرآن الكريم هذه الأزمات النفسية ،المميزة لعصر السرعة، بواسطة الكلام الموقع، والجمل المتوازنة المقفاة، والتكوين الصوتي، للنسيج القرآني ،المؤمن للنفس المتلقية ،أو القارئة ،عن طريق توفير جو الخشوع، والشجن ،وتوافق حالات المعنى القرآني ،مع المقامات الصوتية ،مما يخلق التوازن النفسي ،ورضى الذاتي : » ألا بذكر الله ،تطمئن القلوب » الرعد:13/ : 28
وليس الاطمئنان ،غير السكينة ،واليقين، وتبديد الشك ،والاضطراب، وقوله تعالى : »وننزل من القرآن ،ما هوشفاء ،ورحمة للمؤمنين. » الإسراء82:17 : وفي المحصلة الشفاء ،هو الخلاص من الشك، والحيرة، وبيان من الضلالة ،والجهالة ،وبرء من كل داء، وبلسم من كل جرح نفسي، ورحمة للمؤمنين، الذين يتلون كتاب الله.
ونستحضر-في هذا المقام – تجربة عالم الصوتيات الاسباني، الذي أدخل القرآن في برنام النوطات الموسيقية ،فاكتشف الحقيقة المذهلة ،الجملة القرآنية الموقعة ،خارج درجات السلم، وتقع في ذروة الكمال الصوتي. من هنا نفهم الحكمة ،من الأمر الإلهي : « ورتل القرآن، ترتيلا. »المزمل:4:73 والترتيل في نهاية المطاف ،هو الانتظام ،والاتساق، والبيان ،وحسن التأليف ،وتفخيم الألفاظ ،والإفصاح عند النطق، وتجويد الصوت، لتدبر معاني القرآن الكريم، ورصد التوافق، والانسجام بين آي الذكر الحكيم، المرتهنة:
1- بقانون التنجيم، الذي أضفى حيوية نصية ،وزمانية ،وخلق حركية تاريخية، واجتماعية، وروحية ،على النص القرآني، وحال حسب مالك بن نبي، دون تحوله إلى » فكرة دينية ميتة، أو كلمة مقدسة خامدة، أو مجرد وثيقة دينية. » ص181.
2-وبقانون الوحدة الكمية ،الناظم للآيات ،ومحولها إلى نسيج نصي متناغم، يستجيب لانتظارات الإنسان ،ويلبي حاجياته، ويبث في قضايا راهنة ،أو مستجدة ،يقول مالك بن نبي : »كل وحي مستقل، يضم وحدة جديدة ،إلى المجموعة القرآنية.ص182.
مصدر:
*-الظاهرة القرآنية دار الفكر المعاصر لمالك بن نبي.
Aucun commentaire