من ذكريات الجامعة
الذاكرة هي تلك القدرة العقلية التي تخزن المعلومات المعرفية وتحتفظ بها لفترة زمنية قد تكون محدودة وقد تستمر مدى الحياة ، وهي أساسية في عملية التعلم والاحتفاظ بالمعارف العلمية والصور الفكرية والإدراكات الحسية والنفسية والمسؤولة عن استرجاعها أو استحضارها في الوقت والظرف المناسب مع العلم بأنها من الماضي .وفقدانها لمرض (الزاهيمر أو أي إصابة في الدماغ ) يسبب عدم القدرة على التعرف على الذات والآخر، وفقدان الوعي بهما وبما يجري حولهما في العالم الخارجي .
وبفضل الله علينا ونعمه ، أننا ما زلنا نحتفظ بذكريات منها الإيجابي والسلبي ، مرت عليها عقود من الزمن ومع ذلك نسترجعها من حين لآخر لنستمتع بلحظاتها أو لنتأسف على وجودها ونتمنى لو أنها لم تكن .
يكاد الطلبة ، أن يجمعوا على أن أجمل ذكرياتهم هي تلك التي كانت أيام الجامعة . لأن المرحلة الجامعية تعد نقلة نوعية في حياة الطالب ، فهي تأتي في مرحلة الشباب المليئة بالحيوية والنشاط والإحساس بالرجولة والفتوة ، كما أنها تأتي في مرحلة الاستقلال عن الأسرة بفعل البعد والانفصال عنها ، وبفعل التمتع بالمنحة ، التي كانت معممة على جميع الطلبة في مرحلة السبعينات والثمينات والتي كانت تشعرهم بالاستقرار والاستقلال المادي الشيء الذي يقوي عندهم الشعور بالحرية ، كفعل عملي يمكن ممارسته على صعيد القول والفعل دون مراقبة الأسرة أو تدخل المجتمع .
إن ذكريات الطلبة عديدة ، منها ما يتعلق بالنضال السياسي والسجون وملاحقة الشرطة … ومنها ما يرتبط بالوعي السياسي والانخراط في أسلاك الأحزاب والجمعيات أو الدعوة إلى الإسلام ونشر الوعي بتحكيم شريعة القرآن أو الدعوة إلى الدولة العلمانية وفصل الدين عن الدولة ونبذ الإسلام ومبادئه ، ومنها ما يتعلق باختيار زوجة المستقبل ، أو خلق صداقات مع الجنس الآخر غالبا ما تنتهي بمجرد التخرج من أسوار الجامعة ، وأخرى مبنية على تبادل الاحترام مع الزملاء الجامعيين المغاربة والأجانب ، وهذه قد تستمر بعد التخرج وتزداد قوة ، ومنها ما يرتبط بالخمر والحشيش ليلت كل سبت أو أحد مع السماع لأسطوانات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب و فيروز… أو السفر إلى الحاجب وعين اللوح …لطلب المتعة كلما صرفت المنحة ، ومنها ما كان له علاقة بمواهب الشعر والغناء ورياضية كمال الأجسام والقتال والجري وكرة القدم …ومن الذكريات ما ارتبط بالمظاهرات والشغب والاقتتال بالعصي والسلاسل ، ومقاطعة الأستاذ الذي يستهل محاضراته باسم الله الرحمان الرحيم ( مقاطعة الأستاذة فوقية حسين رحمها الله نموذجا وأنا على ذلك من الشاهدين ) والاحتجاج على الأساتذة الضيوف ذوو التوجهات المخالفة للفكر العلماني المسيطر على الساحة الجامعية آن ذاك ،والتآمر مع الأساتذة العلمانيين لإسقاط الطلبة في الذين يعلنون عن توجهاتهم الإسلامية وولائهم للإسلام في الامتحانات الشفوية ظلما ( الطالب السوري آغ نذير مؤذن الحي نموذجا ) ، ومنها ما اقترن بتخريب مرافق الجامعة أو سرقة أواني المطعم أو تكسيرها …
ولكن الذكريات التي لم تفارقني يوما ، وظلت عالقة بذاكرتي تؤرقني كلما عاودتني ،أو شاهدت صاحبيها في نشرة الأخبار، هي تلك المرتبطة بالنصب والاحتيال ، والتي كان بطلاها طالبنا ينتميان لحزب يدعي الثورية والنضال والحداثة ، ويتبنى المبادئ التقدمية والاشتراكية والتحشيش الفكري والترويج لأحلام الشيوعية … وبفضل مساعدة هذا الحزب وبتزكية منه ، وبقدرة قادر ، أصبحا فيما بعد ممن تظلهم قبة البرلمان ويترأسان الوفود البرلمانية ويتحدثان عن الفساد ومحاربة أهله …وهما الفاسدان المفسدان . وتتلخص هذه الذكرى في النصب والاحتيال على الطلبة باسم التكافل والتضامن الاجتماعي ، إذ كانا ينضمان حملة لجمع التبرعات من أجل التضامن في كل دورة من دورات المنح الدراسية لفائدة طالب وهمي سرقت منه دراجته النارية أو لطالبة ضاعت منها المنحة أو تعرضت للاعتداء بالسلاح الأبيض والسرقة … أو لأي سبب آخر من شأنه أن يثير العطف والشفقة لدى الطلبة ويدفعهم للتضامن، ثم ينفقان ما يجمعانه من تبرعات على الخمر والفساد والرحلة إلى الأطلس … وما اكتشفت هذا النصب والاحتيال إلا صدفة أثناء تفحصي لاكتتاب وضع في أسفل الدرج ، أمام حارس الحي الجامعي بهدف المساهمة ، ولكني فوجئت عندما وجدت أن التبرعات فاقت القدر المطلوب وأن البرلمانيين المشروع أو بالقوة ( سيصبحان فيما بعد برلمانيين بالفعل ) لم يكلفا نفسهما حتى تغيير الورقة أو تجديدها ، بل قلبا الورقة وكتبا على ظهرها نداء جديدا من أجل التبرع للطالب الوهمي الذي سرقت منه الدراجة النارية .
هذه الذكريات وغيرها كثير ما تزال ساطعة مشعة في قلوب الذين خاضوا التجربة الجامعية وأملي أن تعطيهم الجميلة منها دافعا قويا لمواجهة الحياة وتحدي المشاكل وتحقيق الطموحات للارتقاء بالمجتمع … والسيئة منها تثنيهم عن التمادي في ممارسات الفساد والإفساد وتأييد الظلم والظالمين …
بقلم عمر حيمري
Aucun commentaire