الاحتفال برأس السنة الميلادية : ررؤية شرعية
سبيل وبصيرة:
« الاحتفال » برأس السنة الميلادية : رؤية
شرعية
كمال الدين رحموني
من الظواهر التي أصبحت معهودة في أوساط
بعض المسلمين الاستجابة الطوعية،
والتبعية المقيتة، وبعض المتّبعين من
هؤلاء الناس يعتز بكون الاتباع تحضّر
وتطور ، ويعتبر أن العلاقة وثيقة بين
التبعية لغير المسلمين والمواكبة
للمتطلبات الحداثة والعصرنة. بل من
المسلمين من يزعم أن هؤلاء القوم هم
الذين حازوا شرف الدنيا ومقاليدها ،
ومن ثم فهم الأنموذج والمثال المطلوب
لما ينبغي أن يكون عليه المسلم . وتأتي
بعض المناسبات لتجسيد التبعية لغير
المسلمين على مستوى القيم والتصرف في
خصوصيات المناسبات المرتبطة بالنظام
الاجتماعي لغير المسلمين، ومن ذلك
الاحتفاء بالأعياد وغيرها من مظاهر
التبعية الآسنة. وإذا كان تقليد النصارى
في أعياد « الميلاد » من الظواهر التي لم
تعد بذلك الزخم كما كانت في العشرين سنة
الماضية على مستوى الطبقات الشعبية ،
والنخب الواعية ذات المرجعية الأصيلة ،
فإن الإصرار على تمثل التبعية -بوعي أو
بغيره- لازال قائما عند فئة من النخب
المتغربة ، الممتنة بالولاء الفكري
والقيمي للغرب العلماني الذي لا يعترف
بالدين باعتباره مكونا شاملا يستوعب
حياة الإنسان وأخراه ، ومع ذلك يختصر
الغرب قضية الانتماء الحضاري المادي في
ليلة أو ليال تعبيرا عن حالة من العوز
الروحي الذي يعد القطب الغائب في حياة
الناس غير الدينيين . وإذا كان مفهوما في
مجتمع الغرب أن يلجأ في مناسبة السنة
الميلادية لترجمة الخصاص الروحي
بالاستعاضة عنه بمثل ما يقام في مثل هذه
المناسبات من حفلات ، فإن غير المستساغ
هو تبعية بعض المسلمين الصارخة للغرب
المسيحي. فهل هذا وضع طبيعي ، بل هل يجوز
للمسلم تقليد الكافر في الاحتفاء
بأعياد « الميلاد »؟ أم إن للإسلام موقفا
متميزا في النظر إلى علاقة المسلم بغيره
فيما له علاقة بالدين والمعتقد؟.
وحين نعود إلى نصوص الشريعة ، وإلى
فهم علمائنا لهذه النصوص في تناولهم
لقضية الاتباع والتشبه بغير المسلمين ،
نخلص إلى اعتبار ذلك داخلا في اتباع
المشركين الذي يجب التعامل معه بمقصود
الشريعة المتمثل في مخالفة المشركين،
لكونه تشبها بالمشركين ، لاعتبارات
شرعية ، منها :
1- إن التشبه بالمشركين في أعيادهم يصنّف
تحت مسمى اتباع الأهواء عامة ، فكيف إذا
كان صادرا عن غير المسلمين وأهل الباطل
؟ لقد جاء التحذير صريحا بل النهي عن
اتباع المشركين في كتاب الله عزوجل في
آيات كثيرة من الكتاب العزيز، منها قوله
تعالى :} ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما
جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا
واق { الرعد 38 وقوله تعالى : » } ولئن
اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم
ما لك من الله من ولي ولا نصير { البقرة
119 } ثم جعلناك على شريعة من الأمر
فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون
{ الجاثية 17.
