قراءة في مقدمة وفيات الأعيان لابن خلكان
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم. و الصلاة و السلام على خاتم المرسلين، وإمام المتقين، وعلى اله و صحبه و من تبع سنته، و سلك طريقه إلى يوم الدين.
أما بعد، فموضوع المقالة هو: » قراءة في مقدمة وفيات الأعيان لابن خلكان ». وسأقتصر على الجزء الأول على اعتبار انه يضم خطبة المؤلف، و منهج المحقق فضلا عن 199 ترجمة، اعتبرها عينة كافية للوقوف على شروط المؤلف، و مميزاته في فن التراجم.
اهدف من وراء هذا العمل إلى الوقوف على شروط المؤلف في خطبته و مدى التزامه بما اشترطه على نفسه ثم معرفة القيمة العلمية للمصادر التي تعنى بالتراجم.ترى ما هي الدواعي التي دفعت ابن خلكان إلى التأليف في فن التراجم ، و ما هو منهجه في التأليف، و ما هي المصادر التي اعتمدها، و ما هي شروطه في خطبته، و ما مدى التزامه بها، و أخيرا ما هي المؤاخذات الموجهة إليه؟؟؟.
تلكم مجموعة من الأسئلة، سأستنير بها في بلوغ ما سطرته من أهداف، و الله المستعان.
التعريف بالمؤلف:
« هو أبو العباس، شمس الدين،قاضي القضاة، احمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، البرمكي، الاربلي . يقص علينا ابن خلكان ساعة ولادته و اليوم الذي وقعت فيه و البلد و المكان فيقول: » و مولدي يوم الخميس بعد صلاة العصر حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان و ستمائة، بمدينة اربل، بمدرسة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين بن زيد الدين، رحمهما الله تعالى. »و يذكرون انه تفقه بالموصل على كمال الدين بن يوسف، و قرا النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي و اخذ عن ابن الصلاح، و ناب في القضاء عن القاضي بدر الدين السخاوي. و ينقل اكثر الذين ترجموا لابن خلكان تلك العبارة التي قالها عنه تاج الدين الفزاري في تاريخه من انه: » كان قد جمع حسن الصورة، و فصاحة النطق، و غزارة الفضل و ثبات الجأش، و نزاهة النفس » و قول الذهبي: » كان إماما فاضلا، بارعا، متفننا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علامة في الأدب و الشعر، و أيام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سراة الناس، كريما، جوادا ، ممدوحا. »توفي سنة681 من الهجرة . » 1
كتابه: »وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ، مما ثبت بالنقل آو السماع آو أثبته العيان »
المحقق وعمله:
حقق هذا العمل الضخم محمد محيي الدين عبد الحميد- مفتش العلوم الدينية و العربية بالجامع الأزهر و المعاهد الدينية. و قد لخص عمله بقوله: » لم يكن لي بد من مراجعة هذه النسخ-يقصد النسخ الست- كلها بعضها على بعض، و ترقيم الكتاب، و تحقيق النص بالرجوع إلى ما أمكن الرجوع إليه من الأصول التي اخذ عنها المؤلف، و ضبط ما يحتاج إلى الضبط من أعلام الأناسي و الأماكن و الألفاظ الغريبة، ثم إن ضبط المؤلف لفظا بحثت عنه فان وجدت من يخالفه في ضبط هذا اللفظ بينته في اسفل
1 : محمد بن أبى بكر بن خلكان –ت 681 ه- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد- ج1 –مكتبة النهضة المصرية –ط1- سنة 1948 م –ص4
الصفحات، و شرحت ما ظننت أن القارئ المتوسط يحتاج إلى شرحه، و بينت اختلاف النسخ، و ضبطت في اسفل الصفحات بالحروف بعض ما لم يضبطه المؤلف عدا ضبطي له بالشكل في أثناء الكتاب. و اعتزمت أن أضع له أنواعا جمة من الفهارس، لا أقول عنها اكثر من أنها ستهون على كل باحث سبيل الانتفاع بهذا الكتاب. » 2
دواعي التأليف:
