خروق في سفينة المجتمع 36 – قلة الحياء
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
خروق في سفينة المجتمع
36 – قلة الحياء
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
من القيم التي يستقيم بها أمر سفينة المجتمع، ويكون بها أهلها في حالة من السمو والبهاء، خلق الحياء، فهو كفيل بأن يحجزهم عن القبائح والدنايا، فيكون الطهر ونظافة الذيل، شعارا لتلك السفينة ودثارا لها من كل ما يثلم عرضها، أو يصيبها في كرامتها، فكأني بالحياء درع هي من الصلابة بحيث يتكسر على جنباتها كل ما من شأنه أن يتطاول على حرمة السفينة ووقارها، يعرف العلامة الراغب الأصفهاني في كتاب « الذريعة إلى مكارم الشريعة » الحياء بأنه » انقباض النفس عن القبائح، وهو من خصائص الإنسان، وأول ما يظهر من قوة الفهم في الصبيان، وجعله الله تعالى في الإنسان ليرتدع به عما تنزعه إليه الشهوة من القبائح فلا يكون كالبهيمة ». فواضح من هذا التعريف أن الحياء مما يفطر عليه الإنسان، بدليل أنه « أول ما يظهر من قوة الفهم في الصبيان »، فيكون انعدامه أو ضعف تجليه في سلوك الناس راجعا إلى عوامل من صميم ما يعرض لسفينة المجتمع من تصرفات توصم بالفجور، أي بالخروج عن قانون الفطرة بفعل اجتيال الشياطين التي من طبيعتها ومن شأنها أن تحتل المساحات الفارغة، لتملأها بالألغام الفورية والموقوتة.
والذي يؤكد فطرية الحياء في كيان الإنسان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عده في شعب الإيمان حيث يقول عليه الصلاة والسلام: » الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ».
وبناء على هذه الحقيقة النبوية نستطيع أن نتخذ حالة الحياء، كثرة أوقلة، شيوعا أوتقلصا، في مجتمع من المجتمعات الإسلامية مقياسا لمستوى الإيمان أو درجة التدين عند الناس. فإذا كان الراغب الأصفهاني قد عرف الحياء بأنه « انقباض النفس عن القبائح »، فإن قلة الحياء أو انمحاءه يعني انطلاقها وانسياحها وراء القبائح، فالحياء بهذه الصفة – وهو مظهر إيمان – يؤدي وظيفة الكبح لأهواء النفس، والضبط لها لتظل منسجمة مع قانون الفطرة التي فطر الله الناس عليها. ويزيد هذه الحقيقة إيضاحا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: » إذا لم تستح فاصنع ما شئت » ، إنه قانون نفسي يكتسي طابع الإعجاز في مجال المعرفة بأغوار النفس ومنحنياتها، ومما لا شك فيه، أن أئمة الفساد في العالم قد أدركوا هذه الحقيقة أيما أدراك، مما جعلهم يدأبون على تأسيس خططهم عليها وهم يتوجهون بكل قواهم إلى حركة التفسيق والتمييع. ويؤكد وعيهم بهذه الحقيقة أيضا أنهم لا يكتفون بعالم الكبار والراشدين في سعيهم لنسف أصول الفطرة ومقوماتها، بل إنهم ليتوجهون إلى عالم الأطفال الأبرياء، الذين يمثلون الاستمرارية والامتداد، ليجهزوا على الفطرة في مهدها بكل وحشية وصلافة، فالقضاء على الشتائل وتخريبها في مواقعها الأصلية قبل أن تشتد أعوادها يراه عتاة الفساد العالميين ضمانا لنجاح عملية الجدع التي ورد ذكرها في حديث الفطرة، إنها عملية منهجية عاتية تتذرع بمختلف الوسائل التقنية التي أفرزها العصر، وزودها بإمكانيات هائلة للسحر والغواية والإبهار، كفيلة بإحداث حالة من الطمس والتخدير، تكتسي خطورتها ومأساويتها في ظل غياب مريع للرعاة المسئولين، وغيبوبتهم عن المشهد العام. ومما لاشك فيه أن انحراف التعليم والإعلام، يعد رأس الحربة في هذه الحركة الشيطانية الرهيبة.
إن ما تشهده سفينة مجتمعنا من إمعان في قلة الحياء، التي تغذيها باستمرار عملية ماكرة لنزع الحياء، ينذر بإصابتها بآفة العمى وإتلاف جميع أجهزة الوعي والإحساس لديها، مما يجعلها مرشحة للارتطام بالصخور، لتكون فريسة بعد ذلك للحيتان التي تترصدها في كل وقت وحين.
إن نضوب ماء الحياء من وجوه الناس في سفينة المجتمع، مرده إلى حرص عتاة الفجور والفساد على تجفيف منابع الحياء ، أو على أقل تقدير – إن لم يستطيعوا ذلك – تلويثها بما يفسد طبيعتها، ويخرجها عن خلوصها وصفائها.
وإذا لم يكن بالإمكان في هذا الحيز استقراء جميع المجالات التي طالها التلويث والتشويه، فلا أقل من الإتيان بمثال أحسبه صارخا في تعبيره عن المكر الكبار الذي يمكره أرباب الجدع في حق اللباس المفروض فيه أن يناسب الفطرة، ذلك بان هؤلاء الماكرين، بعد أن عجزوا أن يفرضوا طرازهم بشكل كامل، تسربوا إلى حجاب المرأة المسلمة المفروض أن يكون سابغا، فمسخوه مسخا يثير السخرية والاشمئزاز، واكتفوا منه مرحليا أن يكون كفيلا بالوصف فقط ، دون الكشف والشفوف، لأن ذلك وحده كاف ليعبر عن عدم الحياء، وليؤدي وظيفة الغواية والإغراء، والسقوط في حبائل الشيطان. وزاد أرباب التفسيق خطوة أخرى باستدراج من يرتدين ذلك الحجاب المجدوع، لاستساغة الاختلاط مع الذكور دون تحفظ وبدون حرج، وبدون داع يدخل في سياق الضرورة حتى.
إننا لا نبالغ إذا قلنا بأن شعبة الحياء في مجتمعنا تكاد تكون مقفرة إلى حد بعيد، وليس هذا بالأمر المستغرب، في ظل ما ذكرته من عملية دائبة لتجفيف المنابع، وإن ذلك لينذر بأخطار محدقة توشك أن تستهدف الإيمان في شعبته العليا، مما يعرض عرى الإسلام للنقض الواحدة بعد الأخرى. إن هذه الأوضاع المتردية تفرض غلى الشرفاء والغيورين على عرض السفينة ومصيرها أن يتكاتفوا وتتضافر منهم الجهود، لإزالة الأنقاض التي تراكمت على منابع الإيمان، لتجري صافية رقراقة كما أراد لها رب العزة والجلال، ليعود الحياء إلى الوجوه اليابسة، ولتسبح الألسنة والجوارح الأرواح، اسم الواحد المتعال.
وجدة في 27 – 11 – 2013
Aucun commentaire