2- إن نظرة الإسلام إلى المسألة ليست من
« البراءة » أو »البساطة » أو « التفاهة »،
وإنما هي نظرة فاحصة عميقة، ذات دلالات
خطيرة، باعتبار التشبه بالكفار يقدم
صورة نمطية عن حقيقة الشخصية المسلمة ،
ويقدح الهوية ، وهي حالة من الاعتلال
الشخصي ، والاضطراب الوجودي ، المؤدي
إلى الضمور الرسالي ، الذي نلحظ بعض
تجلياته في سلوكات بعض المسلمين ،
ويترجم توصيف النبي r المُؤكَّد
بالنون الثقيلة – لمرحلةٍ من عمر الأمة
الحضاري الموسوم ب »الأخذ » أو « التتبّع
السّنَني » للمخالف الحضاري ، وذلك في
حديث النبي r القائل : » لتأخذُنّ ، أو
لتتبعُنّ سَنَن من قبلكم ، كما أخذت
الأمم من قبلكم : ذراعا بذراع ، وشبرا
بشبر ، وباعا بباع، حتى لو أن أحدا من
أولئك دخل جُحر ضبّ لدخلتموه. قالوا :
يارسول الله ، كما صنعت فارس والروم
وأهل الكتاب؟ قال : فهل الناسُ إلا هم ؟
وفي رواية : » فمن ». وأهل الكتاب مفهوم عام
يسري خصوصه على طائفين : اليهود من جهة،
والنصارى أصحاب دعوى الاحتفال
ب »الميلاد ». وفي القرآن نص دال على
هذا المعنى في قوله تعالى :} كالذين من
قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا
وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم
بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم
بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت
أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم
الخاسرون { التوبة 69 ، والخَلاق هو
النصيب والحظ من الدنيا والدين ، والرضى
بالنصيب من الدنيا عوضا عن النصيب في
الآخرة ( الطبري) . وعن ابن مسعود y قال
: »أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل غير أني
لا أدري أتعبدون العجل أم لا » (اقتضاء
الصراط المستقيم)
3- إن مخالفة المشركين ليست قضية حرية
الإنسان المسلم في تصرفاته وسعيه ،
وإنما هي قضية محسومة في الشريعة
الإسلامية التي لم تترك من أمور الناس
شيئا إلا بينته وأظهرته ، خاصة في ما له
علاقة بالعقيدة والعبادة، فتقليد
الكفار في الأعياد ليس حدثا بسيطا ، أو
أمرا شخصيا ، بل له أثره على العقيدة
والعبادة معا ، ولذلك حض الإسلام على
مخالفة المشركين .
4- إذا كان الشارع الحكيم قد نهى عن اتباع
المشركين في الطاعات والمباحات ، فمن
باب أولى أن يأتي النهي عن التشبه بهم في
أعيادهم ، ودليل ذلك قوله تعالى في
الثناء على عباد الرحمن: } والذين لا
يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا
كراما { الفرقان72 . قال بعض المفسرين: »
شهود الزور حضور أعياد المشركين ، فلا
يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا
يخاطوهم.. » وقال محمد الطاهر ابن عاشور : »
لا يحضرون محاضر الباطل ، التي كان
يحضرها المشركون ، وهي مجالس اللهو
والغناء ، وكذلك أعياد المشركين
وألعابهم …وفي ذلك ثناء على المؤمنين
بمقاطعة المشركين وتجنّبهم » (التحرير
والتنوير) . ويقول ابن تيمية : » إن أعياد
المشركين جمعت الشبهة والشهوة والباطل
، ولا منفعة فيها في الدين، وما فيها من
اللذة العاجلة ، فعاقبتها إلى ألم ،
فصارت زورا ، وحضورها شهودها .(اقتضاء
الصراط المستقيم)
5- احتفاف أعياد المشركين بالموبقات
والمنكرات: فماذا ينتظر ممن تحرر من كل
القيود ، وتنكر لكل القيم ، وتمرّد على
الدين فلا يؤمن إلا قليلا ؟ ، ومن ثم
تشهد هذه المناسبات كل الشرور ،
الحاصلة، منها : الشهوات المحرمة ،
والشبهات المحققة ، والآثام اللاحقة .