تعرض المؤلف لبيان ذلك في مطلع الكتاب قائلا: »هذا مختصر في علم التاريخ دعاني إلى جمعه أنى كنت مولعا بالاطلاع على أخبار المتقدمين و تواريخ وفياتهم و موالدهم،ومن جمع منهم كل عصر، فوقع لي منه شئ حملني على الاستزادة و كثرة التتبع، فعمدت إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، أخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده في كتاب، و لم أزل على ذلك حتى حصل عندي مسودات كثيرة في سنين عديدة، و غلق على خاطري بعضه ، فصرت إذا احتجت إلى معاودة شئ منه لا اصل إليه إلا بعد التعب في استخراجه لكونه غير مرتب، فاضطررت إلى ترتيبه ». 3
منهجه:
يقول عن منهجه »فرايته على حروف المعجم ايسر منه على السنين، فعدلت إليه، و التزمت فيه تقديم من كان أول اسمه الهمزة…وان كان هذا يفضي إلى تأخير المتقدم و تقديم المتأخر في العصر، إدخال من ليس من الجنس بين المتجانسين،لكن هذه المصلحة أحوجت إليه، ولم اذكر في هذا المختصر أحدا من الصحابة و لا من التابعين ،رضي الله عنهم إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم، و كذلك الخلفاء: لم اذكر أحدا منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب، لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم و نقلت عنهم آو كانوا في زمني و لم أرهم ليطلع على حالتهم من يأتي بعدي،و لم اقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء آو الملوك آو الوزراء آو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس و يقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من
2 : ابن خلكان –مرجع سابق ص 16- من المقدمة
3 : المرجعنفسه ص 2 من المقدمة
أحواله بما وقفت عليه مع الإيجاز كي لا يطول الكتاب، و اثبت وفاته و مولده إن قدرت عليه و رفعت نسبه على ما ظفرت به، و قيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة آو شعر آو رسالة، ليتفكه به متأمله و لا يراه مقصورا على أسلوب واحد فيمله، و الدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفننا. » 4
مصادر مؤلفه:
استقى معلوماته التي أودعها هذا الكتاب عن ثلاثة مصادر:
أولها، ما قراه في الكتب المصنفة قبله، و كان مولعا بمراجعتها والإفادة منها.
ثانيها: ما أخذه عن أفواه مشايخه من أهل الثقة.
ثالثها: ما شاهده بنفسه، و لهذا سمى كتابه: » وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان مما ثبت بالنقل آو السماع آو أثبته العيان »
مؤاخذات المحقق على المؤلف: 5
أولا:انه لم يكن دقيقا في ترتيبه على حروف الهجاء ،إذ لم يلاحظ إلا أول حروف اسم المترجم و ثانيها، فلم يلاحظ الحرف الثالث و لا ما بعده، و لم يلاحظ اسم أبي المترجم أصلا، بل لو كان اسم المترجم مركبا إضافيا كعبد الله و عبد الرحمان و عبد الوهاب لم يلاحظ إلا صدر المركب و لم يأبه بعجزه، فهو يقدم سرى بن المغلس على السرى بن احمد و يقدم سعد بن محمد على سعد بن علي،و يقدم عبد الله بن يوسف على عبد الله ابن عبد السلام…
ثانيا: إن في هذه الطريقة عيبا لم يفطن له المؤلف ذلك أن كثيرا من الأعيان الذين ترجم ابن خلكان لهم و رتبهم في كتابه على ترتيب الحروف الأوائل من أسمائهم- اشتهروا في السنة الناس و في كثير من الكتب بألقابهم ا و كناهم ، و قل من الناس من
4 : ابن خلكان مرجع سابق ص 3 من المقدمة
5 : المرجع نفسه ص 12
يعرف الاسم الذي عليه انبنى ترتيب هذا الكتاب، فكم من الناس من لا يعرف أن اسم صلاح الدين الأيوبي يوسف، و كم منهم من لا يعرف أن اسم سيف الدولة الحمداني علي، و هذان من أبطال العروبة و قادتها و من ارفع الأعيان نباهة شان، و قد التمس المحقق لذلك عذرا بقوله: » واكبر الظن انه لم يأبه بهذا لانه لم يكن يخطر له أن تصل الحال بأبناء العربية إلى أن يجهلوا أسماء أعيان العصور السالفة من آبائهم و أجدادهم، و الأمر بيد الله.
ثالثا:أن هذه الطريقة التي رغب فيها ابن خلكان و رآها ايسر الطرق على من يريد الانتفاع بكتابه، كم في هذه الطريقة من العناء و المشقة على أهل البحث و الدرس الذين يريدون أن يضعوا حدودا للحضارة العربية قي مختلف نواحيها؟ و ماذا يفيد من يريد أن يؤرخ للفقه الإسلامي في قرن من القرون من أن يجد فقيها شافعيا مصريا من أهل القرن الثاني الهجري بجانب شاعر أندلسي من أهل القرن الرابع و يجانبهما وزير شامي من أعيان القرن الخامس،مثلا، و ليس من رابط يربط أحد هؤلاء بالأخر فيجعله بجواره في هذا الكتاب إلا أن الحرف الأول و الثاني من أسمائهم مشترك بينهم؟
الوقوف على منهج المؤلف و شروطه:
1ـالموازنة بين الروايات وترجيح الأصح:
فهو حين ياْخذعن الكتب المصنفة لا يقف عند النقل ويلقي عهدته على صاحبه شأن كثير من المصنفين, ولكنه يزن الكلام وينخله, فإن شك فيه ولم يقع منه موقع القبول عقبه بقوله » وفي النفس من هذا الكلام شيء أنا ذاكره » فإن لم يكن لكلام ظاهر البطلان وكانت ثمة رواية أخرى وازن بين الروايتين وصحح كلام أوثقهما وأحفظهما كقوله ونقل الحاكم أصح وما أشبه ذلك من العبارات .
2ـتقييد الالفاظ و أسماء الأعلام المشتبهة تقييد عبارة :
مما اشترطه المؤلف على نفسه في المقدمة انه قيد من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، و هو فغلا ما وقفت عليه و نمثل لذلك بما جاء في الصفحة46 من الجزء الأول:
قرقول: بضم القافين، و سكون الراء المهملة بينهما و بعد الواو لام.
و المرية: بفتح الميم، و كسر الراء المهملة، و تشديد الياء المثناة من تحتها، و بعدها هاء- و هي مدينة كبيرة بالأندلس على شاطئ البحر
و فاس- بالفاء و السين المهملة- و هي مدينة عظيمة بالمغرب، بالقرب من سبتة.
3-الوقوف عند بعض الظواهر اللغوية:
غالبا ما يقف الكاتب عند بعض الظواهر اللغوية، و يشارك فيها مما يدل على قدرته اللغوية وعلى سبيل المثال لا الحصر أسوق كلامه في معرض حديثه عن النسبة في » المروزي » و زادوا قي النسبة إليها كما قالوا في النسبة إلى الري: رازي، و إلى اصطخر : اصطخرزي، على إحدى النسبتين، إلا أن هذه الزيادة تختص ببني آدم عند اكثر أهل العلم بالنسب، و ما عدا ذلك لا يزاد فيه الزاء، فيقال :فلان المروزي و الثوب و غيره من المتاع » مروي » بسكون الراء و قيل انه يقال في الجميع بزيادة الزاء، و لا فرق بينهما، و هو من باب تغيير النسب. »6 و في معرض ترجمته لابن خالويه النحوي اللغوي، حيث دخل هذا الأخير على سيف الدولة ، فلما مثل بين يديه قال له سيف الدولة: اقعد، و لم يقل اجلس، فتبين لابن خالويه تعلقه بأهداب الأدب، و اطلاعه على أسرار كلام العرب. يقول ابن خلكان مشاركا: » و إنما قال ابن خالويه هذا لان المختار عند العرب أن يقال للقائم: اقعد و للنائم و الساجد: اجلس، و علله بعضهم بان القعود هو الانتقال من العلو إلى اسفل، و لهدا قيل لمن أصيب برجليه مقعد، و الجلوس هو الانتقال من السفل إلى العلو… » 7
4-حفظ الشعر و تذوقه:
لا تكاد تخلو ترجمة من إيراد بعض الأبيات الشعرية و أحيانا يورد قصيدة بكاملها حتى يخيل إلى القارئ أن ما بيده ديوان شعر و ليس كتاب تراجم ، ففي الصفحة372 من