6- تميز الأمة في الفرح بالعيدين دون
سواهما ، ففي حديث أنس بن مالك y ، أن
النبي r قدم المدينة ولهم يومان يلعبون
فيهما ، فقال : » ما هذان العيدان ؟ « قالوا:
كنا نلعب فيهما في الجاهلية .فقال : » إن
الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم
الأضحى ويوم الفطر » أبو داود . فالنبي r
لم يعترف بهذين اليومين ، فيقرَّهما ،
وإنما أبدلهما ، والإبدال مقصود به
التميز ، والتفرد في الخصوصيات ، فلم
يكن للنبي r ليعتبر ذلك أمرا شكليا ، في
مرحلة بناء الدولة التي كانت تحيط بها
دول تدين بالولاء لعقائد مخالفة كانت
تحرص على أعيادها كحرص نظيراتها في
العصر الحديث . ثم إن النبي r يقدم
المثال على تصور الإسلام لقضية العيد
وموجبات الفرح فيه ، ومن ثم كان بإمكانه
تشريع أعياد أخرى متباعدة من حيث الزمان
، ولكنه حرص على ارتباط العيد بالطاعة
والعبادة ، فالحدث قبل الفطر عبادة
الصيام وهي من أجل القربات الموحية
بالتجرد من الشهوات التي تقود الإنسان
وتأسره بحبائلها فلا يستطيع منها فكاكا
، وأما الأضحى فبعد الحدث الأعظم ،بعد
الحج الأكبر ، ومن ثم تبدو المفاصلة بين
طبيعة العيد عند الأمة وغيرها من الأمم
، فكما أنها تتميز بعقيدتها وعباداتها
، كان من الانسجام الطبيعي أن تتميز في
أفراحها ، ومن ثم كان المقصد النبوي ،
والتوجيه الشرعي بالاتباع للمشروع شرعا
، وترك المتروك شرعا . ومن عناوين التميز
الدالة -أيضا- تخصيص الأمة بيوم الجمعة ،
فقد ورد في الحديث أن النبي r قال : » أضلّ
الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان
لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم
الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم
الجمعة. فجعل الجمعة والسبت والأحد،
وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن
الآخِرون من أهل الدنيا،والأولون يوم
القيامة المقضيُّ لهم أو بينهم قبل
الخلائق »مسلم ح 856. والحديث دليل قوي على
وجوب تميز الأمة بيوم الجمعة، فإذا شارك
المسلمون اليهود في سبتهم ، أو النصارى
في أحدهم ، فقد خالفوا حديث رسول الله r.
، لكونهم صادموا المقصود النبوي ،
المعلَّل بتبعية أهل الكتاب للأمة ، في
الوقت الذي يصر بعض المسلمين على
التبعية لغيرهم.
7- مواقف بعض المالكية من مسألة التشبه
بغير المسلمين:
أ- سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن
التي تُكب فيها النصارى إلى أعيادهم فكه
ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم
الدذي اجتمعوا عليه. كما كره المالكية
أن يُهدي المسلمون إلى المشركين شيئا في
عيدهم ، واعتبروا ذلك من تعظيم شركهم
وعونهم على كفرهم.
ب- فقيه الأندلس يحي بن يحي الليثي /ن
أصحاب مالك ، وأحد رواة الموطأ المتوفى
سنة 234ه ، قال : » لاتجوز الهدايا في
الميلاد من نصراني ولا من مسلم ، ولا
إجابة الدعوة فيه ، والاستعداد له،
وينبغي أن يُجعَل كسائر الأيام » وقال : »
سمعت مالكا يقول عن مشاركة النصارى في
أعيادهم : » من تشبه بقوم حُشر معهم »
Aucun commentaire