6: المرجع نفسه ص 8 من الكتاب
7 : المرجع نفسه ص 433 من الكتاب
الجزء الاو ل يا تي بمقطع من قصيدة للشاعر المشهور ابن العلاف الضرير يتكون من خمسة و أربعين بيتا أوله:
يا هر فارقتنا و لم تعد و كنت عندي بمنزل الولد
الأبيات قد تكون من تأليف العلم المترجم له كما رأينا و قد تكون قد قيلت في حقه، و غالبا ما يختم ابن خلكان التراجم بأبيات في الرثاء ،و كثيرا ما يعلق المؤلف على الأبيات التي يسوقها و يحيل على أبيات أخرى في معناها مثل ما فعل مع شعر عبد الحكم المذكور في رجل وجب عليه القتل، فرماه المستوفي للقصاص بسهم فاْصاب كبده فقتله، فقال عبد الحكم:
أخرجت من كبد القوس ابنها فغدت تئن، و الام قد تحنو على الولد
و ما درت انه لما رميت به ما سار من كبد إلى كبد
قال ابن خلكان: الأول من هذين البيتين مأخوذ من قول بعض المغاربة
لا غرو من جزعي لبينهم يوم النوى و أنا أخو الهم
فالقوس من خشب تئن إذا ما كلفوها فرقة السهم
و من شعر عبد الحكم أيضا:
قامت تطالبني بلؤلؤ نحرها لما رأت عيني تجود بدرها
و تبسمت عجبا فقلت لصاحبي هذا الذي اتهمت به في تغرها
قال ابن خلكان: هذا المعنى مأخوذ من قول أبي الحسن علي بن عطية المعروف بابن الزقاق الأندلسي البلنسي:
و شادن طاف بالكؤوس ضحى فحثها و الصباح قد وضحا
و الروض يبدي لنا شقائقه و اسه العنبري قد نفحا
قلت و أين الاقاح قال لنا أودعته ثغر من سقى القدحا
و في الصفحة176 من الجزء الأول يسوق الأبيات التالية:
أقول و قد عاينت دار ابن صورة و للنار فيها مارج يتضرم
كذا كل مال اصله من مهاوش فعما قليل في نهابر يعدم
و ما هو الا كافر طال عمره فجاءته لما استبطأته جهنم
يقول ابن خلكان: » و البيت الثاني مأخوذ من قوله صلى الله عليه و سلم » من اصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر » و المهاوش : الحرام، و النهابر: المهالك.
و خلاصة القول فان ابن خلكان له اطلاع واسع بالأدب و هو يتذوق الشعر و له مشاركة في جميع فنون الأدب و هو ما وقفت عليه من خلال مؤلفه : » وفيات الاعيان »
5-غربلة ما يقف عليه من حقائق ومناقشة أصحابها
ففي الصفحة 408 من الجزء الأول يناقش المؤلف كلاما الإمام الحرمين الجويني، فبعد أن يبسط كلام الجويني يقول: » و هذا كلام لا يستقيم عند ارباب التواريخ لعدم اجتماع الثلاثة المذكورين في وقت واحد… » و في الصفحة450 يقف عند بعض الابيات قائلا: » و في هذه الحكاية زيادة انه قال: اسقيه يا جارية، فسقتني، و هذا ليس بصحيح، فان هشاما لم يكن يشرب، فلا حاجة إلى تلك الزيادة. » 8
6-إغناء التراجم ببعض الطرائف و النوادر و الغرائب:
الهدف من ذلك جاء على لسان ابن خلكان حيث يقول في خطبته: » و ذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة آو نادرة آو شعر آو رسالة ليتفكه به متأمله و لا يراه مقصورا على أسلوب واحد فيمله، و الدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفننا. » 9 و من هذه الطرائف:
8: المرجع نفسه ص 450 من الكتاب
9: المرجع نفسه ص 3 من المقدمة
« قال أبو عبد الله محمد بن زيد بن علي بن الحسين الو اسطي المتكلم المشهور، صاحب الإمامة، و كتاب إعجاز القران الكريم في نظمه:
من سره أن لا يرى فاسقا فليجتهد أن لا يرى نفطويه
احرقه الله بنصف اسمه و صير الباقي صراخا عليه
و دائما في سياق ترجمته لنفطويه يسوق نادرة طريفة اخرى: » حكى عبد العزيز بن الفضل قال: خرج القاضي أبو العباس احمد بن عمر ابن سريج، و أبو بكر محمد بن داود الظاهري، و أبو عبد الله نفطويه إلى وليمة دعوا لها، فأفضى بهم الطريق إلى مكان ضيق، فاراد كل واحد منهم صاحبه أن يتقدم عليه، فقال ابن سريج: ضيق الطريق يورث سوء الأدب، و قال ابن داود: لكنه يعرف مقادير الرجال، فقال نفطويه: إذا استحكمت المودة بطلت التكاليف. » 10
7-تباين التراجم طولا و قصرا:
يتضمن الكتاب تراجم جد قصيرة لا تتجاوز الأسطر القليلة كما هو الشان بالنسبة لترجمة أبى علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة، الفقيه الشافعي في الصفحة 358 من الجزء الأول و في المقابل هناك تراجم مستفيضة تصل إلى خمس عشرة صفحة كما هو الشان بالنسبة لترجمة الحلاج الزاهد في الصفحة 181 من نفس الجزء، و لعل ذلك راجع إلى شهرة العلم المترجم له من جهة والى توفر المصادر المعتمدة على عكس الأول.
8- اتصال المؤلف بأبناء المترجم لهم:
من بين المصادر التي استقى المؤلف منها معلوماته التي أودعها هذا الكتاب :
أولاد الأعلام الذين ترجم لهم فقد كان يتصل بهم وعيا منه بأنهم أدرى بحياة آبائهم، ففي الصفحة 19 من الجزء الاول، في معرض ترجمته لإبراهيم بن نصر قاضي السلامية، يقول: » و كان له ولد اجتمعت به في حلب، و أنشدني من شعره و شعر أبيه كثيرا، و كان شعره جيدا، و يقع له المعاني الحسنة. »
10 : ابن خلكان مرجع سابق ص 31 من الكتاب
خاتمة
أهم ما استفدت منه في هذه القراءة السريعة هو تصحيح تمثلاتي في القيمة العلمية لمصادر التراجم،بحيث كنت اعتقد إلى عهد قريب بان هذه المظان لا تسعف إلا في تخريج الإعلام، و إذا بي أجد نفسي أمام مادة غنية تجمع افانين متنوعة تفيد الأديب و المؤرخ و الفقيه…فضلا عن تضمنها لطرائف و غرائب تدفع الملل عن القارئ و تدفع به إلى الاسترسال في القراءة. و استفدت من الناحية المنهجية المبسوطة في خطبة المؤلف، خصوصا ما يتعلق بالدقة في اختيار العنوان و الدواعي التي دفعت المؤلف إلى تبييض مسوداته، و طريقة إقناعه القارئ بقيمة مؤلفه، و بسطه للشروط التي سيلتزم بها ثم المصادر التي اعتمد عليها، و أخيرا تعليله لاسباب اختياره ترتيب التراجم على حروف المعجم. واستفدت أيضا من منهج المحقق من خلال:مراجعة النسخ، ترقيم الكتاب، تحقيق النص، ضبط ما يحتاج إلى الضبط، وضع الفهارس. و قد وقفت على التزام المؤلف لما شرطه على نفسه في المقدمة كما وقفت على غزارته العلمية و موسوعيته إذ لا يكتفي بإسناد الأخبار إلى مصادرها، بل ينخلها و يقف منها موقفا نقديا و يناقش أصحابها بروح علمية، و يرجح من الأقوال ما عضده الدليل و البرهان ، و هو يحفظ الشعر و يتذوقه، و غالبا ما يحيل على أبيات في معنى الأبيات التي استشهد بها، كما انه يشارك في اللغة، و يسوق أحيانا طرائف وغرائب لدفع الملل عن القارئ. والخلاصة أني استفدت معرفيا و منهجيا و صححت تمثلاتي في القيمة العلمية للتراجم.
Aucun commentaire